عام 1988، وبعد كارثة حلبجة الشهيدة، والتي راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف شهيد من الكورد الأبرياء، في أبشع جريمة إبادة جماعية وبأسلحة محرمة دولياً استخدمتها الدولة العراقية ضد الشعب الكوردي المضطهد، أصبح الحزب الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- الحزب القومي الوحيد الذي يمثل طموح الشعب الكوردي في جنوب كوردستان والشريط الحدودي لشمالها، وأثار البارتي موجةً عاتيةً من الشعور القومي لدى الشعب الكوردي في شمال كوردستان عامة وبالأخص في مناطق بوتان والجزيرة، فاستشعرت الدولة التركية بخطورة الموقف مما دفعتها إلي اتخاذ كافة السبل والوسائل للوقوف أمام هذا المد القومي لهذا الحزب الكوردي القومي الذي وجد فيه الشعب الكوردي ضالته القومية.
ولكبح الشعور القومي وإعاقته من الانتشار والتأثير على الشعب الكوردي في شمال كوردستان وقطع حبال الولاء بين الشعب في الشمال والبارتي في الجنوب، وظّفت تركيا رجالاتها المخابراتية والذين تثقّفوا على يد المخابرات التركية بالبحث عن حلول لمعضلتها هذه، فتمثّل الحلّ لدى تركيا في إيجاد حزب موال لتركيا وبديل للبارتي ونهج وفلسفة الجنرال الملا مصطفى البارزاني، فقرّرت تركيا وعن طريق رجالاتها المخابراتية توظيف أوجلان وحزبه العمال الكوردستاني -البكك- للقيام بهذه المهمّة.
فبعثت تركيا عدداً من صحفييها إلى –سهل البقاع في الشام– للالتقاء بأوجلان، ومن الطبيعي التقاء الصحفيين بشخصية سياسية، غير أن من استخدمتهم الدولة التركية لم يكونوا صحفيين، بل كانوا رجال الدولة وممثليها وشخصياتها المخابراتية، بحيث نستطيع القول بأنهم كانوا جسراً للتواصل بين الدولة التركية وأوجلان.
والحقيقة أنه في ذاك الوقت لم يكن الشعب على دراية ومعرفة بعبد الله أوجلان ولا بالبكك، ولكن بحجة هذه اللقاءات الصحفية وفي ظلّها، وإعداد برامج إعلامية وتقارير صحفية وتقديمها على قنوات تابعة للدولة التركية، روّجت تركيا لأوجلان والبكك، وبات الشعب يعرفهما جيداً، بمعنى آخر نستطيع القول أن هذه كانت مؤامرة تركية لتعريف أوجلان والبكك للشعب الكوردي، وفق خطة مدروسة وممنهجة للدولة، لكي تستطيع من خلالها الوقوف أمام تطلعات وآمال الشعب الكوردي في شمال كوردستان، واستئصال الودّ والحب الذي نما في روح الكورد في الشمال تجاه الجنوب والبارتي، أو التخفيف منه والسير به نحو الزوال.
وأهم شخصية للدولة التركية في هذه المهمة وهذه اللقاءات كانت شخصية (يالشين كوجوك)، كان يالشين كوجوك ومع عدد من رجالات الدولة المخابراتية قد أصدروا في السنة التي سبقت هذه المحاولات مجلة باسم –التحرير/رزكاري–، تطرقوا فيها لمواضيع متعلقة بالبكك وأوجلان، مع أنه كان من الصعب –إن لم يكن مستحيلاً– الحصول على إجازة رسمية لإصدار مجلة كوردية للحديث عن الكورد! غير أنه كان عملاً غاية في السهولة لكوجوك كونه من رجالات الدولة!
آنذاك قام يالشين كوجوك بزيارة لـ –سهل البقاع– في لبنان، والالتقاء بأوجلان، وإعداد لقاء صحفي معه، وبعد عودته لتركيا يتم إلقاء القبض عليه في المطار، ويتم نشر الفيديوهات والتقارير التي أعدها في لقائه بأوجلان على قناة TRT التركية، وبهذه الطريقة يتم تعريف أوجلان للشعب الكوردي، وتتم حملة دعائية له ولحزبه البكك.
أواصر الصداقة بين أوجلان ويالشين كوجوك بلغت مستوى كبير، بحيث يتسلّم أوجلان أوامر الدولة مباشرة منه وينفّذها، أصبح كوجوك محرّكاً ومسبّباً لهدنة وقف إطلاق النار بين البكك وتركيا عام 1993، ومع أن السقف الزمني لهذه الهدنة كان قصيراً، إلا أن الهدف من الهدنة لم يكن هذا فقط، فمنذ ذلك اليوم أقامت البكك لقاءات عميقة مع أصحاب القرار البارزين في الدولة التركية، كما قام أوجلان بإضعاف المقاومة الكوردية المشروعة شيئاً فشيئاً، وإنهاء الكفاح المسلح والمطالب بالحقوق المشروعة للشعب الكوردي في شمال كوردستان.