الكورد في خضم الانتخابات الأمريكية
الولايات المتحدة الأمريكية
يقترب عمر المتنافسين على رئاسة أمريكا من الثمانينات.
جو بايدن:
من مواليد 1942م أي في حال فوزه في الانتخابات سيستلم الرئاسة بعمر 79، وهو المحامي الذي دخل مجلس الشيوخ بعمر 31 وكان سادس أصغر سناتور يدخل الكونغرس في تاريخ أمريكا، واستمر في الترشح لست دورات إلى أن أصبح رابع أكبر سناتور في المجلس، ومن ثم أصبح نائب الرئيس باراك أوباما لمدة ثماني سنوات، وإن حالفه الحظ قد ينجح وبعدها سيترشح للدورة الثانية، أي في حال نجاحه، سيكون قد بلغ 87 سنة من العمر! هل بإمكان الفرد وفي هذا العمر تقديم نشاط يذكر؟ أم أن التنصيب وبهذه الحالة تأكيد على أن الرئاسة ليست سوى واجهة، والإدارة ومن يقفون خلفه من حزبه هم الذين سيحكمون. تتوقع معظم مراكز مراقبة الانتخابات على أنه الأكثر حظا بين الجمهور، لكن هناك الدولة العميقة التي تحطم أحيانا كل الاحتمالات حسب مصالحها.
دونالد ترمب:
الرئيس الأمريكي الخامس والأربعون، مواليد عام 1946م سيكون بعمر 75 عند أستلام الدورة الثانية، جده كان ألماني الجنسية من ولاية راينلاند بفالز، طلق زوجته الأولى التشيكية، ومن ثم الأمريكية، من ثم تزوج السلوفينية مَلانيا، تنقل ما بين الحزب الديمقراطي؛ والإصلاح؛ والجمهوري عدة مرات، حاول خوض الانتخابات عن حزب الإصلاح عام 2000 لم يوفق فيها، بعد عام 2010 استقر على عضوية الحزب الجمهوري، وقطع تبرعاته عن الديمقراطيين، خريج كلية الاقتصاد من جامعة وارتون-بنسلفانيا، له 15 مؤلفا، جلها عن تجاربه في مجال الاقتصاد، ويقال إنها كتبت بأقلام مؤلفين دفع لهم مع تقديم الفكرة الأساسية، ففي عالمنا الانترنيتي أصبح هذا المجال أسهل من الماضي، كمهنة تدر المال، يمارسها العديد من الكتاب، بدأت تظهر حتى في مجتمعنا الكوردي، الملياردير ترمب، صاحب المسلسلات التلفزيونية المثيرة، ورئيس لجنة ترشيح ملكات الكون، مالك العديد من الكازينوهات، وملاعب الغولف، والفنادق، كان يملك أحد أكبر مراكز القمار في العالم، مع ذلك أعلن إفلاسه، أربع مرات ليتخلص من الديون والضرائب، وفي كل مرة كانت ديونه قرابة المليار دولار، أخر مرة كان في عام 2009م، وفي هذا المجال كان صديق الملياردير(جيفري إيبستين) الذي سجن في نيويورك بجانب أحد أكبر زعماء الكارتيلات في العالم، المكسيكي (الـ جابو)، على خلفية الاتجار وممارسة الجنس مع القاصرات، أنتحر بعد سنة في السجن، وظهرت الشكوك حول انتحاره، تبرأ ترمب منه ذاكرا أنه لم يتعامل معه منذ سنوات، والبعض يشكك أنه وترمب أعضاء منظمة عالمية ما بين المافيا، والماسونية، وهيمنة الشركات الرأسمالية العالمية التي تتحكم بالكارتيلات والكازينوهات وغيرها، لكن ولقوة المحاطين به، باءت كل الاتهامات بالفشل، مثل محاولة عزله من قبل الحزب الديمقراطي، علما أن بعض أقطاب الجمهوريين كانوا يؤيدون عزله في بدايات المسيرة، لذلك لا يستبعد إعادة نجاحه، رغم أن معظم المؤشرات والدراسات الميدانية تؤكد على تراجع شعبيته.
الصراع على البيت الأبيض
تتصاعد الاتهامات بين المتنافسين على الرئاسة الأمريكية، إلى مستويات التجريح الشخصي، كجو النعسان، أو ترمب الكذاب، والطعن في وطنية البعض، وعدم احترام قيمها، ينقبون عن ماضي بعضهم، وبالتفاصيل، والمواقف، وفي هذه المرحلة تتصدر الإعلام الأمريكي الريادة في السلطة، وتقديم الاتهامات للطرف الأخر، فقد انقسم على بعضه في الشهور الأخيرة بشكل ليس له مثيل، خاصة وأن الحملة الانتخابية أصبحت من الشهور المدرة لهم.
