تراث تقبّل الخيانة.. داء أشد وجعاً من الخيانة نفسها!

تراث تقبّل الخيانة.. داء أشد وجعاً من الخيانة نفسها!

بين الوطنية والخيانة.. خيط رفيع لا يبصره إلا الأوفياء

  • بقلم: ريبوار كركوكي.

بمناسبة مأساة الـ 16 أكتوبر، أقبح مؤامرة خيانية وأشدّها إيلاماً، أبشع الكوارث الإنسانية في تأريخ الأمة الكوردية.. رأيت من الضروري النظر إلى هذه الكارثة الوطنية التي أصابت كبد جسد القضية الكوردية وقلبه النابض بالحياة على يد المحتل الخارجي وخونة الداخل من منظور مختلف وزاوية مغايرة، لكي أصل لمعرفة أنه لولا ضعف الهوية والشعور القومي فهل من المعقول قيام جناح صغير قليل الفهم بتعريض أمة لكارثة وطنية مأساوية بهذا الحجم؟! بحيث يتمّ من خلالها ضياع وفقدان أكثر من شطر أرض جنوب كوردستان بيد الأعداء الغزاة المحتلين بين عشية وضحاها!

مما لا شكّ فيه عند دراسة تأريخ أية أمة، أنه وخلال مسيرتها التحرّرية توجد جماعة تراعي مصالحها الشخصية والحزبية بأي ثمن كان ولو كان خيانة على حساب أرض الوطن وبالتنسيق مع العدو المحتل! يقول الرئيس الأمريكي السابق أبراهام لينكولن: في أية ثورة وطنية ينقسم الشعب على ثلاثة طبقات، الطبقة الأولى وتمثّل أقلية تناضل من أجل وطنها وتكدح بل وتريق الدماء في سبيله، الطبقة الثانية أيضاً تعتبر اقلية تفضّل مصالحها الشخصية والجماعية الضيقة على مصلحة الوطن فتتحالف مع الأعداء وتناضل في جبهتهم ضد الثوريين من أبناء الوطن من أجل الحفاظ على مكتسباتهم ومصالحهم، والطبقة الثالثة هي غالبية الشعب والمجتمع، وهم ينتظرون من سيربح الحرب ومن سينهزم لاتباع الطرف المنتصر والانقياد له!

أي نستطيع القول إن الخيانة بحق الأمة ونضالها التحرّري ومسيرتها الوطنية ليس شيئاً غريباً مع كونها حالة تراجيدية غير معقولة، إذ لا توجد أية أسس منطقية في قيام بعض الأشخاص بمحاربة بني جلدتهم ووطنهم مع عدو خارجي! غير أنه كتراث فصفحات التأريخ مليئة بمواقف مشابهة وحالات مماثلة، والتأريخ الكوردي والحركة التحررية الكوردية لم تنجو من هذا الداء والوباء، بل كان ذو حظ كبير -مع الأسف الشديد- لخيانة جماعة من أبناء جلدته جعلتهم يتدحرجون من أعالي قمم التحرر لحضيض العبودية والاحتلال عشرات المرات خلال تأريخ كفاحهم ومسيرتهم التحررية الوطنية،

غير أن ما يلاحظ وبشكل واضح وعلني بين الكورد وقلما يُرى ويلاحظ بين القوميات الأخرى، وقلّما يشعر بها في الحركات التحررية للأمم والقوميات الأخرى هو (تراث تقبّل الخيانة) فكافة الأمم والشعوب تنظر إلى الخونة نظرة دونية وأنهم ثلّة من عديمي القيم ومنهاري الأخلاق ومنحطين أخسّاء لا قيمة وطنية أو اجتماعية أو شخصية لهم، غير أنه من المؤسف أننا نحن الكورد ننسى خيانة الخونة في أوقات قياسية نسبة لحجم الخيانة الهائلة التي ارتكبوها بحق الأرض والوطن وكلّ ما هو مقدس في الحياة، بل ونصفّق لهم ونتبعهم وننقاد لأمرهم بأسرع وقت متناسين كلّ ما مرّ بسرعة البرق!

فلو راجعنا فقط السنوات الثلاثة الأخيرة سيتّضح لنا أن الخونة بحسب كافة المعايير الخيانية، ووفق جميع أسس المنطق والقوانين والأعراف الأخلاقية والإنسانية والوطنية والقومية، كان من المفروض محاكمتهم على ما صدر منهم من خيانة بحق الأرض والوطن، ومعاقبتهم أشدّ العقوبات تجاه ما صدر منهم من جرائم بحق الشعب والمجتمع، غير أنّ ما حدث هو العكس تماماً! فهم الآن يتمتعون بأعلى المناصب الحزبية، وهم مصرّون على ممارساتهم وتأثيراتهم السلبية على قضيتهم القومية والوطنية، فحادثة بحجم خيانة 16 أكتوبر العظيمة، تلك الخيانة التي قام بها جناح بارز في الإتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة لاهور شيخ جنكي وئاراس شيخ جنكي والتي تُعدّ كارثة العصر ومأساة المئوية الـ 21، وأنها ستبقى جرحاً عميقاً في شعور ووجدان كلّ كوردي مدى الدهر، غير أن الأشدّ منها والأمّر بكثير هو أنه عند زيارة لاهور خلال الحملة الدعائية لمؤتمر الإتحاد الوطني لبعض كبار قادة الإتحاد، احتشد الناس حوله وتجمّعوا مصفقين له آخذين صوراً تذكارية معه وكأنه أخلص قيادي! ومن ثم مكافأته ومجازاته بمنصب الرئيس المشترك الأول للاتحاد الوطني الكوردستاني!!

