أفادت مصادر محلّية في مدينة منبج أن إدارة الأمر الواقع أو ما تسمّى بـ “الإدارة الذاتية” لحزب الاتّحاد الديمقراطي PYD، قد حدّدت موعد الانتخابات للمجلس البلدي في المدينة، بشكل سري ومن دون تغطية إعلامية، وذلك بعد أيام من إجرائها في دير الزور.
وذكرت المصادر أن الإدارة الذاتية حدّدت موعد البدء في الانتخابات البلدية لمدينة منبج يوم الخميس المقبل، 28 تشرين الثاني، مشيرة إلى أن الإدارة أوعزت باستخدام المدارس كمراكز اقتراع لهذه الانتخابات.
وفي وقت سابق، كشفت شبكة “نداء الفرات” الإخبارية المحلية أن “الإدارة الذاتية” بدأت الإثنين الماضي بإجراء انتخابات المجالس المحلية بشكل سرّي في ريف دير الزور الشرقي، وأجبرت موظفيها وعسكرييها على الانتخاب.
وجرت الانتخابات في دير الزور يومي 18 و19 تشرين الثاني الجاري، شارك فيها عسكريو قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والقوات الأمنية لها، بالانتخاب، على أن يكون يوم 26 من الشهر نفسه موعد انتخاب المدنيين أي الانتخابات العامة.
وقالت الشبكة إن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عمدت إلى تهديد موظفيها بفصلهم، والمدنيين المستفيدين من المساعدات الإنسانية بقطعها عنهم في حال الامتناع عن المشاركة، بالتزامن مع إجراءات متّخذة لإبقاء عملية الانتخاب سرية وبعيدة عن وسائل الإعلام.
وكان من المقرّر إجراء الانتخابات في 11 حزيران الفائت، قبل أن تعلن المفوضية في 6 من حزيران عن تأجيل الموعد إلى شهر آب الماضي، ثم تأجيلها مجدّداً من دون إعلان رسمي.
وزعمت الإدارة الذاتية أن “قرار التأجيل جاء استجابةً لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية التي طالبت بالتأجيل بموجب كتب رسمية لضيق الوقت المخصّص للفترة الدعائية” و”لتأمين المدة اللازمة لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير الانتخابات”.
لتفادي تصعيد تركيا.. إجراء الانتخابات من دون “زخم إعلامي”
وسبق أن كشف مصدر من “الإدارة الذاتية” أن “قرار إجراء الانتخابات اتُّخذ مجدّداً بسبب ضرورة إجراء تغييرات في بلديات المنطقة، ولكن هذه المرة بدون زخم إعلامي وسيتم بشكل منفصل وبتواريخ مختلفة في كلّ مقاطعة، وقد تمتد العملية لأشهر عديدة”.
وأوضح المصدر أن “إجراء الانتخابات بالشكل الحالي جاء بالتنسيق مع واشنطن لتفادي أي تصعيد تركي ضدّ هذه الخطوة، كونها ستتمّ بشكل غير مركزي وتركّز على تغيير مسؤولي البلديات بشكل منفصل في كل منطقة”.
وأشار المصدر إلى أن “عدم وضع إطار زمني لإجراء الانتخابات يأتي لتفادي أي تصعيد مع تركيا، وأيضا لمراقبة أي تداعيات للعملية الانتخابية المُعلنة حاليا على صعيد تركيا والدول الداعمة للإدارة الذاتية مثل أميركا وفرنسا”.
وكانت إدارة الأمر الواقع المفروضة على روجآفا كوردستان-شمال وشرق سوريا، قد خوّلت كلّ مقاطعة تقع في مناطقها، بإجراء الانتخابات المحلية “في الوقت الذي تراه مناسباً”.
وأصدرت حينها الرئاسة المشتركة للمفوضية العليا للانتخابات قرار برقم (7) الخميس (5 أيلول 2024)، إنه “من أجل التحضيرات اللازمة لانتخابات البلديات وفق المطلوب، تفوض المفوضية (..)، مفوضيات المقاطعات في عموم شمال وشرق سوريا بالعمل على إجراء انتخابات البلديات وذلك في الوقت الذي تراه مناسباً”.
وأشارت إلى أن إجراء الانتخابات ستكون “حسب وضع كلّ مقاطعة وبالتنسيق مع المفوضية العليا للانتخابات”.
وكانت الولايات المتحدة، قد دعت أكثر من مرة، الجهات الفاعلة في شمال وشرق سوريا، إلى عدم المضي في إجراء الانتخابات المحلية، مشيرة إلى أن “الظروف الملائمة لمثل هذه الانتخابات غير متوفرة في شمال وشرق سوريا في الوقت الحاضر”.
وفي 6 حزيران الماضي، أشارت الإدارة الذاتية إلى أن التأجيل جاء “استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وحرصاً على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي”.
وكان مصدر مسؤول وبارز في “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا والتي يشرف عليها حزب الاتّحاد الديمقراطي (PYD) قد كشف في وقت سابق، أن الانتخابات البلدية التي كان من المزمع إجراءها يوم 11 من حزيران الجاري، أجّلت إلى تاريخ غير محدّد، مؤكّداً أن واشنطن حذّرت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من عواقب كبيرة في حال إجراء الانتخابات.
وقال رئيس إحدى الأحزاب المشاركة في “الإدارة الذاتية” (طلب عدم الكشف عن اسمه) إن سكوت بولز، المبعوث الجديد للخارجية الأميركية في شمال شرقي سوريا مارس ضغوطاً كبيرة على “الإدارة الذاتية” لتأجيل الانتخابات خلال لقاءات مكثفة أجراها الأسبوع الماضي مع قادة المنطقة.
