من قفزة 15 آب ولغاية 15 شباط… التسلّح والعنف في الـ PKK

الجزء السادس: تفاصيل وآثار عملية 15 آب

عمليات أروة وشمزينان والتي تعرف بقفزة 15 آب، تمخّضت عن البدء بمرحلة ذو نتائج هامّة، ومن كبائر الكبوات لدى تحليل هذه المرحلة هو احتساب هذه العملية ونتائجها عموماً للـ PKK، فكما أن ادّعاء الـ PKK بأنها وحدها نفّذت عملية 15 آب ليس بصحيح تأريخياً وسياسياً واجتماعياً، فكذلك الحال بالنسبة لمن ينتقدون الـ PKK ويقولون بأن العملية كانت عملية استفزازية للـ PKK فقد أخطئوا من الناحية التأريخية والسياسية والاجتماعية، فلم يكن من نفّذوا عملية 15 آب ومَنْ تجمعوا حولهم ممّن لهم علاقة بأيديولوجية الـ PKK أو شخصية أوجلان، فالعملية لم تكن للـ PKK بل كانت انتفاضة للشعب الكوردي  الـ PKK ضد فاشية الاحتلال التركي.

مهندسوا العملية

عملية أروة وشمزينان نفّذت وفق تخطيط كوادر الـ PKK المتمركزين في لولان وبوتان، فرغم أن اسم معصوم قورقماز وحده يُذكر لدى الحديث عن تلك العمليات الثلاث، إلّا أن الحقيقة هي أنها تمّت بمشاركة ما يقارب من 80 شخص، بعض مَنْ شاركوا في العملية أعدم على يد الـ PKK، من هؤلاء علي عمرجان والملقّب باسمه الحركي (ترزي جمال) قائد مجموعة محور (جاتاك) والنائب السياسي لعكيد معصوم قورقماز مصطفى جيمن والملقب باسمه الحركي (توفيق)، بقي 13 شخصاً حيّاً من بين من شاركوا في عملية 15 آب، ونظام الدين طاش الملقب بـ بوتان والذي تخوّنه الـ PKK الآن هو أحد الـ 29 شخصاً الذين شاركوا في عملية أروة!

عموماً، هناك أمور قليلة تُذكر لدى سرد القصة الحقيقية لقفزة الـ 15 من آب، فالـ PKK لم تسرد القصة الحقيقة لهذه العملية بتاتاًن كما لم تنشر أسماء المشاركين أبداً، ليس لدواع أمنية بل نتيجة سياسة أوجلان والـ PKK الوحدوية وكأن معصوم قورقماز هو وحده من نفّذ العملية واستشهد بعدها! فأوجلان اعتمد احتكار العملية على شخص قورقماز بتقصّد، فخلق تصوّراً على هذا الأساس، ليندرج ضمن أسس تأليه أوجلان فيما بعد، والذي سنقف عليه لاحقاً.

منفّذوا العملية ومؤازروها كانوا كوردستانيين

لا الـ PKK ولا من نفّذوا العملية ولا غيرهم استطاعوا تكهّن تأثيرات عملية الـ 15 من آب، فقد ارتابت الـ PKK أيضاً تجاه ما حدث أثناء العملية وبعدها بقدر ارتياب واستغراب الدولة! فالشعب قد تحصّن بالجبال عقب العملية وانتشروا كالنار في الهشيم.

في الجزء الثاني من كتابتنا، تحدّثنا عن الحالة الاجتماعية لكوردستان تركيا -شمالي كوردستان- خلال سبعينيات القرن الماضي وآثار الحرب المسلّحة لبيشمركة كوردستان والبارتي -الديمقراطي الكوردستاني- وبالأخص على مناطق بوتان وجولميرك وميردين، كان شعب الإقليم قد حملوا السلاح، فكانت المنطقة برمّتها في ظلّ التأثير السياسي والعسكري للبارتي قبل قفزة الـ 15 من آب، ولولا أن الـ PKK أظهرت نفسها بمظهر الصديق الرفيق للبارتي لما لقيت هذا الترحيب والضيافة والوجود في المنطقة، فالشعب الكوردي في كافة تلك المناطق كانوا يرون أنفسهم أعضاءً وأنصاراً للبارتي، وأما فكرة بدأ الحرب المسلّحة في الـ 15 من آب في تلك المناطق، وخروجهم للجبال وانخراطهم في صفوف الگريلا فلا علاقة لها بتاتاً بالأيديولوجية الماركسية اللينينية والأفكار اليسارية، كذلك اليوم، فلا ترابط بين قضية الـ PKK وأهدافها السياسية والأيديولوجية قطعاً!

فاحتضن الشعب قفزة الـ 15 من آب وأصبحوا يرونها صميم قضيتهم القومية، بعدها، حدث انضمام جماهيري شعبي لصفوف الگريلا من قبل أهالي منطقة بوتان وجولميرك والعديد من القرى كـ (أوميانس ودَشتا لالا وكويينا ألخ…)، كما كان هناك أشخاص محكومين للدولة في تلك المناطق قبل العملية كـ (حسن جافش وسليم -فوزي- كوييني وغيرهم) التحقوا بها.

فالحقيقة، أن من نفّذوا العملية والشعب الذي تجمهر واحتشد حولهم كانوا كوردستانيين فاحتضنوا القفزة من أجل كوردستان حرّة مستقلة.

لماذا لم تستطع الـ PKK تنظيم الشعب؟

الملفت للانتباه، هو أنه وبعد عملية 15 من آب، سحبت الدولة كافة قواتها العسكرية من محور بوتان وجولميرك لمشارف المدن، بحيث نستطيع القول إنه لم تبق أية قوة عسكرية في عموم بوتان-جولميرك.