يبرز التملق السياسي، ليس فقط من قبل المرشحين، بل من أعضاء الحزبين، للوبي الدول والمنظمات العالمية بوضوح، ويوما بعد آخر تتوسع قنوات النفاق والدجل على الشعب الأمريكي من كل طرف، في على سبيل المثال، أنا ككل أمريكي أستلم كل يوم على بريدي الإلكتروني وعلى الهاتف عشرات الرسائل، من كل الحزبين، أحيانا باسم الرؤساء السابقين، أو باسم السياسيين الكبار، وأحيانا باسم المرشحين أو زوجاتهم، رغم أنني مسجل من مؤيدي الحزب الديمقراطي، جميعها مزيلة ب بطلب للتبرع، وتقدر من بين دولار واحد إلى مئات الدولارات، ودعوات لحضور المحاضرات للدعاية من جهة ولتقديم المساعدات المادية من جهة أخرى، فمصاريف الحملة الانتخابية تتجاوز أحيانا مليار دولار لكل طرف.
تفاقمت في الفترة الأخيرة قضايا حساسة، كان ترمب قد أثارها في الدورة الانتخابية السابقة، كالتمييز العرقي، والهجرة، إلى جانب العلاقات الاقتصادية مع الدول الكبرى، ومنها الصراع مع الصين والفرق التجاري الذي يبلغ قرابة 300 مليار دولار لصالح الصين، اتهم بها ترمب معظم الرؤساء السابقين وخاصة من الحزب الديمقراطي، فأستخدمها كورقة لوح بها سابقا، والأن يكررها على أنها سيعدل من المعادلة، كما وأضيفت عليهم طرق معالجة ترمب لوباء كورونا، ولا شك وككل الدورات الانتخابية، تظل القضية الإسرائيلية من المحاور الرئيسة بينهما.
الحضور الكوردي وقضيتهم
ومن الغرابة ولأول مرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية، تظهر قضية الشعب الكوردي في جدول التهم والتهجم بين المتنافسين، ورغم أن المقارنة بين تركيا والكورد، وبشكل خاص قضية شرق الفرات، درجت وبعجالة زمنية مع قصر الحوار، إلى سوية عرضها كسلبية بحق ترمب، صعدها دونالد ترمب إلى حد المقارنة بين إستراتيجية التعامل مع تركيا الأردوغانية، والتحالف مع القوات الكوردية ودورها في القضاء على داعش، للتأكيد على أنه كان الأصح في قضية سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو ما لم يوافق عليها وزارتي الخارجية والبنتاغون، وعلى أثرها ضخم ترمب في وصفه لأردوغان كشخص وكلاعب سياسي في المنطقة، ويكاد أن يكون الوحيد الآن يقف إلى جانبه من بين جميع الدول الكبرى حتى روسيا، والتي بينهما ورغم التقارب؛ العديد من الخلافات.
ورغم عدم إعادة هذه القضية إلى الساحة الانتخابية كجدلية خلاف بين إستراتيجية الحزبين، حتى الآن، إلا أنها دخلت ضمن جدول أعمال الإدارة القادمة، إن كانت من الحزب الجمهوري الحاكم الآن، ونقصد المتواجد في البيت الأبيض، أو الديمقراطيين، بشخصية جو بايدن نائب أوباما السابق، ونائبته كامالا هاريس والتي كانت من أقوى المعارضين لقرار دونالد ترمب في سحب القوات الأمريكية من شرق الفرات.
ففي الصراعات الانتخابية، تصبح بعض المجتمعات وقودا وضحايا مصالح الطرفين، وبعض الشعوب تخسر ما اكتسبوه خلال السنوات السابقة للرئيس الجديد، فكثيرا ما تكون الدورات الرئاسية كمراحل متضاربة خاصة في السياسة الخارجية، وأحيانا في علاقات أمريكا الإستراتيجية مع دول العالم، ونحن لا نتحدث ما يتم في الداخل وما يدرج أحيانا كمواد دستورية ويتم محاولة إعادة النظر فيها، كقضية الضمان الصحي المدرج تحت أسم أوباما، ففي الإستراتيجية الخارجية من الأسهل التعديل فيها أو تغيير المواقف حسب المصالح المرئية من قبل كل رئيس وإدارته، خاصة عندما تكون الأغلبية في المجلسين، الشيوخ أو النواب، أو أحدهما لصالح حزبه.
وهنا تدرج قضية شرق الفرات، من ضمن استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط، أو في سوريا تحديدا، رغم ضحالتها الاقتصادية والسياسية، وتقارن مع المتربصين بها في المنطقة، والتي تتناولها وزارتي الخارجية والبنتاغون، والتي أدت بعض الخلافات بينها وبين إدارة ترمب خلف الكواليس، وبهذه أصبحوا رقماً ضمن المعادلة الأمريكية للمنطقة، والأسباب متعددة لسنا بصددها، وهي ليست نابعة من الخبرة السياسية أو الدبلوماسية الكوردية، بل مبنية على المصالح الأمريكية في المنطقة، وجملة القضايا والأدوات المستخدمة للصراع بين المرشحين.
