من قفزة 15 آب ولغاية 15 شباط… التسلّح والعنف في الـ PKK

الجزء السابع: في المؤتمر الثالث… وفاة -اندثار- الـ PKK في السبعينيات وبداية صناعة “القائد آبو” من (علي يولداش)

تعتبر فترة الأربع سنوات بين 1986-1990 أي من انعقاد المؤتمر الثالث ولغاية المؤتمر الرابع مرحلة انتقالية للـ PKK، أي PKK جديدة مستحدثة وصناعة عبد الله أوجلان مبتكر…

المؤتمر التطهيري وتمهيد الطريق لزعامة أوجلان

يعتبر المؤتمر الثالث نقطة تحول في مسيرة الـ PKK، فبدأت شيفرتها الوراثية بالتغيير شيئاً فشيئاً، إلى أن وصل الأمر بجميل بايك أن يتحدّث عن المؤتمر الثالث في كتابه حول تأريخ الحزب: “هذا المؤتمر كان أهم من المؤتمرات السابقة، إذ انتهت عملية بناء الـ PKK فكان لا بدّ من تصفية وتطهير محيط هذه التنظيمات وأطرها”.

فـ “بايك” يكشف بأسلوب خفي حقيقة ما طرأت من تحوّلات على مسيرة الـ PKK ونهجها، وما حدث من تصفيات في أطر التنظيم من تصفية الأفراد المؤسّسين، الكادحين، الذي عانوا حياة الجوع والبؤس في لبنان، والذين حملوا الـ PKK على أكتافهم، تمّت تصفيتهم جميعاً”.

فأساساً، كانت هناك حرباً داخلية دموية سرية وشرسة، تدور رحاها في عمق هذه التنظيمات ما بين عامي 1980-1992، بحيث تستحق هذه المرحلة تسمية “العصور الوسطى المظلمة” في تأريخ الـ PKK، فتمّت تصفية جميع المؤهّلين للقيادة في لولان ولبنان، واغتيل من انشقّ عن الحزب، فقام جلاوزة التنظيمات بتقطيع البعض لأجزاء في قلب أوروبا، وقُتل هؤلاء بشكل وحشي تحت مبرّرات واهية ودون ترك أية أدلة أو شواهد، حملات قتل وتغييب واسعة طالت العديد، وكان الخطأ الأخطر هو صناعة نظرية المؤامرة، وهذا ما فعلته الـ PKK.

في حقبة السبعينيات، كانت الـ PKK تستخدم العنف في خباياها سرّاً، إلا أن أوجلان أشاع نظرية اغتيال الكوادر بعد عام 1984 إلى العلن، فأصبح يشار إلى عمليات القتل الداخلية بالحرب التنظيمية، ويمثّل أوجلان نفسه بخبير هذه الحرب، فأصبح للـ PKK مرجعان رئيسيان من الكتب، هما ” إشكالية الشخصية في كوردستان، وخصائص البطل الثوري وحياة الحزب…” فتمّ شرعنة القتل والاغتيالات الداخلية وفق هذين المرجعين، وهُدر دم من مال عن أسس ومعايير الـ PKK!.

دوران كالكان: “دماغي ترسّب بالجصّ-أو الجبس!”

لم يطق كوادر الـ PKK استيعاب ما يحدث حولهم، وأن هذا الحزب هو الحزب الذي أسّسوه وانخرطوا فيه! وتمّ التحقيق مع قائد الـ PKK دوران كالكان قبل المؤتمر الثالث نتيجة ممارساته وأدائه في جنوبي كوردستان -إقليم كوردستان، فحاول كالكان التحدّث مع أوجلان إلا أنه لم يُسمح له بذلك ورفض أوجلان طلبه، فاضطرّ كالكان إلى إرسال رسالة لأوجلان وقال بأن دماغه قد ترسّب بالجصّ -الجبس- نتيجة تعرّضه لبعض التقاربات والمواقف أثناء المؤتمر الثالث!.

خلال المؤتمر الثالث أزاح أوجلان عموم الكوادر المنافسين الذين كان يتخوّف منهم، فاستعان بأمثال دوران كالكان وعلي حيدر قيتان لإخلاء الساحة من أمثال سمير، بعدها بدأت مرحلة تصفية أمثال كالكان وقيتان، قتمّ تجميد عضوية قيتان وكالكان وفاطمة (كسيرة يلدرم) وفرض عليهم واقع عضويتهم في ENRK أي جبهة التحرير الوطنية الكوردستاني وبعثهم نحو أوروبا.

