ما الرسالة التي وجهتها واشنطن إلى العمال الكوردستاني (PKK) من خلال اتفاقية “شنكال” الأمنية؟
بقلم علي تمي/ كاتب وسياسي
ترنح المفاوضات ورسالة واشنطن
توقفت المفاوضات القائمة منذ ما يقارب 6 أشهر بين المجلس الوطني الكوردي وجماعة أحزاب الوحدة الوطنية التي يقودها الاتحاد الديمقراطي برعاية واشنطن.
حيث توصل الطرفان إلى تفاهمات سياسية حول مجمل القضايا السياسية والموقف من النظام السوري والمعارضة السورية، كما توصل الطرفان إلى التفاهم حول أن تكون المرجعية السياسية بالمناصفة (16-16) للطرفين، ( 4-4) للمستقلين، وأن يحاربا غرب كوردستان لفرض واقع جديد إدارياً وعسكرياً واقتصادياً من خلال المفاوضات التي توقفت بحسب العديد من المصادر.
على ما يبدو أن واشنطن غير مستعدة لقيادة هذه المفاوضات نحو الأمام بسبب وجود خلافات بينها وبين حليفتها في الناتو (تركيا)، ولأن واشنطن أمام معركة الانتخابات الرئاسية ودخولها حالة “الصمت الانتخابي”، تتهرب من الضغط على الاتحاد الديمقراطي للرضوخ لمطالب المجلس الوطني الكوردي حول ملفات (البيشمركة، الاقتصاد، الإدارة)، وبالتالي خفضت من مستوى رعايتها للمفاوضات، وهذا أكبر دليل على أنها مُستاءة نتيجة تدخل العمال الكوردستاني (PKK) في سير المفاوضات غرب كوردستان، ومن هنا بدأ (الثور) الأمريكي بمحاولة ضرب العمال الكوردستاني ومحاصرته في سوريا، فجاء اتفاق أربيل – بغداد كبداية لِلعبة جديدة في المنطقة.
اتفاق أربيل- بغداد
قالت الحكومة الاتحادية في بغداد أنها اتفقت مع حكومة إقليم جنوب كوردستان العراق، يوم الجمعة المنصرم، وبأن الطرفين توصلا لاتفاق حول إدارة مدينة (شنكال) سنجار، وصفته بـ”التاريخي”؛ وذلك بعد سنوات من الخلاف الذي حال دون عودة عشرات آلاف النازحين الذين شردهم تنظيم “داعش” عند سيطرته على المنطقة عام 2014.
تضمن الاتفاق الذي وقعه من جانب إقليم جنوب كوردستان وزير الداخلية، ريبر أحمد، مع حكومة بغداد ثلاث محاور، وهي: الإداري والأمني وإعادة الإعمار.
ولعلّ النقطة الأهم التي وردت في الاتفاقية، هي إنهاء تواجد منظمة حزب العمال الكردستاني في سنجار والمناطق المحيطة بها، وألا يكون للمنظمة وتوابعها أي دور في المنطقة، كما هو واضح للأعيان هنا أن هذه الاتفاقية تستهدف العمال الكوردستاني بالدرجة الأولى، فواشنطن هي التي رحبت على الفور بالاتفاقية وما وردت فيها من البنود، وهذا إن دلّ إنما يدل على النهج الانتقامي منها (منظومة العمال الكوردستاني) بعد تدخلها ومحاولتها إفشال جهود واشنطن في توحيد الصف الكوردي غرب كوردستان.
العمال الكوردستاني يغرز الخنجر في خاصرة المفاوضات
يستمر هذا الحزب في حشد أنصاره ومناصريه في المناطق الكوردية السورية، رافعين صور (أوجلان) في تحدٍّ واضح لجهود واشنطن و (استفزاز أنقرة) حول محاولتها فك الارتباط بين الاتحاد الديمقراطي والعمال الكوردستاني، الذي يحاول إفشال المفاوضات (المتوقفة أصلاً) والتشويش عليها بشتى الوسائل، وبناءاً عليه دخلت واشنطن في معركة فك الارتباط بين طرفي الحزب في سوريا والعراق.
وجاءت اتفاقية شنكال لتضع النقاط على الحروف، ولتأخذ بالأحداث نحو مجرى آخر، وكخطوة أولية لمحاصرة العمال الكوردستاني من كافة الجوانب وإنهاء توغله في سوريا.
رفض الاتفاقية وقرع طبول الحرب
منظومة “المجتمع الكوردستاني” بدورها، أعلنت عن رفضها القاطع لأي قرار يتعلق بمصير شنكال، وبحسب البيان فإنه من الضروري مشاركة “الإدارة الذاتية” فيه كطرف رئيسي، داعيةً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لاتخاذ موقف واضح إزاء هذه الاتفاقات “الخاطئة”، والتي تهدد “مستقبل وحياة المجتمع الإيزيدي”.
منظومة المجتمع الكوردستاني (العمال الكردستاني)، عبرت في بيانها عن استيائها من الاتفاق، معتبرةً أن أي قرار يستثني الإدارة الذاتية في شنكال “باطل وغير شرعي”، وهذا الموقف يأتي في تحدٍّ صارم وحاسم في وجه حكومتي بغداد وأربيل، وضرب جهود واشنطن حول المفاوضات الكوردية بعرض الحائط، ومن هنا نحن أمام حرب محتملة، ساحتها الرئيسية تكون إما شنكال أو الحسكة.
الخلاصة: واشنطن من خلال اتفاق بغداد–أربيل، تحاول محاصرة العمال الكوردستاني، وقطع الدعم اللوجستي بين طرفي الحدود انتقاماً لتدخلها الذريع في سير المفاوضات الجارية غرب كوردستان، ومحاولة إفشالها والالتفاف عليها.
بالمحصلة، سوريا تحولت إلى (مصيدة الذباب) و(مكب النفايات)، تحاول واشنطن من خلالها تمرير جميع أجنداتها ومشاريعها على حساب معاناة الشعوب ومصالحها الاستراتيجية، انهت “داعش” في سوريا من جذوره، وأضعفت المعارضة وانتزعت منها الكثير من الأوراق، كما فرضت القيصر على النظام لمنعه من استثمار (الانتصارات) واستعادة المناطق من المعارضة وحرمانه من النفط.
والسؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة، هل جاءت مرحلة قصقصة جناحي حزب العمال الكوردستاني، بدءاً من شنكال وانتهاءاً بغرب كوردستان؟