العام الأخير… مسلسل بككي لا نهاية له!

أذيع لقاء أجرته قناة البكك في أوروبا (مديا خبر) مع دوران كالكان، كان على المرء أن يمتلك صبر أيوب كي يستطيع مشاهدة اللقاء ومتابعته، والأمر كذلك حقّاً مع عموم قادة البكك وليس كالكان وحده، فـ 95% من كلامهم تكرار وإعادة، بينما يتمّ تخصيص النسبة المتبقية الـ 5% لتقييم جديد للأحداث الأخيرة.

الأسس الأربعة الثابتة للبكك والتي لا تتغيّر!

نستطيع القول بأن من يتابع في العام لقاءً واحداً لقياديّ للبكك وكأنه تابع عموم التصريحات والتقييمات خلال ذلك العام، كون النقاط الرئيسية معلومة للجميع، وهي:

1- أبدى القائد آبو مقاومة عظيمة، وأن مشروعه وحده هو المنقذ الوحيد لعموم الشرق الأوسط بل للبشرية، ونطالب بالحرية الجسدية للقائد.

2- أبدى الگريلا مقاومة عظيمة، والدولة التركية لا تستطيع التقدم خطوة للأمام.

3- سنقضي على فاشية (AKP-MHP) معاً.

4- هذا العام سيكون عام تقرير المصير لنا، سيكون عام النهاية للمحتلّ.

فلو تابعتم لقاءات عموم قادة البكك (جميل بايك، دوران كالكان…) أو أي قيادي آخر، للعشرة أعوام الأخيرة، للاحظتم جيداً النقاط الأربعة السالفة الذكر، فهم يتفنّنون في سردها بأساليب مختلفة وكأنهم يقدّمون رؤى وافكاراً جديدة!

كما أنه ليس مسموحاً قطعاً الإخلال بالنقطة الرابعة، ففي عموم تصريحات البكك كان خطابها الأبرز يتركّز حول خلق مفهوم (هذا العام هو عام الانتصار، عام النهاية، عام انهيار الفاشية وانتصار مقاومة الگريلا…).

بالنسبة للأتراك مسلسل “الأزقة الخلفية-أو-الشوارع الخلفية” وبالنسبة للكورد مسلسل “عام انتصار البكك”

منذ التسعينيات ولغاية اليوم، واظبت البكك على تكرار مقولة أن “العام سيكون عام الانتصار” فأصبحت مقولتها هذه كمسلسل لا نهاية له، فمنذ أكثر من 30 عاماً ونحن نتابع هذا المسلسل دون أن يظهر بككي ويخبرنا بأن عن حقيقة الانتصار الذي حقّقته البكك العام الماضي؟!

والحقيقة أن هذا المسلسل البككي يشبه كثيراً المسلسل التركي (الأزقة الخلفية-أو الشوارع الخلفية) والتي تعرضه الشاشات التركية، وقد تمّ دبلجة المسلسل في إقليم كوردستان مرة، وتمّ عرضه لـ 17 عاماً، بحيث أصاب اليأس والإحباط مشاهدي المسلسل، وهكذا، فخداع البكك وتضليلها للشعب أصبح أسوء من مسلسل الأتراك هذا وأردأ.

الضابط (رضى) في هذا الفيلم، يكرّر نفس الكلام لمدة 17 عاماً، نعم يموت الأشخاص العاديون يعودون، إلّا أن الأدوار الرئيسية في المسلسل لا تتغيّر، وكذلك البكك، فهي أيضاً لديها بعض الضباط منذ 40 عاماً، كـ (أوجلان، بايك، قره سو، كالكان…) يكرّرون نفس الكلام دون أن يكون هناك أية خطوة للأمام، أو أي يكون هناك أي تغيير يُذكر، بل يعرضون نفس السيناريو أمام الكورد دوماً.

القصة التي لا تنتهي

فمنذ 45 عاماً، تروي البكك نفس القصة (سنقضي على الدولة التركية، سينهار الجيش التركي، هذا العام هو عام الانتصار، هو عام النهاية، سنقاوم وننتصر، قريباً سنحقّق نصراً نهائياً…) بحيث يجعل الإنسان يشكّك في نفسه، ولكن لا يوجد مليم من الانتصار! بل على العكس تماماً، هناك انتكاسات وهزائم، وعيون تذرف الدموع، فالسياسة التي تمارس باسم البكك ألحقت بالكورد خسائر عظيمة وفظيعة.

فيحكي دوران كالكان القصة على هذا النحو: “كان يا ما كان… نفّذ الگريلا 454 عملية خلال عام، وقضوا على 1871 من عساكر الأتراك.. وأين قتلهم؟! في الزاب!!

