رؤية الـ PKK لباقي أجزاء كوردستان كرؤية الطفيلي للمضيف
كما قلنا في الأجزاء السابقة أننا حينما ننظر لرؤى ومطالب حزب العمال الكوردستاني البكك وتنظيماتها تجاه باقي أجزاء كوردستان أول ما يطرأ على فكر الإنسان أو تظهر صورته أمام عينيه هو هذا الطفيلي الذي يعيش على جسم مضيف ويتغذّى عليه، وأن العلاقة بين البكك وبين أجزاء كوردستان كعلاقة الطفيليات بالأجسام المضيفة لها، والتي تحصل على التغذية المباشرة من الجسم المضيف من غير أن تفيده بشيء غير إلحاق الأضرار والخسائر به، كذلك البكك فقد أجادت دورها الطفيلي المغذّي على باقي أجزاء كوردستان، وتعريضها لمخاطر جمّة تهدّد كيانها.
والسؤال الذي يُطرح هنا هو: لماذا تعادي البكك كافة أجزاء كوردستان لقاء هذا المعروف والإحسان الذي ناله من هذه الأجزاء؟ وحتى الآن فالبكك من ناحية العدّة والعدد والتنظيم وأفضلية قواتها البشرية من هذه الأجزاء من كوردستان، وبالأخص غرب كوردستان وشرقها، فلو تتبّعنا هوية غالبية المقاتلين -كريلا- المضحين من صفوف البكك لراينا أنهم من غرب كوردستان وشرقها، غير أننا سنكرّر عن ماهية السبب وراء وقوف البكك تجاه القضايا الكوردية في كافة أجزاء كوردستان ومحاربتها، وتمثيلها لمصالح محتلي كوردستان في هذه القضايا المصيرية!
مما لا شك أن الإجابة على مثل هكذا تساؤل تحتاج إلى نظرة دقيقة لملابسات وظروف والأهداف الحقيقية والمباشرة من وراء تأسيس حزب العمال الكوردستاني البكك، فوفق أقوال أوجلان وجميل بايك واللذين يُعتبران مؤسسا البكك أن الدولة التركية وعن طريق مخابراتها -MIT- قد اخترقت صفوف هذا التنظيم منذ بدايات تأسيسه، وأحكمت قبضتها عليه، وتحكّمت به ووجّهته، ووجّها أصابع الاتهام لشخصين بارزين من مؤسّسي البكك الأوائل بالانتماء للمؤسّسة المخابراتية وعملاء الدولة، هما (نجادي كايا والمعروف بالطيّار) وكذلك (كسيرة يلدرم المعروفة بـ”فاطمة”)
وفاطمة هذه كانت زوجة أوجلان منذ تأسيس البكك، ونجادي كايا هذا كان له دور رئيسي وبارز في تأسيس البكك، إذ يقول أوجلان بأن غالبية اجتماعات البكك هو من قام بترتيبها وإدارتها واستخلاص نتائجها، كما يضيف أوجلان بأن مكان إقامته وحياته كانت تتهيأ من قِبل نجادي كايا وعلى نفقة المخابرات التركية، فلو قرأنا كتابات أوجلان وبايك حول فاطمة والطّيّار بعيداً عن الأطر الحزبية لاتّضح لنا أن البكك تأسّست تحت رعاية الدولة وفي ظلّها ووفق أفكارها وبرامجها وأجندتها وعلى نفقتها، وأنها تأسّست على يد المؤسّسة المخابراتية التركية -MIT- وتطوّرت في ظلّها.
يقول أوجلان بهذا الصدد: “من عام 1966 ولغاية 1978 كنت قد أهملت الدولة وأدرت ظهري لها” بمعنى أنه خلال وضع خطط وبرامج تأسيس البكك كان أوجلان بعيداً عن الأضواء ودهاليز وأجندات تأسيس هذا التنظيم.
فكيف باستطاعة تنظيم تأسس في ظل الدولة التركية وتحت رعايتها، وتديره المؤسّسة المخابراتية أن يناضل ويقاوم من أجل الحركة التحرّرية الكوردستانية؟! وأن يدافع عن حقوق الكورد ويحميها؟! وأن يحافظ على الهوية الكوردستانية والكرامة القومية والوطنية الكوردية في كافة أجزاء كوردستان؟!
نعم، أعرف جيداً أنها حقيقة مُرّة، والأمرّ لي أني أمضيت جزءاً لا يقدّر من عمري الذهبي في صفوف هذا التنظيم وخصّصته لتنفيذ أجنداته وبرامجه الحزبية، وحقيقة جداً مريرة لكلّ كوردي يشعر أن تنظيماً وحزباً كوردياً يخدم مصالح الدول المحتلة لكوردستان! فمن الصعب جداً ليس للكورد فقط وإنما لأية قومية أو شعب أن يقوم تنظيم برفع شعارات تحرّرية وقومية على الساحة السياسية والعسكرية، ويحتشد أعداداً بارزة من أبناء هذه القومية حولها، ويصنع لهم آمالاً وأوهاما وفق ما تتمنّاه أنفسهم، وتضحّي بالآلاف منهم في سبيل تحقيق هذه الأمنيات والأوهام والأحلام، وتعرّض هذه الأمة لإراقة دماء ونزيف يستمر لمدة عقود من غير انقطاع واحتقان! من أجل تحقيق أهداف حزبية ضيّقة لهذا التنظيم، وبعد كل هذه المآسي والكوارث وسنوات من النضال وإسالة الدماء يظهر ويتّضح أن كل هذا إنما هو مشروع وهمي احتيالي لمحتلي كوردستان! فمما لا شك فيه أن فاجعة كهذه يستحيل نسيانها ومرارتها!!
نعم، أدرك جيداً أن مرارة هذه الحادثة والواقع بلغت مستوى لا يريد أحد أن تكون حقيقة ويتقبلها! غير أن الاستسلام لواقع تأريخي مؤلم وتقبّله أفضل من إنكاره وإغفاله وراء الظهر لتجنب صدمة موجعة تقصم الظهر! لهذا حان الوقت أن يتجرّع الشعب الكوردي والمجتمع الكوردستاني عامة وطبقة الشباب على وجه الخصوص إضافة لهذه الحقائق المؤلمة والمرّة تقبّل الواقع المرير والذي يثبت أن البكك ومنذ تأسيسها لم تجلب إلا الدمار والهلاك لكوردستان، وأن نضالها يخلو من أية مكاسب وانجازات للقضية الكوردية وحركتها التحرّرية، والأهم من هذا أن يعرف شباب كافة أجزاء كوردستان حقيقة أن البكك تحاول إهمال باقي أجزاء كوردستان من أجل تحرير الجزء الشمالي من كوردستان أو الأولى إيهامهم بأولوية هذه القضية التي ضلّلتهم البكك لمدى عقود من الزمن في سرابها.
ولنسأل أنفسنا لماذا لم تقدّم البكك أية خطوة جدية مفرحة تجاه معاناة ومصائب ومآسي جزء آخر من كوردستان؟ نعم أعيش الآن في أوروبا، غير أنّي أمضيت فترة طويلة من حياتي كعضو وكادر ومقاتل في صفوف تنظيمات البكك، ولم أُلاحظ لغاية الآن أية مشاركة للبكك في عملية أو أية أنشطة لكورد جزء آخر من أجزاء كوردستان.