ما الذي يحدث في حفتنين؟ النواقص والسلبيات والنقد… الحقائق والحلول

حفتنين – الجزء الثاني

هل هي فاشية (AKP-MHP) أم عقلية الدولة التركية؟

لم تقبل تركيا بالحدود المرسومة بينها وبين العراق عام 1926 وفق معاهدة أنقرة أبداً، وأبدت رفضها لهذه المعاهدة كلما سنحت لها الفرصة، ففي الأول من مايس 1995 صرح الرئيس التركي آنذاك (سليمان دميرال) في خطاب له: (الحدود التركية العراقية هي الخطوط النفطية، فحيث تنتهي الثروات النفطية ينتهي هناك الحدود التركية!) فما تحدث عنه دميرال هو كركوك ونينوى، فتركيا ترى أن الولايتين ضمن الحدود التركية دائماً، والميثاق القومي الذي أعدّته تركيا إنما هو لهذا الغرض، ورغم هذه الحقيقة الواضحة فإن البكك تغطي فاشية تركيا بلحاف فاشية (AKP-MHP) وهذا تضليل فاضح لحقيقة فاشية دولة تركيا، فمصالح البكك الحزبية وحالة أوجلان في إيمرالي مرهونة بهذا، والحق أن المصالح الاستراتيجية للكورد لا تتمثل فقط في انهيار (AKP-MHP) بل مشكلتهم الأساسية هي الدولة التركية وفلسفتها ومبادئها الأساسية، وعملية حفتنين ليست متعلقةً بعقلية (AKP) وأردوغان بل هي مؤامرة من إحاكة عقلية الدولة العميقة في تركيا.

على أية مناطق استولى الجيش التركي في حفتنين؟

العملية العسكرية في حفتنين هي استمرارية لعملية خواكورك عام 2017، وعملية غصن الزيتون في عفرين وإدامةٌ لعملية درع الفرات عام 2019 فيتم تنفيذ نفس الخطط في الأقاليم المختلفة، إذ يتم التمركز طويل الأمد في المناطق التي تُحتل، وقد تموضعت تركيا في 12 نقطة عسكرية في حفتنين لغاية الآن، ويتزامن مع العملية الشروع في بناء قواعد ونقاط عسكرية وإنشاء طرق يُقصد من ورائها بقاءٌ طويل الأمد أي البقاء هناك في الشتاء، ولاستمرارية هذا الاحتلال يتم إنشاء طريق كبير من منطقة قلبان لحفتنين.

بدأ الجيش التركي عام 2019 بعملية (مخلب الأسد) الثالثة في حدود شرنخ وقلبان والكثير من النقاط الاستراتيجية كمعبر (داوتيا) وميركشيش وكويزي كخطوة أولى للتمركز ومن ثمّ البقاء، وتم تنفيذ الخطوة الثانية المتمثلة بتوسيع هذه المناطق هذا العام، والمناطق التي أخضعتها تركيا لهيمنتها هذا العام وبَنَتْ فيها نقاطها العسكرية هي: (قمة خانتور وتتمّتها الجنوبية من كري كوخي مجولي، وكري ره ش، وكري دوبشكي، كزنكي، كوخي ملا يحيى، شش دارا وشقوله، شهيد بيريفان أي قمم وادي بس آغا من سهل كشاني ووصولاً لسهل تاقا وبرخ، فقد تمركزت القوات التركية بجانب جميع هذه المناطق) واستولت تركيا على 80% من المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ البكك منذ عام 1990، والظاهر أن تركيا باقية فيها لا تنوي الرحيل! بينما تمركزت قوات حرس الحدود العراقية في المناطق الخارجة عمّا ذكرناها والواقعة بين دركار وناحية باطوفة كـ قلعة شعبانيكي، سيارا بنا، فهذا هو آخر مستجدات الأوضاع الراهنة في حفتنين!

