دارا بلك
في الآونة الأخيرة، كثر الحديث حول الانتخابات المبكرة في تركيا وكوردستان تركيا -شمالي كوردستان- بحيث احتل صدارة الوضع السياسي، وبالأخص بعد زيارة وفد حزب الشعب الجمهوري (CHP) لإقليم كوردستان والتصريحات التي أطلقها كبار مسؤولي الحزب بهذا الشأن، فكلّ هذا ساهم بشكل أو بآخر في استئناف المناقشات حول القضية الكوردية، وكافة الأطراف السياسية في تركيا ومن بينها الشعوب الديمقراطي (HDP) ورغم مواقفها وتصريحاتها المختلفة والمتباينة فجميعها تجتمع آخر المطاف حول هدف مشترك، بمعنى عدم وجود تباين كبير حول رؤيتهم للقضية الكوردية وحلولها.
يقول كلجدار أوغلو: “من نخاطبهم ليسوا منظمات غير قانونية، بل نخاطب منظمات رسمية قانونية لإيجاد الحلول، ومن نخاطبه هو حزب الشعب الديمقراطي (HDP) وحلول هذه القضية تكمن تحت قبة البرلمان”.
من جانبه، ردّ البرلماني عن ولاية وان والرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي (سزا تمللي) على تصريح حزب الشعب الجمهوري، قائلاً: “الشعوب الديمقراطي مجرّد معدّ للأرضية المناسبة للبحث عن الحلول للقضية الكوردية، والمحاور الرئيسي في هذه القضية في إيمرالي” كما صرّح الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي (صلاح الدين دميرتاش) وقال: “مخاطبة الشعوب الديمقراطي بصدد عموم القضايا التركية من بينها القضية الكوردية تكمن تحت قبة البرلمان التركي”.
آخرها كان تصريح الرئيس المشترك للشعوب الديمقراطي مدحت سانجار عندما تحدّث دون أن يكسر خاطر أحد وصرّح بأن الحلّ في البرلمان التركي، كما أن إيمرالي هو مركز قرار هام في إيجاد حلّ لهذه القضية.
والآن نتساءل: إلى أي مدى يستطيع الشعوب الديمقراطي التحرك خارج إرادة إيمرالي؟ فهناك سبيل واحد يكون بمقدور الشعوب الديمقراطي التحرك في مواجهة إيمرالي، ألا وهو تلقّي القرارات من قنديل والامتثال لأوامره، فنحن ككورد لو أردنا معرفة حقيقتنا كما هي دون خداع أنفسنا، لتساءلنا: ماذا يقول حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) بصدد حلول القضية الكوردية؟ وما هي مشاريعه في هذا المجال؟ فليتفضّل مسؤولوا (HDP) بطرح أفكارهم عن الحلول للقضية الكوردية بشكل علني وواضح دون خوف أو وجل!
فمن المعروف أن المشكلة الكوردية في كافة أجزاء كوردستان هي مشكلة قومية، وهي قضية أمة، ولو لم يحصل الشعب الكوردي على إرادة مستقلّة وكيان مستقلّ بهم وحقّ تقرير مصيرهم بيدهم فلن يكون بمقدور أية أطراف سياسية البحث عن مكتسبات ومنجزات قومية، كما لا يستطيعون تمثيل الكورد وحل مشكلتهم خارج هذه الأطر، فالشعوب الديمقراطي إنما يحاول إذابة الكورد في بوتقة تركيا ودمجهم فيها، فالحزب يزاول مهامه كأي حزب تركي آخر، وهم يعترفون بهذا صراحة ويظهرونه للعلن، فالقضية الكوردية غير مرتبطة بدمقرطة تركيا إطلاقاً، نعم لو تحقّق هذا المطلب وأصبحت تركيا تتمتّع بجو ديمقراطي مشابه للأسس الديمقراطية في الدول الغربية فهذا بحدّ ذاته سيكون مكسباً للكورد كما سيهيئ الأرضية المناسبة للبحث عن حلول ديمقراطية وحقوقهم القومية وفق أفكار ورؤى ديمقراطية، فالكورد أمة وطنهم كوردستان وهو محتلّ لغاية الآن، ولا وجود لأية حلول لقضيتهم ما دام وطنهم يأن تحت وطأة الاحتلال وهم محرومون من التمتّع بحقّهم في الاستقلال والحرية وحقّ تقرير المصير بأنفسهم.