من لم تقدر على هزيمته في أنقرة لن تقدر على هزيمته في الزاب

الحرب التي بدأتها البكك قبل 45 عاماً في أنقرة أوصلتها لبرواري بالا، الزاب وحفتنين، فهنا نتساءل: من لم تقدروا على هزيمتهم في أنقرة، ألم تقدروا على هزيمتهم في ئامد؟! غير أن هذا لم يحصل هناك، وهنا معادلة رياضية بسيطة وهي أن الحرب التي لم تكسبها في أنقرة وئامد… لن تربحها في الزاب وآفاشين وخواكورك وحفتنين.

ويواصل كالكان سرد قصته فيقول: “لا يستطيع الجيش التركي التقدم برّاً” دوران أفندي كن جادّاً بعض الشيء! ألا تستحي؟! فالجيش التركي ينقل الجنود بالباصات من (بولو) لعمق مناطق الدفاع المشروع (باراستنا ميديا) ولا تنفّذ ولو عملية واحدة ضد الأعداء من حفتنين ووصولاً لخواركوك، وتمّ الاستيلاء على عموم المناطق الجبلية من أيدي البكك، وما زال كالكان يتحدّث عن الانتصار؟! فهل بقي شبر من أرض تحت سيطرتكم حتّى تتغنوا بالانتصارات؟! فيا تُرى: ما هو الانتصار في نظر البكك؟! وكيف يكون المرء منتصراً؟!!

أيا تُرى: أين علي حيدر قيتان؟!

لم يخجل كالكان بتاتاً، فاستذكر بعض قادته ممّن قضوا حياتهم أمثال (بيريفان زيلان وأحمد روبار) وأن كلّ واحد منهم مكث 30 سنة في الجبال،

غير أنه كان ينبغي على كالكان أن يذكر كيف فقد رفيق دربه الفكري ومؤسّس البكك علي حيدر قيتان “فؤاد” حياته؟ فكل حزب لا يقدر على الإفصاح عن موت قيادي مؤسّس في صفوفه فاعرفوا جيداً أنه حزب مخادع مضلّل وأن هناك خديعة ودسيسة في الموضوع، فتفضّل فنترك الساحة لك، ونقول لك إن كان الگريلا ذو قدر وجاه عندك فابدأ بـ (علي حيدر قيتان) واعترف عمّا اقترفته يداك!

أيا تُرى: هل أقوال كالكان بمثابة اعترافات أم مؤشّرات على الطيش واللاوعي؟!

الموضوع العام لكالكان في مسلسله الدعائي كان الوضع السوري، في هذا المجال صرّح كالكان “على النظام السوري أن يراجع التأريخ، فالحقبة التي حافظ النظام على ثباته ووقفته كانت الحقبة التي أمضاها مع البكك، ينبغي ألّا ينسوا هذا ويجب عليهم ألا يجعلوا من أنفسهم أداة بيد الدولة التركية لمحاربة الكورد”.

من الصعب أن يقرّر الإنسان: هل هذا اعتراف أم مؤشّر على الطيش وفقدان الوعي؟! فحسب كالكان أن الدولة السورية أصبحت صديقة للكورد في فترة ما، إلّا أن الحقيقة هي أن سوريا لم تصبح صديقة للكورد عبر تأريخها، ولم تقبل وجود الكورد، ولم تعامل الكورد على أنهم مواطنون مطلقاً، وما كان يحصل في حيّ أحياء دمشق وتقديم فلة فاخرة لأوجلان لا يأتي بمعنى أن الدولة السورية صديقة للكورد، بل هذا اعتراف بأنه لو تراجع النظام السوري وعاد إلى سابق علاقاته مع البكك فلا يهم ّالبكك ما يُرتكب بحقّ الشعب الكوردي!

دوران كالكان والبكك مهما حاولوا سرد قصص بطولية كمسلسل (الأزقة الخلفية) فلن يقدروا على إخفاء حقيقتهم، فالكلّ بات يعلم أن (العام الأخير) لا شيء، بل تُدمّر حياة المئات من العوائل كلّ عام، نعم قد تكون هناك هزائم وانتكاسات وقتية غير أنه هناك اتفاقية تقضي أن الدولة التركية هي المنتصرة في النهاية، وكما لم يعد بإمكان مسلسل (الأزقة الخلفية) أن يحظى بممثّلين فكذلك لم يعد بإمكان مسلسل البكك (العام الأخير) أن يحظى بالمقاتلين وكسبهم…

مقالات ذات صلة