التغییر ووهم التغییر

حرکة التغییر ( گوران ) حرکة سیاسیة لیبرالیة علمانیة ظهرت في الساحة السیاسیة في إقلیم کوردستان عام 2009 وبرزت بشکل سریع وأخذت حیزا کبیرا من الساحة السیاسیة الکوردستانیة في وقت قیاسي وخاصة في المنطقة الخضراء ( الزون الأخضر ) وهو مصطلح یطلق علی مناطق نفوذ الإتحاد الوطني الکوردستاني ویقصد بها ( مدینة السلیمانیة ) .

بعد إستقالة العضو القیادي الکبیر نوشیروان مصطفی سنة 2007 من صفوف الإتحاد الکوردستاني أسس شرکة الکلمة (وشە ) کشرکة ومرکز ثقافي ضم فیه معظم الآراء المعارضة للإتحاد الوطني وأصبحت فیما بعد حجر الأساس لحرکة التغییر في الوسط الکوردستاني .
ظهرت الحرکة کحرکة سیاسیة وحزب سیاسي لیبرالي علماني عام 2009 بأفکار لا تختلف کثیرا عن الإتحاد الوطني ، إلا أنها تقمصت التغییر وحاولت تغییر نظام الحکم ونادت بالإصلاحات في جمیع نواحي الحکم حیث إنتقدت الأحزاب الحاکمة وجعلت من نفسها الممثل الشرعي الداعي إلی محاربة الفساد وإصلاح الحکم وهذا ما ساعدتها في توسیع رقعتها الجغرافیة وقاعدتها الشعبیة في مناطق نفوذ الإتحاد الوطني بسرعة البرق .
في بدایة نضالها وعملها التنظیمي حاربت حرکة التغییر الحزب الدیمقراطي الکوردستاني PDK والإتحاد الوطني الکوردستاني UNK ونقشت ذلک في فکر جمیع أعضائها وجعلت من هذه المعارضة والمحاربة دیدنتها ، وکان الهدف من وراء هذه المعارضة إضعاف القاعدة الجماهیریة للحزبین الحاکمین في الساحة السیاسیة الکوردستانیة جنوب کوردستان ، وعلی هذا الأساس شارکت في إنتخابات برلمان کوردستان وحصلت علی 24 مقعد نیابي في البرلمان ، حیث خطفت الحرکة المرکز الثاني في ساحة کوردستان السیاسیة متخطیة بذلک حزبها الأم ( الإتحاد الوطني ) .
وبعد مرور سنوات لم تستطع الحرکة إجراء أي تغییر في مؤسسات حکومة إقلیم جنوب کوردستان بل أصبح التغییر الذي نادت به وهما ! فغیرت رؤیتها بإشراک شعب کوردستان  کضحیة تحارب علی أکتافه ألد أعدائها ، وبهذه الطریقة أصبحت تتحکم عن بعد بأهدافها المعلنة ألا وهي الهجوم والإساءة إلی الحزبین الحاکمین وتشویه سمعتهما التأریخیة عن طریق شعب مضحي ومخلص لوطنه .
هاجمت حرکة التغییر في دعایتها الإنتخابیة الحزبین الرئیسین في الإقلیم الدیمقراطي والوطني تحت شعار ( سنغیر – التغییر ) وفعلت کل شيء من أجل هدفها المنشود ، ولکن بمرور السنین لم یر المجتمع التغییرات التي نادت بها الحرکة ! بل أصبحت شعارات جوفاء براقة واتضحت النوایا یوما بعد یوم للشعب الکوردستاني وهذا ما کلفت الحرکة الکثیر الکثیر وتراجعت شعبیتها یوما بعد یوم وأثرت فيها کحرکة نادت بالإصلاح ولم یر الشعب إلا وهم الإصلاح !
