شيخو عفريني
علمتْنا هذه السنوات العجاف منذ بداية الحرب في سوريا، أن الدول المحتلة والمتحكِّمة في سوريا، مختلفة في العلن، ومتفقةٌ في كلّ شاردة وواردة، سراً، وأيُّ إقدامٍ على أية خطوة، يكون بالتنسيق مع جهات أعلى (صُنّاع القرار) وبمباركة منها، كالأمم المتّحدة والمجتمع الدولي، وبعض الدول والعائلات الحاكمة عالمياً، يكون التنسيق والتحديد والمقايضات والبازارات، وتلقي الضوء الأخضر في قصفِ المنطقة الفلانية، والانسحاب من المكان الفلاني، أما التنفيذ فيكون بيد الأدوات والمرتزقة، التي تنفّذ قرارات مشغليها، مقابل المال، فإذا أرادوا، أعلنوا قبيلةً بدوية، دولةً بين ليلة وضحاها، وإذا لم يتفقوا تحت مسمى، تضارب المصالح أو حجج أخرى، من الممكن أن يبقى شعبٌ بالملايين، يعيش على أرضه منذ آلاف السنين، دون دولةٍ، ومحروم من أبسط حقوقه، كحالنا نحن الكورد.
مكافأة القتلة
كنّا نأمل خيراً أن المجرمين في سوريا سيُحاسَبون، والقتلة سيُسَاقون إلى حبل مشنقتهم على ما ارتكبوه من جرائمَ حرب فظيعة، لكنْ النتيجة كانت عكس ذلك تماماً، الشعب هو من سيق إلى الموت والمجازر والإبادات الجماعية، هو من تهجّر، ونُزح، وأُخرج من دياره عنوةً، هو من غيّب واختفى قسراً، هو من مات تحت التعذيب في مسالخ النظام الديكتاتوري الدموي والسلطات الأخرى المماثلة والمتمثلة في سلطات الأمر الواقع في البقع الجغرافية السورية الأخرى، ولم يرق صانعو القرار دمعاً، ولم يحرّكوا ساكناً، سوى التصاريح الوهمية الواهية.
بداية الثورة في سوريا، خرج اثنان من الرؤساء، ونظّرا على آلام ومعاناة الشعب السوري، أحدهما أردوغان الذي قال مقولته الشهيرة مخاطباً الأسد: لا حلبجةَ بعد الآن، لا حماةَ بعد الآن. والآخر أوباما، تفوّه وقال: إن الكيماوي خطٌ أحمر. فاستخدم النظامُ، الكيماوي على الشعب السوري، وأباده، وتكرّرت مجازر حلبجة وحماة وهيروشيما وناكازاكي، وظلت تصاريحهما كالهباء المنثور، ولم يُقدما والآخرون، على خطوةٍ قيد أنملة. لم يكتف متصدّرو المشهد بعدم إقرار تغيير النظام ووضع حدّ له، سوى المطالبة بتغيير سلوكه، بل أعطوا كامل الصلاحيات لآل الأسد لقمع المظاهرات والاحتجاجات، لإبقائه على السلطة، وحماية وحراسة حدود إسرائيل والمصالح الدولية. الآخرون كـ بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، لم يبد سوى قلقه حيال حمام الدم في سوريا، فبات يوصف بالرجل القَلِق. المنظّرون آنذاك، باتوا الآن يهرولون لإرضاء الأسد والتطبيع معه، وضربوا مواقفهم الماضية عرض الحائط.
أما نحن ككورد، فابتلينا بمجموعةِ عابرين من الحدود، جيء بهم من قنديل لاستلام السُلطة في المناطق الكوردية في كوردستان سوريا، فعملت المجموعة، على تنفيذ مخططات النظامين الإيراني والسوري بأدقّ الحذافير، دون زيادة أو نقصان، فهجّرت الشعب الكوردي، وقايضت المدن، وتسببت بإحداث كوارث للكورد، كالتغيير الديمغرافي الذي عجز النظام على فعله طيلة سنوات حكمه، آخر فصولها، تبنّي تفجير أنقرة 1 تشرين الأول 2023.
