حقيقة ملابسات مقتل زكي جلبي

تعرّض (زكي جلبي) صاحب مطعم (دنيز) في حيّ بختياري بمحافظة السليمانية لإطلاق نار من قبل مجهولين لدى خروجه من مكان عمله، الحادث وقع ليلة 17 عشر من أيار الماضي، ورغم كافة المحاولات الطبية إلا أنه فارق الحياة، لم تكشف الجهات الأمنية بمدينة السليمانية عن قتلته لغاية الآن، وكالمعتاد، حاولت وسائل إعلام الـ PKK توجيه أصابع الاتهام للديمقراطي الكوردستاني PDK دون أية أدلة أو اثباتات، إلا أن ما لا تساوره شكوك أن أحد قتلته الرئيسيين هو الـ PKK وثانيهما الدولة التركية.

ولد زكي جلبي في قضاء (أرجيش) بولاية (وان) هاجر من تركيا إلى إقليم كوردستان-محافظة السليمانية لأسباب سياسية، يدير مطعماً منذ 12 عاماً في السليمانية، كانت تربطه علاقات قوية مع العديد من وحدات الـ PKK، وبالأخص استخبارات الـ PKK، وعناصرها من الشمال من أهالي كوردستان تركيا والذين تمّ تنظيمهم في أغراض سياسية وتجارية، فكان يمثّل مكتب حزب الشعوب الديمقراطي HDP بشكل رسمي في السليمانية، فكان يدلي بالتصريحات بشكل رسمي باسم HDP كما كان يشارك في حوارات وبرنامج متلفزة، رغم كلّ هذا، كانت الـ PKK تراقبه عن كثب لاعتقادها أنه شخص يمتلك جوانب مظلمة، فالشكوك كانت تساور هذه التنظيمات حول قضية أنه عندما كان زكي جلبي في شمالي كوردستان-كوردستان تركيا، كان معتقلاً لدى الدولة التركية، وأنه استسلم للدولة، وأن تركيا قامت بإرساله للسليمانية للتجسّس لصالحها!

وبعد ادّعاءات باعتقال 2 من مسؤولي الاستخبارات التركية MIT عام 2017 على يد الـ PKK، فرضت الـ PKK رقابة مشدّدة على العديد من الأشخاص في السليمانية ما أرغم البعض منهم على مغادرتها، فكان زكي جلبي من ضمن من اتّهم بوجود علاقات له مع عناصر الاستخبارات التركية المعتقلين لدى الـ PKK، في الوقت نفسه، وبحجة تركيبه لأجهزة تنصّت في مطعمه للتجسّس على مناضلي الـ PKK وكوادرها، وكذلك بتهمة طرحه للعديد من الأسئلة على كوادرها وأعضائها، وكسبه للرفاق عن طريق الإغراءات المادية، إضافة لذريعة وجود علاقات تربطه بأمن (آسايش) السليمانية… تمّ اعتقال جلبي من قبل الـ PKK، فقامت الـ PKK باعتقاله عام 2018 وإرساله لقنديل، وبقي فترة تحت المراقبة، إلا أن قضية اعتقاله أثارت ردود أفعال الأهالي فأطلق سراحه، فأظهرت الـ PKK قضية اعتقاله وإطلاق سراحه لأهالي كوردستان تركيا على أنها أطلقت سراحه من أجل عائلته وأطفاله، وأنه تحت المراقبة، ونأمل منه أن يثبت نفسه لهذا منحناه فرصة أخرى، إلّا أنه منع من المشاركة في أية برنامج تلفزيونية أو لقاءات أو أية تظاهرات، كما لا يسمح له بمخالطة الوطنيين المخلصين!

بعدها، سمحوا له بالمشاركة في تظاهرات عام 2020، غير أنه قبل شهرين من مقتله، حذّرت وحدة استخبارات الـ PKK (مركز البحث والمعلومات NLP) كوادر الـ PKK، من هواجسها وشكوكها بوجود أجهزة تنصّت في مطعم (زكي جلبي).