من أحكم قبضته على حفتنين؟

حدود جنوب كوردستان مع شمالها خاضعة لسيطرة البكك منذ عام 1986 ولغاية اليوم، وبالأخص بعد عام 1990 حيث تمركزت في المنطقة بطريقة ممنهجة، ومنذ عام 1992 أخضعت كافة المناطق الحدودية عدا المعابر -الجمارك- الرسمية للإقليم لسيطرتها، ومنذ ذاك العام ولغاية الألفية الثانية حصلت اشتباكات مسلحة متقطّعة بين البكك والبارتي وبينها واليكيتي غير أن البارتي واليكيتي لم يهدفا إخراج البكك وطردها خارج الحدود أبداً، نعم حاولا توجيه البكك نحو الشمال لإدامة حربها هناك وعدم التدخل في شؤون جنوب كوردستان، ومع أن البكك تدّعي بأنها بقيت في هذه المناطق الخاضعة لسيطرتها وتمارس سلطتها هناك بقوتها غير أن حقيقة الأمر هي أنها بقيت هناك بموافقة وقبول أحزاب الجنوب، والبكك متموضعة في منطقة حفتنين منذ 30 سنة متواصلة، والمناطق الاستراتيجية التي أخضعها الأتراك لسيطرتهم كمعبر داوتيا، ميركشيشي، خامتور، شرانش، شَش دارا وسنَحْت لم يتواجد البيشمركة فيها منذ 30 عام، وقد حاول البيشمركة التقدم نحو تلك المناطق عدة مرات إلا أن البكك جعلته مبرّراً لمحاربتها الأحزاب الكوردية، فحتى عناصر البيشمركة من أهالي تلك المناطق لم يستطيعوا التوجه لقراهم بزيّهم الرسمي -بيشمركايتي-.

نستطيع القول أن حفتنين ووصولاً لجبال زاكروس تلك المنطقة الواقعة بين جنوب كوردستان وشمالها عدا المعابر الحدودية كلها خاضعة لسيطرة البكك، والحق أن البكك هو المتسبب والمسوّغ الرئيسي لاحتلال هذه المناطق، وباستطاعتنا هنا مساءلة البكك: ألم يكن بمقدوركم حماية هذه المناطق الخاضعة لسيطرتكم منذ 30 عام والدفاع عنها؟

هل باستطاعة حفتنين ووصولاً لجبل شكيف أن تتحوّل لـ “تورابورا”؟

طوّرت الكثير من القوات غير الدولية قوتها وحدّثتها وفق جغرافية مناطقها والتكتيكات القتالية الحديثة، ففي فيتنام -مثلاً- حارب الفيتناميون بتكتيكات قتالية مواتية لظروفهم فدحروا أعداءهم، وحركة طالبان ما زالت تكافح منذ 41 عاماً في قلعتها الحصينة (تورابورا) في أفغانستان، وعندما احتلت روسيا أفغانستان عام 1981 طوّرت الحركة من نظام الكهوف والمغارات والأنفاق لكي تستطيع تأمين الغذاء والماء والمأوى لمقاتليها الـ 2000 في الإقليم، ولم يستطع الجيش الأحمر التوغل في تورابورا، بعدها نشبت الحرب بين طالبان وأمريكا، فلم تستطع القوات الخاصة الأمريكية ولا قوات حلف الناتو بطائراتهم وآلاف المدفعيات والصواريخ التقدّم خطوة في هذا الإقليم، بل حمت حركة طالبان نفسها وإقليمها بإدامة حربها ومقاومتها.

عندما ننظر لحروب البكك لا نجد أي تغيير في تكتيكاتها أو تطوّر فيها كما لا نرى أية قدرة لها في حماية المناطق المستعصية على العدو التوغل فيها، فينبغي على الكورد مطالبة البكك بإجابة مقنعة حول محلة مثل (سور ئامد) والتي لم تقدر الشرطة على التوغل فيها لما يقارب من 103 أيام، فهل يعقل تسليم سلسلة جبلية مثل “شكيف” التي يبلغ ارتفاعها 300 متر والتي تضم آلاف الوديان والتلال والسهول والكهوف والقمم لجيش الاحتلال التركي خلال يوم وليلة! فهل يعقل انعدام مواقع قتالية وستائر المقاومة في هذه السلسلة الجبلية بقدر محلة (سور ئامد) للدفاع والمقاومة؟!