فانتفض الشعب فجأة، فلم تقدر الـ PKK على استغلال هذه الفرصة، فعاد الأهالي لقراهم وأخفوا أسلحتهم بانتظار أية تطورات، يقول جميل بايك في كتابه حول تأريخ الـ PKK: “هناك حسرة تأريخية للشعب الكوردي، حيث توجّهوا للجبال فجأة ولم نقدر على تنظيمهم وزجّهم في الحرب فاستغلّت الدولة الفرصة ووظّفتهم كجحوش!”.

الخطّ المجزّء والرائج والمسيّر للـ PKK

الحقيقة هي أن الـ PKK ليست حركة قومية أصلاً، فالقوة المؤسّسة للـ PKK والمسؤولة عن إدارتها أي عبد الله أوجلان وجماعة أنقرة، لم يؤسّسوا لنضال على أسس قومية بتاتاً، فجماعة أنقرة تحمل أفكار ورؤى أنقرة، لهذا السبب لم يقدروا على احتضان عموم الكورد أبداً، ونتيجة الصراعات الاجتماعية والاقتصادية اختارت الـ PKK طرفاً بينما قدّمت بقيّتها أمامها، فلم تكن عشائر بوتان وجولميرك وقرى وأرياف الكورد جزءاً من الـ PKK من منظورها قطعاً، بل كانت تستخدمها فقط كأعشاش لتفريخ مقاتليها!

غير أنه وخلال 1977 و 1984، رأت الـ PKK بأن الشعب الكوردي وطني أصيل، ولم يكن بالإمكان أن تحارب بالكورد من وراء مصطلحاتها الاشتراكية، فالكورد القادرون على أن يكونوا وقوداً لحرب الأمة الكوردية الطويلة الأمد هم وطنيون قوميون مخلصون أساساً، ثوريون أحرارٌ كوردستانيون أصالة، ليس الشعب فحسب بل كوادر الـ PKK أيضاً كانوا وطنيين وقوميين وأحراراُ مخلصين، فالحق أن هناك اختلافاً كبيراً بين جماهير الـ PKK وقادتها في عالم المشاعر والأحاسيس والانتماء والولاء والعقائد، ولن نستوعب اليوم حقيقة الـ PKK ما لم نستوعب وندرك هذا الاختلاف والبون الشاسع! فالجماهير التي تستخدمها الـ PKK كوقود وتستفيد من طاقاتها إنّما هي جماهير كوردستانية إلا أن الـ PKK نفسها ليست كوردستانية بل معادية مناوئة لكوردستان، فالـ PKK وظّفت الخطّ الكوردستاني في أطرها لخدمتها إلّا أنها لم توظّف هذا الخط الكوردي الأصيل أية مناصب أو سلطات داخل التنظيم، بل كانت تراه خطّاً مغفّلاً رجعياً متخلّفاً ولم تثق به إطلاقاً، مثال ذلك أهالي بوتان كانوا يرون أنفسهم أتباعاً للأمير بدرخان بك في حين كانت الـ PKK ترى بدرخان بك عديم الجدوى، وأهالي جولميرك كانوا يرون الشيخ عبيد الله نهري بمنزلة سامية رفيعة في حين وصفته الـ PKK بالرجعي المتخلف، أمّا أهالي جَوْليك فكانوا مريدي الشيخ سعيد ذلك الشيخ الذي اتّهمته الـ PKK بالعمالة والتجسّس لبريطانيا! بمعنى أن الـ PKK كانت صاحبة أجندات مغايرة مخفية، أجنداتها المرئية كانت تتجسّد في كوردستان مستقلة والاتحاد والوحدة الوطنية والمبطنة منها تتمثّل في شغف أوجلان بالزعامة وتقوية شوكة الـ PKK، غير أن من انتصر أخيراً بلا جدال هو زعامة أوجلان، وبهذا بنى ئابو عرش سلطانه على النضال ودماء شباب الكورد التي أريقت من أجل كوردستان!

فمن أراد أن يفهم حقيقة الـ PKK ينبغي عليه إدراك هذه الحقائق المتناقضة فيها، لئلا يقع في وحل التقييمات الخاطئة، ينبغي أن ينظر إلى ئابو والتنظيم والمقاتلين والأنصار والأعضاء والشعب بعيون مختلفة مغايرة، فمن ضحّى بحياته ومن قام بتقطيع جسده لأجزاء أو أحرقوه كانوا قد ساروا على هذه الطريق من أجل الكوردايتي وإيمانهم بقضيتهم ليجدوا المسيرة تنحرف شيئاً فشيئاً!

رحلة الـ PKK لـ (ساريقاميش)

بعد هجمات أروة-شمزينان، لم تستطع الـ PKK الظفر بانتصار عسكري حقيقي وجدّي، بل لم تقدر حتى على تنفيذ عملية بكوردستان تركيا -شمالي كوردستان، فواصل أوجلان اتّهامه قادته أمثال دوران كالكان وصلاح الدين جليك بالتدابير بلا انقطاع، فعجّلت القيادة بإرسال العشرات من الأفراد إلى كوردستان تركيا -شمالي كوردستان- في آذار عام 1985 سخطاً وغضباً، فاكتسحهم البرد والصقيع وأبادهم، فسمّى ئابو هذه الحملة بحملة (أنور باشا التركي لـ ساريقاميش) حيث تكبّدت جيوشه خسائر مدوية نتيجة البرد والصقيع، بمعنى أن الـ PKK حقّاً أطلقت أولى عياراتها النارية من أجل كوردستان تركيا غير أنها تخلّت عن الشعب الكوردي وتركته في يد الأعداء ليواجه مصيره المحتوم دون أن تديم هذه المعركة أو تدير هذه الحرب!

مقالات ذات صلة