(جيمس جيفري) المبعوث الأمريكي معروف بتحيزه لتركيا، وهو يعكس تعاطف إدارة البيت الأبيض الحالية، ولذلك ورغم اهتمام قوى التحالف الدولي بقوات قسد؛ المنجزة لهم متطلباتهم في محاربة الإرهابيين التكفيريين، إلا أنه لا يتمكن من التغطية على تنازلات إدارته المتتالية لتركيا، وعدم الاعتراض على مخططاتها بحق الشعب الكوردي، وعندما سهى مرة ورد على الموقف التركي من مجريات الأحداث في عفرين وسري كانيه كان رد حكومة أردوغان قاسيا، بعدم استقبال وزير خارجيته، وإهماله لشهور، ولا شك مثل هذه المواقف مسنودة من الثقل التركي العسكري والسياسي، وأسلوبها الدبلوماسي المتلاعب بين روسيا وأمريكا، وتحريك ورقة العالم الإسلامي، الورقة التي هي مركز الصراع بينها وبين الدول العربية كالسعودية ومصر، وخلافاتها الوهمية مع إسرائيل.
لا يستبعد أن ترمب وفي هذه المرحلة يسمح لروسيا بتوسيع مجالات تحكمها في سوريا، وتتبين من خلال جر الإدارة الذاتية إلى عقد الاتفاق الذي تم قبل أسبوع، وهو في الواقع ما بين روسيا والإدارة الذاتية، والتي بدورها ستفرض بعض شروطها على سلطة بشار الأسد، وكلمة نائب رئيس الدولة الروسي في دمشق عن مصادر الثروة في سوريا وتمركزها في المنطقة الكوردية، والتنويه إليها لم يكن اعتباطيا، وهو ما يأمل بلوغه، ومن المتوقع أن هناك احتمالية توافق بين روسيا وإدارة ترمب على خلفية الدعم غير المباشر لحملته الانتخابية، وتظل هذه من ضمن الاحتمالات لعدم وجود مصدر مؤكد، وأن تبين شيء ما في المستقبل سيثيره الديمقراطيين.
قيل في الإعلام الأمريكي، أن تركيا في الحملة الانتخابية السابقة، دعمت ترمب، وصرفت أموال، مع ذلك لم تثار كقضية مثلما حدثت حول تهمة التدخل الروسي، ربما لعدم تأثيرها، لكن مع ذلك استفاد أردوغان منها كثيرا، وحصل على دعم غير عادي من إدارة ترمب.
ومقابل تخاذل جيمس جيفري لتركيا باستثناء الموقف الأخير الداعم للإدارة الذاتية، في جولته الأخيرة، وكلمته القاسية مع قيادة الائتلاف الوطني السوري، يدعم الممثل الأمريكي (جويل ريبرون) الإدارة الذاتية الكوردية، وبشكل دائم، في محاوراته مع المعارضة السورية أي عمليا مع تركيا، أو مع تركيا بشكل مباشر، وهذه في بعد ما يمثل الطرف الديمقراطية في الانتخابات القادمة.
وأرجح أن القادم الكوردي سيكون مشرقا، فيما إذا حصل اتفاق بين الطرفين المتفاوضين قبل نهاية الانتخابات:
ففي حال أستلم الديمقراطيون البيت الأبيض، فـ (جو بايدن) على الأغلب سيرجح كفة المصالح الأمريكية مع الكورد، فهو معروف بتقربه منهم، ومناوئته لأردوغان، ومثله نائبته (كامالا هاريس) السناتور الرئيسة التي عارضت وبشدة قرار دونالد ترمب أثناء سحب القوات الأمريكية من شرق الفرات، أتهمته حينها بالخيانة لأصدقاء أمريكا.
وفي حال ظلت الإدارة بيد ترمب، ستكون للهيئة الأمريكية المشرفة على المفاوضات الكوردية- الكوردية ثقل سياسي ودبلوماسي على موقف إدارة البيت الأبيض، فهي تمثل الإستراتيجية الأمريكية المساندة من قبل البنتاغون والخارجية، ويتوقع أن تحصل المنطقة الكوردية حينها على اهتمام من الوزارتين المعنيين، فيما إذا لم يغير ترمب موقفه بعد الانتخابات. ونتوقع أن يتنازل لروسيا عن الكثير، وهو ما يحصل الآن قبيل الانتخابات كورقة يلوح بها لجمهوره، على أنه سيعيد أبناء أمريكا إلى الوطن، وعليه قد يتغاضى ترمب عن شرق الفرات كبعد سياسي وربما عسكري قبل الاقتصادي لروسيا للتحكم بمستقبل سوريا، خاصة أن روسيا تبحث عن شرق الفرات لثقلها الاقتصادي بالنسبة لسوريا، وبالتالي ستحاول أمريكا الاحتفاظ بها كمنطقة مصالح، وليست منطقة منافسة مع روسيا، حتى ولو حصل اتفاق ما بين روسيا وأمريكا على مستقبل سوريا، ستظل المنطقة الكوردية لها خصوصية لدى الدولتين، وهنا ستتبين مدى قوة أو ضعف الحراك الكوردي في الساحتين السياسية والدبلوماسية ومدى قدرتها الاستفادة من هذا التنافس.