ولم تکن هذه الأسباب هي الوحیدة في فقدان الحرکة لشعبیتها وخسارتها لقاعدة جماهیریة قیاسیة في زمن قصیر ، بل یضاف إلیها المواقف المتغیرة وسیاساتها المتعرجة المبنیة علی مصالحها الحزبیة والشخصیة وخاصة عند مشارکتها في دفة الحکم مع الأحزاب المعارضة التي کانت الحرکة تحاربها لیل نهار ولم تدخر جهدا في محاربتها عندما کانت الحرکة معارضة للحکومة ! فاستولت الحرکة علی وزارتین في التشکیلة الحکومیة آنذاک ، وقد رافقت ذلک بدایة أحداث ظهور الدولة الإسلامیة في العراق والشام ( داعش ) وبدایة سوء العلاقات وکدرها بین الحکومة الإتحادیة وإقلیم کوردستان وخاصة عندما قطعت بغداد حصة الإقلیم من الموازنة وقطع رواتب الموظفین في الإقلیم ، فانسحبت حرکة التغییر من الحکومة هادفة من وراء ذلک إحراج الحکومة وهروبا من إلتزاماتها کطرف مشارک في الحکومة غیر أنها لم تدرک أن هذا الإنسحاب کان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعیر !
تعددت وتجمعت الأسباب للإطاحة بالحرکة ووضعها في حالة یرثی لها ! لم یرحهما الأحداث بل تآلفت لإضعافها في الوسط الکوردستاني ، فخطابها السیاسي الهادف للتغییر لم یر النور علی أرض الواقع بل أصبح مجرد شعار یرفرف في أعالي الأعمدة یلوح للشعب الکوردستاني بالأحلام الوردیة التي وعدتها الحرکة ، وکل هذا تسبب في فقدان الحرکة لقاعدتها الشعبیة ، وعرف الشعب حجم الغبن الذي ألحقه حرکة التغییر بهم ! واتضح لشعب کوردستان أن الحرکة الولیدة لیست إلا نسخة بالیة من الحزب الأم !
حرکة التغییر لم تتخلص من نقد المنتقدین وتهجم السیاسیین والمراقبین علی مستوی الإقلیم والعراق بل لاقت أشد أنواع اللدغ واللذع والنقد من جمیع الأوساط العراقیة والکوردستانیة ، وأصبحت النقطة المشترکة لأغلب الرؤی الناقدة نقدا لاذعا للحرکة هي ( حرکة التغییر وتحت شعار التغییر لم تغیر ! لم تغیر وهي الشریکة الأقوی في الحکومة ولم تغیر وهي المعارضة الأقوی للحکومة ! فمتی ستغیر ! جاءت حرکة التغییر وذهبت کریح عابرة والوضع مثلما کان لم یتغیر ) .
إضافة إلی ما سبق فقد أثرت وفاة مرشد الحرکة ومؤسسها نوشیروان مصطفی علی الحرکة تأثیرا سلبیا ، وکشفت الغطاء عن خفایا وأسرار وأهداف الحرکة السریة والتي تتمثل في أنها لا تهدف إلی التغییر أصلا ، وأصبح واضحا للعیان بعدما تم إنتخاب المرشد العام للحرکة في الآونة الأخیرة حیث إنتخب المجلس العام للحرکة ( عمر سید علي ) مرة ثانیة مرشدا لها في عملیة إنتخابیة وهمیة لم تکن لها غیر مرشح واحد !
من أشد انتقادات الحرکة للأحزاب المعارضة لها وثنائي القوی الکوردستانیة کان انتقادها لها بأنها أحزاب عائلیة وتنتهج الحکم الملکي وغیر قابلة للتغییر ! غیر أن حرکة التغییر أثبتت علی نفسها أنها هي الحرکة العائلیة الصرفة التي لا تقبل حتی المرشح المعارض وأنتخب مرشدها من دون خصم !
( گوران ) التغییر بهذه الإنتخابات الوهمیة فقدت قیم الدیمقراطیة ، ضاع سعیها هباءا وراء صیحاتها الإعلامیة ببناء إقلیم کوردستاني قوي ومتطور وإقتصادي وو کل معاني التغییر التي نادت بە ! وبات شعار ( التغییر ) متمثلا في ( وهم التغییر ) وهم یحلق عالیا في سماء اللاواقع والأوهام .

مقالات ذات صلة