وأشار المسؤول إلى أن “بولز حذّر مسؤولي الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من جدية التهديدات التركية وإن واشنطن لن تكون قادرة على إيقاف أي تصعيد تركي جديد قد يشمل موجة قصف واسعة لمواقع استراتيجية كمحطات النفط والطاقة أو عملية برية محدودة في المستقبل القريب”.
وشدّد على أن “الخارجية الأميركية عبرت أيضاً عن عدم توفّر الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات لا من حيث الأوضاع الأمنية غير المستقرة وأيضا عدم تمثيل الإدارة الذاتية لكافة المكونات والأحزاب السياسية في المنطقة”.
تأجيل الانتخابات لأكثر من مرة…
وأعلنت “الإدارة الذاتية” وقتها، تأجيل الانتخابات البلدية من 11 حزيران الجاري إلى 8 آب المقبل، بذريعة تقديم 4 أحزاب وتحالفات سياسية طلباً بذلك، بسبب “ضيق الوقت المخصّص للفترة الدعائية، ولتأمين الفترة الزمنية الكافية لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير العملية الانتخابية”.
وبعد تخبّط إعلامي ونشر أسماء أحزاب نفت لاحقاً طلبها تأجيل الانتخابات جاء في قرار التأجيل إن الأطراف التي دعت لتأجيل الانتخابات هي “مجلس سوريا الديمقراطية وتحالف الشعوب والنساء من أجل الحرية وقائمة معاً لخدمة أفضل وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا”.
جديرٌ بالذكر، الأحزاب والأطر والتحالفات المذكورة في البيان تمثّل عملياً السلطة الحاكمة ومنها حزب الاتّحاد الديمقراطي (PYD) وحضّت جميعها بدعم واسع للترويج والدعاية الانتخابية إلى جانب إعلانها عن برامجها الانتخابية وتخصيص قنوات ووسائل إعلامية عديدة تابعة للإدارة الذاتية برامجها لدعم هذه الأطراف إعلاميا.
وقبل صدور القرار، قال مصدر مسؤول في “الإدارة الذاتية” إنّ “الإدارة الذاتية تدرس تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى من جراء تصاعد وتيرة التهديدات التركية في حال إجرائها” موضّحاً أنّ “الموقف الأميركي من الانتخابات شهد تغيراً واضحاً من جراء المعارضة التركية لها خلال الأسبوعين الماضيين”.
وأوضح مصدر مطلع من “الإدارة الذاتية” إن “الحملة الدعائية الواسعة والتكلفة الكبيرة لإجراء الانتخابات وربط تحسين الخدمات بانتخاب رؤساء بلديات جدّد وضع الإدارة الذاتية في موقف محرج فلجأت إلى تبرير تأجيل الانتخابات بأسباب لوجستية وفنية بناء على طلب بعض القوى والتحالفات المشاركة في الانتخابات”.
كذلك “كشف تأجيل الانتخابات التأثير الواسع لتركيا على مناطق شمال شرقي سوريا وهشاشة الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية” بحسب المصدر.
ونوّه المصدر إلى أن “الانتخابات لن تجري في الشهر الثامن كما جاء في قرار التأجيل وإنما عملياً تمّ تأجيلها لأجل غير مسمى، كونه لا يتوقع أي تغيير في الموقف الأميركي أو الموقف التركي الرافض لإجراء الانتخابات وهذا ما أخبرته واشنطن لمسؤولي قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بشكل واضح”.
تركيا مصمّمة على عدم إجراء الانتخابات
وكان مستشار العلاقات العامة والإعلام في وزارة الدفاع التركية، زكي آق تورك، قال إن أنقرة لن تسمح بفرض أمر واقع يهدّد أمنها القومي وينتهك وحدة أراضي سوريا، وذلك ردّاً على سؤال بشأن استعداد “الإدارة الذاتية” لإجراء “انتخابات محلية” في شمال شرقي سوريا.
وكذلك أكّد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إن مخطّطات “قسد” لتنظيم انتخابات محلية في شمال شرقي سوريا “غير مقبولة”، وتشكل تهديداً للأمن القومي التركي.
واشنطن لا تدعم الانتخابات
وقال نائب المتحدّث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، إن “أي انتخابات تجري في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما يدعو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254” مضيفاً أن الولايات المتّحدة “لا تعتقد أن هذه الشروط متوفرة بالانتخابات في شمال شرقي سوريا”.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن وزارة الخارجية الأميركية “نقلت ذلك إلى مجموعة من الجهات الفاعلة في شمال شرقي سوريا”.
المجلس الوطني الكوردي في سوريا: انتخابات الإدارة الذاتية غير شرعية
من جانبه، أكّد “المجلس الوطني الكوردي في سوريا ENKS” مراراً، أن الانتخابات التي تستعد “الإدارة الذاتية” للقيام بها في مناطق سيطرتها شرقي الفرات “تتمّ في بيئة غير محايدة ومحسومة النتائج بشكل يرسخ سلطة وهيمنة حزب الاتّحاد الديمقراطي، التي تستند إلى عقد اجتماعي مؤدلج”.
وفي بيان له نقلته منصة “الائتلاف الوطني السوري” شدّد المجلس الوطني الكوردي على أن هذه الانتخابات “تفتقر إلى الشرعية”.
ولا يعترف المجلس، بالإدارة الذاتية المفروضة على روجآفا كوردستان كسلطة حاكمة في المنطقة.