فما يجري الآن من محادثات باسم (عملية السلام والحلّ) تمّ تجربتها سابقاً، وأبدت حكومة العدالة والتنمية الحاكم جرأة غير مسبوقة عندما قرّرت لقاء العمال الكوردستاني الـ PKK وعقد مفاوضات معها، كما كان الشعوب الديمقراطي كمشروع وليد هذه العملية بقرار من مؤسّسات الدولة وأوجلان على السواء، فكانت المناقشات والمفاوضات مع أوجلان تُدار في إيمرالي على جميع المستويات، بحيث وصل الأمر إلى أن يزور الشعوب الديمقراطي بنفسه إيمرالي ويحضر هذه الاجتماعات! وعقدت مؤسّسات الدولة لقاءات ومحادثات خاصة مع الـ PKK في أوسلو، وكان الشعوب الديمقراطي يتولّى مهمة رسول موفد فقط خلال هذه العملية، فكانت الهيئات التنفيذية للحزب تنتقل بين إيمرالي وقنديل، فالشعوب الديمقراطي لم يكن مركزاً للقرار كما لم تنجح هذه العملية بل نتجت عنها الحروب والمعارك مرّة أخرى فحلّت المآسي والدمار بالعديد من مدن وقرى كوردستان…
فسياسة “أخوة الشعوب” من شعارات الشعوب الديمقراطي الثابتة والأساسية يوم تأسيسه، وهو في الأساس إنما هو شعار اليساريين القوميين في تركيا، ولا يُعقل أن يتمّ القضاء على قومية وإذابتها على ضوء سياسة شعار أخوة الشعوب! نعم لا يوجد من يعادي أخوة الشعوب، ولكن من المفروض أن يتمتّع الإنسان بما يتمتّع به أخوه من حقوق أيضاً، فلهم دولتهم الخاصة ولا دولة لنا، ولغتهم رسمية بخلاف لغتنا، ويتربّون ويتثقّفون بلغتهم حسب رغبتهم بخلاف لغتنا الممنوعة المحظورة! لهم علم خاص بهم وعلمنا محظور، ويمّ افتراسنا -نحن الكورد- يومياً من قبل عنصرييهم ومتطرّفيهم دون أن يعتدي أحد على أي فرد تركي! باختصار، أخوة الشعوب تفرض عليهم ألا يحرّموننا مما يتمتّعون به هم من حقوق، آنذاك سنكون إخواناً بل نعم الأخوة لهم، فلا أحد يقدّر علاقة الأخوة مثل الكورد إطلاقاً.
فما المحادثات واللقاءات التي تجري للبحث عن حلول للقضية الكوردية سوى سراب يُخدع به الشعب الكوردي، على الرغم من حقّنا نحن الكورد في التنعّم والتمتّع بكافة الحقوق التي تتمتّع بها كافة شعوب الشرق الأوسط.
فلا يتحدّث أي كوردي عن أية مفاهيم ديمقراطية أو مساواة أو أية حلول للقضية الكوردية ما زال الدستور التركي القائم مصدراً وأساساً لإصدار القوانين في تركيا، ومن يتحدّث عن القضية الكوردية في تركيا فليراجع ديباجة الدستور التركي وليحاول تغيير هذا الدستور أو يضع هذا الهدف نصب عينيه، آنذاك قد يتمتّع الكورد ببعض الثقة والأمان وإلا …