استخدم ئابو مقولة خيري دورموش “لو متُّ، فاكتبوا على ضريحي أنه غريم -مدين” كسلاح ضد مناضلي الـ PKK، وقال بأن كلّ شخص غريم للحزب، وعلى كلّ شخص أن يحاول إثبات نفسه حتى الموت، وأن الكلّ سيسلّمون إرادتهم للـ PKK، أي تسليم إرادتهم وقدراتهم بل وذواتهم لأوجلان، ومن لم يستسلم فلا يستحقّ الحياة، علماً أن أوجلان شخص لم يشارك في أية معارك أو حروب، ولم يعاني خوف الموت بتاتاً، بل ولم يسمع حتى صوت عيار ناري ومع هذا فكان يتنقد أعضاء الحزب ومقاتليه بطريقة قاسية.

وبهذا، بلغت الـ PKK قدراً من التوازن الذي أراده أوجلان.

الاختلاف بين القيادة التكتيكية والقيادة الاستراتيجية

بعد عام 1986، انحرفت الـ PKK تماماً عن المنهاج والنظام الداخلي للحزب ومالت عنه، فبات المنهاج والنظام وسائل دعائية لا غير، ولم يقدر أي مناضل على المطالبة بحقوقهم وفق منهاج الـ PKK، ولم تكن القيادة تُنتخب وفق النظام كما لم تكن تُقال وفقه، فلم يكن هناك غير نظام واحد وبرنامج واحد وهو بلا شكّ أو شريك القائد عبد الله أوجلان.

آنذاك، ولإقرار الوضع المستحدث وتبريره، ابتكر أوجلان نظرية جديدة، وجعل ئابو من هاتين المؤسّستين (القيادة التكتيكية والقيادة الاستراتيجية) واقعاً، والحق أن هذا الفصل كان لسبب أن يدرك الكوادر المسؤولين حدودهم ولا يتعدّوها، كون القائد الاستراتيجي هو عبد الله أوجلان، وهو غير قابل للتغيير أو النقاش أو الانتقاد، وأما القيادة التكتيكية فهي ستصون خطّ عبد الله أوجلان، فهم بحاجة لإثبات أنفسهم دوماً، وباستطاعة أوجلان تجريدهم من أية مناصب أو تكاليف، وأن منبع النواقص والسلبيات هو القيادة التكتيكية، بحيث نستطيع أن نقول بأن سيف أوجلان كان مسلّطاً على رقابهم دوماً بحيث يستطيع فصل رأسهم عن الجسد متى ما شاء! وهذا ما حصل أخيراً!

أوجلان والقيادة التكتيكية الجديدة

كان انتخاب أوجلان الأول من قبل أعضاء الحزب في رها، ولم يتبق مذ ذاك اليوم سوى اسم مراد قريلان، غير أن رها وحدها لم تكن تطيق العمل التنظيمي، فكان ينبغي رؤية منبع الخلافات بين كلّ من قره يلان وبايك وكالكان وقارسو هنا، فكان أوجلان بحاجة لأسماء أشدّ قتالية، فبدأت أسماء كأمثال (خليل كايا) باسمه الحركي كور جمال، وجميل عشق باسمه الحركي (هوكر) وشمدين ساكك باسمه الحركي (زكي) وشاهين باليج بدأت بالظهور.

وتمّ توظيف تلك الأسماء لتنظيم الخطوط العريضة للمؤتمر الثالث، والحق أن الوظيفة الرئيسية للمؤتمر الثالث كانت تشريع وتنفيذ (القانون العسكري) لانخراط المقاتلين في صفوف الـ PKK، كما أن وظيفته الأخرى تجسّدت في القضاء على خط الخونة في كوردستان، القراران تسبّبا ببداية مرحلة جديدة في مناطق كـ (بوتان-ميردين وزاكروس) فقطعت الـ PKK الطرق، واختطفت الشبان، وقتلت مختاري القرى، وفرضت الضرائب والإتاوات وجمعت الأموال، وعاقبت المناوئين والمبغضين لها ونهبت أموالهم، وبدأت حملات مداهمة القرى، وتمّ تدمير أبراج المواصلات وأعمدة الكهرباء، وأحرقت المدارس وقتل المعلمون، وزاد أعداد المدنيين الذين قتلوا على يد الـ PKK أضعافاً مضاعفة من عدد قتلى العساكر الأتراك، وكانت الأنشطة والعمليات تستهدف المدنيين حصراً، فخيّم جوّ من الخوف والرعب على عموم سماء بوتان وزاكروس!

