تراث تقبّل الخيانة.. داء أشد وجعاً من الخيانة نفسها!
ثقافة (تقبّل الخيانة) لدى الأمم والشعوب المضطهدة والطبقات الكادحة والمقهورة، وتحوّلها لشيء شبه طبيعي، وكذلك نسيان خيانة هؤلاء الخونة بسرعة قياسية، بل واتّباع هؤلاء الخونة وكأنه لم يصدر منهم شيء أصلاً، هذه الثقافة تعود لثقافة “العبودية” المتأصلة فيهم بحسب خبراء ومختصي العلوم الاجتماعية.
ومع أن العبودية أصبحت منتشرة بشكل واسع، إلا أن الجوهر الرئيسي لمعنى العبودية هو امتلاك شخص أو جماعة لشخص أو جماعة أشخاص آخرين، وأن يتحكم به/بهم، ومصادرة آراءه/آرائهم، وحريته/هم، وبهذا المعنى فإن العبد سيعمل لدى سيّده من دون شعور بشخصية أو هوية…
وممّا لا شكّ فيه أن العبودية تبدأ بالظلم والاضطهاد، غير أنه وبعد مرور فترة من الزمن يتغيّر بعض العبيد بحيث يقعون أسرى لأفكار سادتهم وأيديولوجياتهم ممّا يجعلهم يختارون العبودية على الحرية بل قد يفتخرون بعبوديتهم بعض الأوقات! من هنا تبدأ ظهور ثقافة العبودية وتتقوى، بل تصبح العبودية موجّهة وفق أيديولوجية هادفة من قبل ثقافة الأمم المتحكمة بزمام الأمور للأمم المضطهدة، ونتيجة قوة منصات البروباغندا للدول المحتلة والمسيطرة يتم تمرير ثقافة الخيانة لدى العبيد بسلاسة ولين.
للعبودية نوعان رئيسيان، النوع الأول احتلال أرض أمة أخرى أو وطنها تحت فوهة المدافع والدبابات وتحت قوة السلاح، ومن خلال حروب دامية، أي الاحتلال بـاستخدام القوة الصلبة -الساخنة- (Hard power)، والنوع الثاني وهو حسب رؤيتي أخطر أنواع الاحتلال الا وهو احتلال الفكر والثقافة والمعتقدات (Soft Power)، الاحتلال باستخدام القوة الناعمة -اللينة- وهذه الثقافة تجعل من الشخصية الكوردية يرى نفسه أدنى من شخصية تركية أو فارسية أو عربية، وتخلق لديه شعوراً بالنقص في الذات، فهي تحاول أن تثبت أنها أدنى مستوى من قومية أخرى من قوميات المحتلّين كما حاول كلّ من (آلا طالباني وأوجلان) إثبات هذا، إذ حاولت الأولى أن تعرّف عن نفسها بأنها من عشيرة عربية بينما حاول الثاني أن يعرّف نفسه بأنه تركي الأصل!
عندما يصبح التحدّث باللغة التركية علامة رقي بين صفوف البكك، ويصبح -لقاءها- التحدث باللغة الكوردية من علامات التخلّف والأمية والرجعية، هنا تظهر غلبة الاحتلال التركي في احتلال أفكار ومعتقدات المنتمين لهذه التنظيمات!
قضية احتلال الفكر والثقافة والمعتقد على يد المحتل، تتمّ عن طريق الإساءة إلى تأريخ وثقافة وهوية القومية المضطهدة، ومحاولة خلق حالة من (الذكاء المزيّف) لهؤلاء الأشخاص، واحتلال عقولهم وأفكارهم بشكل يجعلهم يرون مقدساتهم الوطنية والقومية والاجتماعية رؤية متدنية، بل قد يخجلون من انتماءاتهم الوطنية والقومية، ويفتخرون بتغيير قوميتهم وانتماءاتهم لقومية أخرى كقومية المحتل والتعريف بهويتهم!
