من قفزة 15 آب لغاية 15 شباط… التسلّح والعنف في الـ PKK- الجزء الثالث

الجزء الثالث: على مَن أطلقت الـ PKK أولى رصاصاتها في سبعينيات القرن المنصرم؟

تقيّم الـ PKK تأريخ سبعينيات القرن الماضي كملحمة أسطورية عظيمة، ولكن لو عُرفت حقائق الـ PKK وعلاقاتها آنذاك لاتّضحت حقيقة هذه التنظيمات إلى حدّ كبير، كما لاستوعبناها أكثر على صعيد تجربتها في التسلّح والعنف.

والنقطة الهامة والتي ينبغي أن نبدأ بها حديثنا هي أن مجال العنف ليس نهجاً حربياً للـ PKK، فالـ PKK شديدة التطرف، ووجود قوة على أساس العنف والتطرف والاستبداد هو الحقيقة الأساسية للـ PKK، أي بمعنى أن الـ PKK والعنف والتطرف كلمات مترادفة…

وقد ولّد استخدام الـ PKK للعنف المآسي والأحزان، وهي مرتبطة بشخصية وعلاقات وأهداف أوجلان، فالـ PKK لم تستخدم السلاح أول مرّة من أجل قضية قومية، فلم تقتل عسكرياً أو شرطياً أو موظفاً للدولة لغاية عام 1980، فعدا عملية أو عمليتي استهداف في أنقرة لم تحارب الـ PKK العنصريين إطلاقاً، بل قتلت فقط صنفين من الناس:

الأول: كوادرها وموظّفيها.

الثاني: كوادر وأنصار غيرها من الحركات والتنظيمات الأخرى، أفراد العشائر الكوردية.

أي أن من قتلتهم كانوا كورداً لا غيرهم!

اجتماع (ديكمَن) كان اجتماع مغادرة أنقرة حقاً

كثيراً ما تحدّثت الـ PKK عن جرائمها المتنوعة لترهيب البعض، كما تنتهج أبشع وسائل الظلم والاستبداد، غير أنها لا تقبل على نفسها الجنايات والقتل والممارسات المتطرفة، كما تقوم بتنصيع تأريخ من تغتالها وتعلنهم أبطالاً، فتبدي الأمر وكأن غيرها من قام باغتيالهم، فهي صاحبة عنف دفين لا يسلم شرّها كما لا يُعرف متى وكيف ستستخدم هذا العنف، وكان أول ضحية لهذه المسيرة هو الرفيق الأول لأوجلان (حقي قرار) فقرّرت الجماعة التأسيسية في الاجتماع الذي عقد في (ديكمَن) عام 1976، العودة لكوردستان، والشروع بالكفاح المسلّح، والحق أنهم كانوا سيغادرون أنقرة ويتوجّه جميع مناضليها نحو كوردستان، فقد كانت بعض الجماعات قد عادت لكوردستان عام 1975، وكانت الساحة الكوردستانية تضم أحزاباً وحركات وتنظيمات كوردية منظمة قبل ذلك، وكانت هذه الأحزاب قد شرعت في كفاحها المسلّح ضد السلطات، في المدن والقرى، ولم تكن تمارس أية أعمال متطرفة ضدّ بعضها البعض، بل كان التطرف محصوراً في المجال الإيديولوجي، فلم يكن الشعب هناك ليحمل السلاح ضد بعضهم البعض.

غير أن الدولة كانت مصرّة على قتل الكورد بيد الكورد

كانت الـ PKK أوهن الأحزاب وأضعفها قاعدة جماهيرية، آنذاك، كانت دائماً ما تنشر عبارة “عقد KUK اجتماعاً ضدنا في آمد وأنه لا يسمح لنا بالانخراط في الساحة الكوردستانية، وأنه سيهاجمنا ويعتدي علينا” بهذا هيأت الـ PKK الأرضية للصراعات الداخلية، وشرعنت قتل الكورد والحرب الداخلية بينهم في كوردستان تركيا بداية الأمر.

أوجلان ورفاقه في الاستخبارات التركية (MIT) يسافرون إلى كوردستان

توجّه عموم كوادر الـ PKK لكوردستان عام 1976، ولم تكن هناك أية شروط أو ظروف للنضال في كوردستان، نعم، كانت هناك مشاكل اقتصادية، وكان من المفروض أن يعود أوجلان لكوردستان، غير أنه لم يغادر أنقرة، مكث معه هناك ثلاثة أعضاء للـ PKK معروفين بتجسّسهم للاستخبارات التركية، وهم كلّ من (كسيرة يلدرم -زوجة آبو، الطيارنجاتي كايا، وعبد الرحمن بولات) وكان الطيار يعتني جيداً بهذه المجموعة في أنقرة من الأموال التي كان يستلمها، فبات الحديث عن عمالة الطيار علناً كما أصبحت علاقة كسيرة بعبد الله أوجلان محط جدل واسع، فكان الكلّ يرى ضرورة عودة أوجلان لكوردستان، غير أنه فضّل إطالة بقائه في أنقرة، بعدها وباسم العودة لكوردستان بدأ آبو رحلته منطلقاً من ئاكري لينتقل لكافة المناطق، ولكن بلا شكّ برفقة الطيار!

أوجلان في “ديلوك” وحقي قرار غاضب ممتعض!