وفي الوقت نفسه فجبل مثل (خامتور) والذي لم يقدر أحد على احتلاله على مرّ التأريخ لم يصمد لمدة 103 أيام بل سلّم للأتراك خلال فترة 3 أيام! فكيف انسحبت البكك من هذه الجبال الشامخة والوديان العميقة الوعرة؟ فمما لا شك فيه أن وراءها أسباب سياسية وعسكرية، ولو نظرنا إليها من هذه الزاوية نستطيع استنتاج هذه التفسيرات:

نمط معارك وحروب البكك

لم تستهدف البكك بجديةٍ إسقاط الدولة التركية في أية معركة لها، بل كان الهدف من حروبها هو تسويق حملة بروباغندا دعائية لجماهيرها تحت شعارات معنوية الهدف منها كسب الثقة وتقوية تعلقهم بها وبناء القوة وحشد الشعب الكوردي حولها، فنراها تدير حروباً متدنية المستوى سنوياً لجذب المقاتلين والهيمنة على نفسية جماهيرها، ولهذه الأسباب نستطيع القول إن قابلية الحروب في البكك منعدمة، ولا نقصد بهذا التقليل والتنقيص من قيمة دماء الـ 30 ألف شخص الذين جعلتهم البكك وقوداً لهذه الحروب بل نقصد بها محاولة البكك تغطية غياب الاستراتيجيات والتكتيكات الحديثة في حروبها  بغطاء جرأة شباب الكورد ورجوليتهم، فهذه هي الحقيقة التي نريد إثباتها.

يقول ابن خلدون: (لو ثبتت الحقيقة بالأعداد فلا حاجة للخرافات هناك) وكذلك لو ننظر إلى نموذج حروب البكك خارج أطر أدبيات الدماء والشهداء والمقاومة ونثبتها بالأرقام لاتضحت لنا هذه الاحصائيات:

نفّذت تركيا أكثر من 15 عملية عسكرية كبيرة على جنوب كوردستان، ولم تقدر البكك على مواجهتها عسكرياً ومنعها من دخول أراضي الإقليم، فوفق الدعايات والبروباغندا تجري هناك حرباً شرسة غير أنه من الناحية الواقعية فقد بلغ الجيش التركي كافة أهدافه، وقد انسحبت البكك من مناطق خواكورك وحفتنين الخاضعة لهيمنتها منذ 36 سنة وتراجع مسافة 35 كم عمقاً لمصلحة تركيا، فلو نظرنا لنموذج حروب البكك ومعاركها وفق هذه الإحصائيات لوجدناها متخلفة النتائج وانها ألحقت أضراراً بالغة بشعب كوردستان وجغرافيتها.

وقد أطلنا الحديث في الجزء الأول من كتابتنا عن أهمية الناحية الجيوستراتيجية لحفتنين وعقلية الدولة العميقة في تركيا، فتجاه موضوع بهذه الأهمية في الشارع يتم رفع معنويات الشعب وحماسهم بإطلاق ثلاث عيارات نارية! ويتم نظم القصائد الحماسية حول حفتنين، وتنشر ذكريات المقاتلين -كريلا- فيها في محاولة من البكك لبناء انتصارات وهمية وإلهاء مؤيديها ومخلصيها بأنها تدير حرباً شرسة هناك!

والحق أنها ليست حرب حفتنين بل هي معركة حفتنين أحادية الطرف -الجانب- فقد سقطت حفتنين بيد تركيا منذ اليوم الأول، ولم تستطع البكك الاستيلاء على نقطة من النقاط التي سيطر عليها العدو لغاية الآن، فلو تتذكرون عندما استولت تركيا على جبل عبدال كوفي وجبل شكيف وتل الله، حينها قالت البكك أنها لن تدع العدو يشعر بالراحة هناك! غير أنه قد مرّت 3 سنوات والعدو يبني نقاطه وقواعده العسكرية وأخذ أقساطاً من الراحة!

فهنا نتساءل: ما السبب في بقاء هذا النمط من الحرب لدى البكك؟

فمما لا شك فيه أن ركود البكك السياسي ونمط حروبها الحالي سيكونان موضع تحليل لكتابتنا اللاحقة …

لقراءة الجزء الأول أضغط هنا…

مقالات ذات صلة