فعندما تصل ئالا طالباني إلى مرحلة تنكر فيها هوية آبائها وأجدادها، وتحاول وصل نسبها لعشائر عربية أتت من الصحراء، فممّا لا شكّ فيه أن لهذه الحالة علاقة بمثل هذه العبودية! وعندما يعترف أوجلان على متن الطائرة وبافتخار بأن أمّه تركية، أو عندما ينتسب للطائفة العلوية -المنتسبة إليها عائلة بشار الأسد- عندما كان في سوريا فلهذا أيضاً علاقة بهذا النوع من العبودية، وعندما يصبح الحديث باللغة الكوردية بين تنظيمات حزب يدّعي الكوردستانية محط سخرية أو تقليلاً من شأن المتحدِّث أو من علامات التخلّف والأمية فهذا ظفر وغلبة للثقافة والحضارة التركية ونمط من احتلال عقول وثقافة وتفكير أعضاء هذا التنظيم، وعندما يقوم أنصار لاهور شيخ جنكي وعبيد تجّار وسرّاق أمثال شاسوار بمحاولة استرجاع جنوب كوردستان وضمّه للدولة العراقية فهذا نتاج عبودية فكرية بامتياز! على الرغم من كلّ ما مرّ لم تتم محاكمة أحد هؤلاء على ما بدر منه من ممارسات خيانية دنيئة، ولم يصدر بحقهم أية عقوبات، فكلّ هذا دليل على أن جزءاً من الشعب الكوردستاني في جنوب كوردستان وبالأخص في حدود مدينة السليمانية ما زالوا قيد العبودية ولم يتم تحريرهم فكرياً ووطنياً، بل هم في ظلّ الاحتلال وحضنه!
تسليم قلب كوردستان “كركوك” والمناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم للحشد الشعبي والمحتل كانت وراءه “العبودية الفكرية” لبعض الضعفاء من الكورد، ولم تكن نتيجة استخدام القوة الصلبة والمفرطة من قبل العراقيين
كما قلنا سابقاً أن عبودية الفكر والعقل والمعتقد أشد خطورة من كافة أنواع العبوديات، كون الفكر المحرّر يستطيع دحر قوة المحتل والصمود بوجهها، والقضاء على أحلام المحتل وتبديد آماله، غير أن الشخص الذي لم يتم تحريره فكرياً فهو بنفسه خطر على أمته وبني جلدته، فحتى في غياب القوة الصلبة للأعداء المحتلين تغيب الطمأنينة في قيامه بتعريض حياة الأمة للمخاطر وتسليمها لأعدائه على طبق من ذهب! وأحداث 16 أكتوبر الخيانية خير دليل على ما نقول، وخير مثال من هذا المنظور..
فقد تمّ تحرير كركوك والمناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم -أو ما تسمّى بالمتنازع عليها- وتمّ تمركز قوات البيشمركة في تلك المناطق، وكانت خاضعة لسيطرتهم، ولم تكن ثَمَّة قوة صلبة وساخنة للأعداء تهدّد تلك المناطق، وقد شارك الكوردستانيون في هذه المناطق في استفتاء إقليم جنوب كوردستان بحماس لا مثيل له ومعنويات منعدمة النظير قياساً مع غيرها من المناطق، وملأوا صناديق الاقتراع بأصواتهم الإيجابية وبـ “نعم” للاستقلال! وكانت نِسب المشاركة من هذه المناطق وأصوات “نعم” لاستقلال كوردستان بانتظار التحرّر النهائي من الظلم والاضطهاد والجور والعودة لأحضان الوطن!
نعم، لم تكن القوة الصلبة للقوات العراقية هي من أخضعت كركوك وغيرها من المناطق لسلطات الحشد الشعبي وألقتها في أحضان الاحتلال -عراقياً كان أو إيرانياً أو معاً- بل كانت النفسيات الضعيفة لهؤلاء الكورد الذين لم يتحرّروا من العبودية الفكرية هي السبب وراء غزو هذه المناطق واحتلالها مرة أخرى! نعم، لم تكن دبابات أبرامز الأمريكية ولا قوات ميليشيات الحشد الشعبي ولا فيالق الحرس الثوري الإيراني من استولت على كركوك وهذه المناطق، وإنما كان الاحتلال العقلي والعبودية الفكرية وراء غزوها واحتلالها! عقلية المحتل التي جعلت من قادة وزعماء الداخل المحتلين فكرياً والمقيدين بسلاسل العبودية أن يستسلموا فكرياً ويفقدوا أي أمل في قوتهم، بل جعلتهم يفقدون لذّة التحرّر من العبودية وأن العيش في كنف الحضارة الكوردية أغلى وأثمن وأفضل من العيش في ظلّ المحتلين من العرب والأتراك والفرس! نعم، جعلتهم يعتقدون أنه ليس باستطاعتهم وضع أسس تأريخية لحضارة عريقة كما في السابق، حضارة امتدّت لآلاف السنين! حضارة كانت مفخرة العالم آنذاك وستكون مفخرة للعالم اليوم بحيث يتم الانحناء لها إجلالاً وإكراماً!