أمّا غالبية أعضاء وكوادر وقادة الإتحاد من غير أخذ ردود الأفعال السلبية لخيانة 16 أكتوبر، فتمّ إبعادهم علماً أنهم كانوا من مؤسّسي الإتحاد الوطني، ولم يكن الأمر لجرم ارتكبوه سوى أنهم قالوا بأن هذه الخيانة كانت بشعة وأن الخيانة عمل سيء! فتم استبعاد غالبية الطبقة الوطنية والمخلصة من الإتحاد نتيجة ترهيب وترغيب جماعة لاهور شيخ جنكي، ترغيب الجدد بمناصب بارزة وترهيب القدامى بالإقصاء والتسقيط السياسي والحزبي والمحاربة، ما أدى لخلو مركز القرار في الإتحاد من وجوه معتمدة من قادته المؤسّسين.

فالتراث الذي يتقبّل الخيانة ويراها وجهة نظر وموقفاً طبيعياً هو أخطر تراث يهدّد الحركة التحرّرية للشعب الكوردي ومسيرة الكوردايتي، وأن كوردستان لن تتحرّر من خانة الخيانة دون القضاء على هذا التراث المدمّر واجتثاثه من الجذور والقضاء عليه كلياً، فلو لم تتقبّل خيانة 1966 آنذاك، فمن المؤكد أن خيانة 16 أكتوبر لم تكن لتتكرّر وبعد نصف قرن!

ومحل الأسف هو أن هذا التراث يشهد نمواً وتأصّلاً، ولو لاحظنا الساحة السياسية الكوردستانية لوجدنا أن القيادة السياسية لبعض الأحزاب والأطراف السياسية بيد بعض الشخصيات التي لا تؤمن بقضيتها القومية الكوردية ولا تثق بها، بل تحارب القضية بما للمحاربة والعداء من أشكال ومعان، ولا ينكر أحد دور السياسية المتّبعة في المنطقة وأروقة المجتمع الدولي وتأثيرها بشقّيه السلبي والإيجابي على قضية تحرّر الشعوب من بينها الشعب الكوردي، غير أن الضربة القاضية التي تلقتها القضية الكوردية والشعب الكوردي والقومية الكوردية هو غياب الهوية القومية والخيانة التي مورست بحقهم من الداخل من قبل بعض من اتّسم بالكوردايتي لتدمير كوردستان والقضاء على نضالها التاريخي وهدمه من الجذور.

فلو لُعن القادة الكورد السياسيين الذين لم يكونوا مستعدين للوقوف تكريماً واحتراماً لعلم كوردستان تحت مبرّر ديني، آنذاك لم يكن بإمكان أحد القادة الكورد الانطلاق بحملة دعائية معارضة لاستفتاء استقلال كوردستان، فلو أدان الشعب الكوردي انجرار الحرس الثوري الإيراني ومهاجمتهم على مناضلي وثوريي شرق كوردستان في كويي ولعنوا من اتخذ هذا القرار لما تمكّن الجيش العراقي والحشد الشعبي من مهاجمة كركوك والمناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم بقيادة قاسم سليماني الإرهابي!

ولو تمّت إدانة الشعار الذي رفعه ئابو (شمال وشرق وجنوب) كوردستان وانكاره تواجد أية قضية كوردية في غرب كوردستان فلو تمّت إدانته يومذاك لما استطاع المحتل من غزو عفرين وسري كانيه وكري سبي وغيرها من قرى وبلدات ومدن غرب كوردستان واحتلالها! ولو تمّت إدانة الانتهاكات الإيرانية وتدخّلاتها المباشرة في السليمانية من قبل الشعب وفضحها لما استطاع أحد اليوم عن التحدث بهذه الجرأة عن اللامركزية وتقسيم إقليم جنوب كوردستان! وكذلك الآن، لو لم ندين الأعمال والممارسات الخيانية لمجموعة 16 أكتوبر الخيانية ومشروع غرق كوردستان لأوجلان وجزيرة إيمرالي فمّما لا شكّ فيه أنّنا لن نتحرّر أو نحلم بالتحرّر يوماً ما!

في الجزء الثاني.. سنحاول استخلاص أسباب إيجاد وابتكار واستحداث تراث تقبّل الخيانة وطرق معالجته..

للحديث بقية…

مقالات ذات صلة