تداعيات تفجير أنقرة
تبنّت قوات حزب العمال الكوردستاني (HPG) تفجير أنقرة واستهداف مبنى مديرية الأمن العام، فسارعت تركيا إلى تبني سيناريو مجيء المنفّذيْن من سوريا، لاستغلال الوضع والردّ بضرباتٍ من حديد على مواقعَ ادّعت أنها لقوات سوريا الديمقراطية قسد وب ك ك، في كل من كوردستان سوريا ومواقع الأخير في جبال إقليم كوردستان، كما اعترف مسؤولها أن هدفها ستكون البنى التحتية والمنشآت الحيوية وفعلاً كانت البنى التحتية والمنشآت الحيوية.
منذ الخامس من تشرين الأول 2023 تدكُّ تركيا بطائراتها الحربية ومسيّراتها ومدافعها أهم وأغزر أماكن الطاقة ومحطات الكهرباء والمياه في كل من الحسكة وقامشلو وكوباني وديرك وكركي لكي وتربسبيه وعامودا وأريافها. إذاً الحربُ حربٌ ضدّ الشعب الكوردي، لتهجير من تبقى فيما تبقّى من كوردستان سوريا في الجزيرة وكوباني، والموضوع اختلاف أيادي التنفيذ لا أكثر. مسؤولو PKK الملتزمون بالصمت والجبن، أشعلوا فتيل النيران بتبنيهم تفجير أنقرة، وظلوا صامتين قولاً وفعلاً، ودفع المدنيون في كوردستان سوريا ضريبة العمليات الإرهابية التي تتبناها منظومة (PKK).
أوجلان في قامشلو ومخيمات مهجري عفرين!
بعد استشهاد عدد من المدنيين والعسكريين جراء الاستهداف التركي، أعلنت إدارة PYD حداداً عاماً، وسيّرت مظاهرات مندّدة بالقصف، ولكن ما أثار انتباهي، وأنا أتابع المحطات الفضائية والمواقع الإلكترونية أن أوجلان (سبب بلاء كوردستان سوريا) كان حاضراً وبقوة في مظاهرتي قامشلو ومخيمات مهجّري عفرين في الشهباء بريف حلب. رافعين لافتات “بوحدة الشعوب سنهزم الفاشية التركية وسنحرر القائد آبو” وباللغة الكورديّة في مظاهرات الشهباء (Bi ruhê jina azad em ê pergala Îmraliyê hilweşînin).
لم يحز في قلبي سوى هؤلاء المهجرين المغلوبين على أمرهم، الذين أُجبروا على ترك ديارهم وممتلكاتهم في عفرين، وباتوا ضحايا سياسة PKK، فبدلاً من المطالبة بتنفيذ الوعود في إعادتهم لعفرين، ينوبون عن 20 مليون كوردي في تركيا ويطالبون بفك العزلة عن آبو!
إضافةً إلى رفعِ المنظمين للمظاهرات في قامشلو، صور منفذيْ الهجوم على أنقرة، في الوقت الذي نفي فيه مظلوم كوباني قائد قوات سوريا الديمقراطية مزاعم تركيا وفند أن يكون المنفذان أتيا من مناطقهم لتنفيذ الهجوم.
كيف سنقنع العالم أننا مظلومون وبريؤون من التهم الموجّهة، والأداة تقدّم لتركيا الحجج لتدمير ما تبقى من كوردستان سوريا، بصدح الأصوات عالياً ليل نهار، أن المتحكمين في كوردستان سوريا هم PKK؟
في المحصلة، على مرّ التاريخ لم يلحق طرفٌ الأذى بالقضية الكوردية كما ألحقتها منظومة PKK، فإذا بقى الحال على ما نحن عليه فسلام على بقعة جغرافية تعرف باسم كوردستان سوريا، التي تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى منطقة عربية، والكوارث آتية لا محالة.
لندرك جيداً أن المصالح هي سيدة المواقف لدى الدول المعنية، ومن المحال أن يضحي أحدهم الحليفَ الاستراتيجي بالأداة الجديدة، لا الحليف الجديد، والتي تنفّذ على مبدأ نفّذ ولا تعترض وخذ أجرك.
لطالما ننبش، ونحلل ونبحث عن النتائج ونترك الأسباب لنعالجها، فإننا مقبلون على كوارث لا محالة. أمّا الطرف السياسي الآخر، فلا حول له ولا قوة له، وغارق في صمته ورضاه.
وأخيراً، ها قد نفذ قره يلان وعده، وأحرق أنقرة وأزالها من الخارطة! الرحمة للشهداء والعار المتاجرين بالقضية وأبنائها…