الحقيقة التي لا تقبل النقد والجدال (الحرية المطلقة مرهونة بالتحرّر الفكري المطلق من العبودية)
ثقافة تقبّل الخيانة جزء من ثقافة العبودية لهؤلاء الأشخاص الذين ما زالوا قيد العبودية ولم يستطيعوا التحرّر فكرياً من العبودية للمحتل، فكلّما بقيت الأفكار والمعتقدات خاضعة لهيمنة المحتل، فلن يتردّد المحتل من توظيف هؤلاء لتحقيق مصالحه، وهذا ما يعقّد من قضية التحرّر القومي والوطني ويقلّل من فرص نجاحه، لذا حان الوقت لكلّ كوردي يتحدّث عن الكوردستانية من أتباع لاهور وأنصاره وجماعته الخيانية أن يكسّر سلاسل العبودية الفكرية التي قيدت عقولهم لغاية الآن، وأن يتصدّى لهؤلاء الخونة -خونة 16 أكتوبر- ويقول لهم كفى! لن نسمح لكم بجلب المزيد من الويلات والمآسي لهذا الشعب المظلوم المضطهد منذ فجر التأريخ، كفاكم تلاعباً بمكتسبات كوردستان ودماء الآلاف من الشهداء من الشباب! وتقضون على هذه الأحلام وتبيعونها لقاء مبالغ زهيدة بين عشية وضحاها! كفاكم تلاعباً بعقولنا! حان الوقت لأنصار البكك ليفهموا أن النضال تحت شعارات وهمية كـ”أخوة الشعوب” لن يجلب غير المزيد من العبودية للكورد والسيادة للأتراك المحتلين وموت شباب الكورد في سبيل دمقرطة تركيا! حان الوقت لئلا يسمحوا للفكر التركي الفاشي باحتلال صفوف تنظيماتهم أكثر فأكثر! وأن يكون التحدّث باللغة التركية علامة الرقي والتحضّر بينما على خلاف ذلك يكون التحدّث باللغة الكوردية علامة للتخلف والأمية والرجعية!
كفاناً غبناً وانجراراً وراء هذه الأوهام! ينبغي علينا تقبّل الحقيقة التي لا تقبل الجدل والنقاش في أن الحرية المطلقة مرهونة بالتحرّر الفكري المطلق من العبودية، وبغير هذه الحقيقة فإن الطرق ستكون ممهدة ومبلّطة وسالكة أمام مؤامرات الأعداء وخططهم وخيانة الخونة من الداخل، كلّنا أمل في تتحرّر كوردستان كلياً ونرى بأعيننا جلسات محاكمة الجناة المتّهمين بخيانة 16 أكتوبر التأريخية! وكافة خونة القضية التحرّرية الكوردية، وأن نتنعّم برؤية الخونة يحصدون ثمار خيانتهم المرّة! تلك الخيانة التي خلقت أجواءً من اللاارتياح وانعدام الطمأنينة وغياب الاستقرار والكثير من الألم في شعور ووجدان كافة الكورد الوطنيين بحيث لن يستطيع مقال وصفها في كلمات أو عبارات!
ختاماً.. أنحني إجلالاً وإكباراً وإكراماً للشهداء الذين ضحّوا بأنفسهم الزكية ودمائهم الطاهرة يوم 16 أكتوبر وبعدها في بردي وسحيلا والمحمودية، الذين أحبطوا مؤامرات الأعداء بدماء نقية طاهرة، وحالوا دون القضاء على واقع جنوب كوردستان بكلّ غالٍ ونفيس لديهم..
فالكوردايتي شرف وافتخر بها، وأنا متأكد بأن اليوم الذي ستحرّر فيه كوردستان آت لا محالة، وأن الأعداء المحتلين والخونة سيكون مصيرهم الهزيمة والموت على يد أبناء الوطن المخلصين.