آخر محطة لآبو كانت “ديلوك” كان الوقت الأسبوع الأول من شهر أيار، أي قبل مقتل حقي قرار بأسبوع، في ديلوك كان يتواجد حقي قرار وجماعة من رفاقه، (حقي قرار، بوزان أصلان، محمد أوزون، علي يايلاجيك وأحمد بالي) كانت جماعة حقي قرار تمتهن الحمالة وتعيش بها، وكانت تحاول تنظيم قاعدة جماهيرية للحزب هناك، فنظّمت العديد من الشباب، غالبيتهم كانوا من العمال والكسبة، عقد اجتماع الإدارة، بعث حقي قرار ورفاقه المذكورين أعلاه وثيقة مكتوبة لـ “آبو” يقولون بأن لهم قراراً مشتركاً، كانت الوثيقة تحوي:

  1. يجب على الرفيق عبد الله أوجلان مغادرة أنقرة حالاً والعودة لكوردستان.

  2. ليس محل قبول إطلاقاً الترحال مع جاسوس مثل الطيار إطلاقاً، كما يجب فصله من الحزب بأسرع وقت.

  3. ليس محل قبول إطلاقاً أن يمكث الرفيق أوجلان وفاطمة (أي كسيره يلدرم) في نفس المنزل بأنقرة، فعائلة فاطمة على علاقة قوية بالاستخبارات التركية، وقد تكون هي أيضاً عميلة لها، لذا يجب إيقاف مثل هذه العلاقة مع فاطمة.

الجناية الأولى، البطل الأول والانتقام الأول

بعد استلامه للرسالة، تلك الرسالة التي تتّهم أوجلان بأسلوب خفي بهروبه من كوردستان ومصاحبته للعملاء والجواسيس، و”حقي قرار” شخص يمتلك قاعدة جماهيرية وتأثيراً قوياً، هنا خاف أوجلان في فضح هويته الحقيقية لهذا يلتزم الصمت، يعدهم بالعودة في أقرب وقت ممكن، يغادر، وبعد مرور 10 أيام من رؤيته لأوجلان يُغتال “حقي قرار” أثناء ذهابه للقاء!

أثارت كيفية اغتيال “حقي قرار” شكوك قطعية في تأريخ الـ PKK، يقال: “ذهب للقاء فأطلقت جماعة تدعى “النجم الأحمر” الرصاص عليه” وفق هذه الرواية، تعرّض بعض الأشخاص من الذين سلّموا الوثيقة لأوجلان مع حقي قرار للحادث، وقيل بأنهم تعاونوا مع المنفّذين لهذه المؤامرة ضد حقي قرار، غير أن جميل بايك نفسه يقول لدى نقله للأحداث التأريخية أن “من قتلوا حقي قرار كان شاباً أو شابين، تمّ تكليفهم بالعملية من قبل شرطية امرأة!”

والحق أن التقييم والتحليل الرسمي للحادث من قبل الـ PKK والذي يقول بأن من أطلق الرصاص على “حقي” وضعوا هوية على جثته، وكأنه توفي في موقع الحادث، ليس صحيحاً، بل الحقيقة أن حقي أصيب برصاصة واحدة فقط، وفي المستشفى نزع قنينة السيلان منه واغتيل هناك.

فكان اغتيال “حقي قرار” بمثابة تغييب الشهود واخفاء الأدلة ومسح معالم الجريمة، فأصبح “حقي” ضحية رسالته لأوجلان، آنذاك، كان جميع رفاق “حقي” الذين بعثوا هذه الوثيقة لأوجلان يفكّرون في الشيء نفسه، فكان عموم مناضلي الـ PKK في ديلوك يعتقدون أن حقي قرار اغتيل على يد أوجلان، وأن الـ PKK في قبضة الاستخبارات التركية (MIT).

انشق عموم المناضلين والمخلصين في “ديلوك” من صفوف التنظيم، غادر بعضهم كوردستان، راقب الجميع أوجلان، كانت وسائل الاتصالات نادرة آنذاك، المناطق الأخرى لم تعلم بالحادث فوراً، صنع أوجلان سيناريو حول الحادث، فزعم وجود جواسيس وعملاء في التنظيم، وأن الدولة تحاول القضاء علينا! الأحزاب والتنظيمات الأخرى تحاول القضاء علينا، فاتّهم رفاق حقي قرار الذين سلّموه الوثيقة بالتجسّس والعمالة، فتمّ اغتيال الأربعة الآخرين خلال فترة قصيرة على يد كوادر الـ PKK من مناطق أخرى!

بدأت الإخفاقات والانتكاسات العظيمة مع الـ PKK، يعتقد عموم الكوادر والجماهير أن الـ PKK منظمة تجسّسية، فقرّر أمثال (كامر أوزكان) كان ضمن المجموعة التأسيسية الأولى مع أوجلان، قرّر هجر صفوف التنظيم والانشقاق عنه، غير أنه لم ينجو من كيد أوجلان، ذلك الشخص الذي كان في الجبال عام 1978 اغتاله آبو مع الدكتور باران في ديرسم عام 1993 أي بعد 17 عاماً!

انطلاق مشروع الدولة في ضرب الكورد للكورد (قتلهم بعضهم البعض)

باختصار، أطلقت الـ PKK وأوجلان أولى رصاصاته على رفيقه الأول أي “حقي قرار” بعدها على من أرادوا كشف حقيقة مقتله.

إطلاق الرصاصة الأولى يكشف الكود الجيني -الشفرة الوراثية- لهذه التنظيمات، فالرصاصة الأولى كانت ضد الكورد، بعدها شرعت الـ PKK بقتل الكورد ولم تتوقف، من فريد أوزون لغاية سمير، من لميعه باكس لغاية كولان كارزان، من حكمت فيدان لغاية بيشمركة كوردستان…

شرعت وانخرطت في مشروع قتل الكورد حفاظاً على مصالحها، نعم، فمن قتلته هذه التنظيمات ليس بأقل ممّن قتلته الدولة التركية…

مقالات ذات صلة