كارثة القانون العسكري ونظام الجحوش -الارتزاق-

بدأت الـ PKK بتطبيق القانون العسكري في كلّ منطقة استطاعت الوصول إليها، كـ بوتان وجولميرك، فجنّدت المقاتلين قسراً، هذه المرة، بدأت باختطاف واعتقال أبناء تلك العوائل التي كانت تقتات على أقواتها يومياً وتنام في خيمها! فحتى كانت تختطف بعض الأحيان النساء والأطفال لتجبر هذه العوائل على تسليم الشباب من أبنائها وبناتها، بل وكانت تختطف ذوي الـ 8 أو 9 أعوام للتجنيد الإجباري، فقتل العديد منهم ممّن حاول الهروب من هذا الجحيم، فبات شعب بوتان يهاب من الـ PKK التي احتضنها بالعناق عام 1983-1985!

صناعة الصراعات المشتركة للدولة والـ PKK: نظام حماة الأرياف

عام 1986، شرعت الـ PKK حربها ضد العشائر، فتمّ تخوين من لم ينفّذ قراراتها ولم ينصت لها، فعمّقت الخلافات التي كانت موجودة بين العشيرة والقرويين، فكانت تتكاتف مع عشيرة أو عائلة وتواجه الآخرين فخلقت بينهم عداءً عظيماً، وفرّقت المجتمع وقسّمته وجعلته مجتمعاً متصارعاً متعاركاً.

قانون التجنيد الإلزامي للـ PKK ونظام حماة الأرياف للدولة التركية ذو هدف مشترك

دعت الـ PKK تلك العشائر التي لم تنحني ولم تطأطأ رأسها لأحد بمبايعتها، إلا أن العشائر كانت بمثابة سلطات غير رسمية في المنطقة، وكانت صاحبة تبعية، فأرغمت الـ PKK العشائر للتحصن بالدولة والالتجاء إليها، من بين هذه العشائر عشيرة (ئالا).

  ففي يوم من الأيام، قام ابن رئيس عشيرة ئالا (سعدون آغا) بإيصال بعض المستلزمات اللوجستية لأعضاء الـ PKK المتواجدين بمنطقتهم وزيارتهم، فطالبه قائد الـ PKK لتلك المنطقة (علي دريز) بأن يعطيه مسدسه، فقال (خليل) ابن رئيس عشيرة ئالا بأن المسدس يعود لجده وهو بمثابة ميراث العائلة ورفض إعطائه المسدس، فقام (علي دريز) بقتل (خليل-ابن رئيس العشيرة) ونهب مسدسه، وحمّل جثته على بغل وأرسلها للقرية، ما أجبر عشيرة ئالا بعدها على حمل السلاح.

فكانت الـ PKK تناصب العداء للعشائر الكوردية وتراهم أعداءً ما تسبّب باستياء وغضب هذه العشائر، فالتجأت إلى الدولة نتيجة مواقف الـ PKK، فاستغلّت الدولة هذه الفرصة لجذب العشائر نحوها وكسبها.

وكذلك فعلت بعشيرة (زيركيا) فبعدما قتل بعض وجهاء العشيرة وعائلة كرفان آغا بيد جلاوزة الـ PKK حملت السلاح، فكانت الأيديولوجية اليسارية للـ PKK والتي ترفض القومية الكوردية وتعادي العشائر كانت موجودة من قبل أيضاً، فلمّا وجدت الـ PKK نفسها وحدها صاحبة سلطة في المنطقة فرضت سيادتها على عموم المنطقة، فأصبحت العشائر بين المطرقة والسندان، وبعد ممارسة القتل تجاه هذه العشائر اضطرّت إلى الالتجاء بالدولة التركية والتحصّن بها، فمنذ عام 1985 ولغاية 2009، انضمّ 123.476 شخصاً بشكل رسمي من كوردستان تركيا لصفوف المرتزقة والجحوش التابعة للدولة، وتمّ تشكيل قوة عسكرية رسمية منهم، ولا نستطيع ربط حقيقة مسألة (حماة الأرياف) بذكاء الدولة، فمن سمح لمسألة الارتزاق بأن تصبح قضية وواقعاً هو ممارسات الـ PKK وردود الأفعال تجاهها، فكان ظهور الارتزاق نتيجة العلاقات والخلافات بين الـ PKK والدولة التركية.

وكالعادة، ألقت الـ PKK اللوم على القيادة التكتيكية وقادتها ومسؤوليها آنذاك، فتمّ تصفيتهم وتطهيرهم فرداً فرداً…

مقالات ذات صلة