في تشرين الأول عام 2021، استضافت الـ PKK (زكي جلبي) في حوار على شاشة تلفزيون (مديا خبر) وخلال البرنامج الخاص حول إقليم كوردستان، طرح سؤال عليه حول كيفية قيام الدولة التركية بطرح قضية التجسّس عليه؟! شارك جلبي في البرنامج وكشف أنه تمّ اقتراح القيام بالتجسّس عليه من قبل المخابرات التركية، فقال: “زكي، نعرفك جيداً، أنت شخص مثقّف وكاتب وتاجر-هكذا أثنوا عليّ- ونريد منك أن تساعدنا، هذا ما قيل لي، ما طلب منّي هو أن السليمانية هامة بالنسبة لنا من الناحية الجيوسياسية -الجيوبولوتيك- وأنّنا نريد معرفة ممارسات التنظيم هناك”

والحق أن كلام زكي جلبي في تشرين الأول عام 2021 أطلق شرارة مقتله في أيار عام 2022، فهنا توجّهان، الأول: أن الدلة التركية غضبت واستاءت من حديث زكي جلبي، وأنها اغتالت جلبي خوفاً من كشف جلبي لمعلومات أخرى للـ PKK.

التوجّه الثاني: أن جلبي أغتيل من قبل الـ PKK بسبب شكوك الـ PKK الدائمة حوله واستياءها منه ما أثار غضبها، فأصابت الـ PKK عصفورين بحجر واحد، فتخلّصت ممّن لا تأمن منه وتثق به كما جعلت حادث مقتله مادة ووقوداً إعلامياً، في الوقت نفسه، فإن لقاءات زكي جلبي التلفزيونية تفنّد الشكوك حول الـ PKK وتبدّدها، غير أن ظهور الـ PKK في مراسيم تشييع جلبي لا تلغي احتمالية أن (الـ PKK ليست بقاتل) على الساحة إطلاقاً، ففي عام 2002 اغتالت الـ PKK قياديها ومسؤولها ذو الـ 24 عاماً (ناصر فاروق بوزكورت) ضمن التصفيات الداخلية للتنظيم، فتقلته في قرية (سورَدي) في قنديل، لتعود عام 2017 وتعلنه شهيداً للقضية!

فكذلك حادث مقتل زكي جلبي، فالـ PKK سخّرت الحادث إعلامياً بشكل جيد، وأصبح وقوداً إعلامياً جيداً لها، وحاولت قدر الإمكان صرف الأنظار عنها وتوجيهها لغيرها من الأطراف، ورغم أن الحادث وقع في منطقة خاضعة لنفوذ الاتحاد الوطني حتى النخاع إلا أن الديمقراطي الكوردستاني استهدف من ورائه، ورغم عدم وجود أية أدلة أو إثباتات نشرت الـ PKK صورة ادّعت من خلاله أن القتلة فرّوا لأربيل، فهي تحاول خلق فكرة أن (القتلة ليسوا في السليمانية، لا تبحثوا عنهم سدى) فيا تُرى لماذا هذا الكمّ الهائل من الزيف والكذب؟! هل تحاول الـ PKK التستر على قتلة زكي وإخفائهم! كما قامت الـ PKK بعد الحادث بحذف تسجيلات برنامج (مديا خبر) تلك التي أكّد فيها زكي أن الدولة التركية طرحت عليه القيام بأعمال التجسّس لصالح الدولة، فيا تُرى ما سبب هذه المحاولات الجادة لمنع المتابعين من مشاهدة مقطع الفيديو هذا؟!

فلو أرادت عائلة زكي وذويه أن يتمّ إلقاء القبض على قتلته والكشف عن هويتهم، ينبغي عليهم الوقوف بوجه استثمار مشاعرهم وأحاسيسهم والتضليل الفكري الذي تمارسه الـ PKK بحقّهم، فحتى لو قلنا إن الـ PKK لم تخطّط لمقتل زكي جلبي، إلّا أن علاقات زكي جلبي أودت بحياته، تلك التي أسّستها الـ PKK تسبّبت بهذا، وبعد أن قامت الـ PKK بتزييف وتحريف حادث مقتل جلبي، تقوم الآن باستثماره في خلق الاضطرابات والفوضى، حيث أصدرت لجنة العلاقات الخارجية لمنظومة المجتمعات الكوردستانية KCK بياناً أشار فيه إلى أنه لو تكرّرت هكذا أحداث فلكلّ حقّ الدفاع عن نفسه، وله حقّ الانتقام والأخذ بالثأر! وأنهم سيمارسون عمليات التصفيات السياسية في المدن! فالـ PKK خبيرة مختصّة وبجدارة وامتياز في مجال إحاكة هكذا مؤامرات ومخطّطات وكتابة هكذا سيناريوهات، فهي قادرة على ممارسة عمليات الاغتيال ضدّ مناوئيها ومخالفيها وكذلك ضدّ شخصيات معروفة في محيطها على حدّ سواء، لذا ينبغي على سلطات إقليم كوردستان الانتباه لمثل هذا الاحتيال والمكر والخداع!

مقالات ذات صلة