البيشمركة .. ملحمة لا تنتهي!

جنوب كوردستان من سقوط داعش ولغاية اليوم
مرت 6 أعوام على سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي، وقد فتحت الحادث الباب على مصراعيه أمام حرب لا نهاية لها، وقد لُقّب بيشمركة كوردستان خلال هذه الحرب الشرسة بالمقاتلين الأحرار، حيث حطموا في بداية مواجهتهم همجية ووحشية داعش، كما حطموا بعدها مؤامرات الدول المحتلة لكوردستان والرامية لانهيار جنوب البلاد وانهاء تجربته، وما زالت الألفية الثانية في بداياتها وبيشمركة كوردستان فرضت نفسها بالذكاء والبطولة والوفاء وكل معاني السمو والرفعة، كما تركوا بصمتهم التي لا تندرس في حماية كوردستان، فأصبحوا يستحقون لقب المقاتلين الأحرار بجدارة أمام العالم أجمع!
في السادس من حزيران عام 2014 قام عدد من إرهابيي تنظيم داعش بخرق الحدود السورية والعبور نحو الأراضي العراقية والدخول لمدينة الموصل، وبعد مرور 3 أيام وفي الـ 9 من نفس الشهر بدؤا بهجمات شرسة واستولوا على هذه المدينة وأحكموا قبضتها على كافة مرافق الحياة فيها.
وجاء الاحتلال الداعشي لموصل بعد فرار الآلاف من عناصر الجيش العراقي وهزيمتهم من دون أية مقاومة تُذكر، تاركين خلفهم كافة أسلحتهم المتطورة بيد هذا التنظيم والاحتماء بجنوب كوردستان، وهذا ما أدى إلى أن يتقوى هذا التنظيم بعد حيازته على هذا الكم الهائل من سلاح الجيش العراقي، وبعدها وفي الـ 29 من حزيران نفس العام نشر التنظيم تسجيلاً صوتياً للمتحدث باسم التنظيم (أبو محمد عدناني) معلناً الخلافة الإسلامية في الموصل وتعيين (أبو بكر البغدادي) خليفة لهم!
وبعدها وفي وقت قصير ظهر البغدادي في مقطع للفيديو وهو يلقي خطبة الجمعة في الـ 4 تموز في جامع (نوري) في الموصل كما تمت مبايعته على الخلافة.
وبعدها، قام التنظيم بهجمات لاخضاع مناطق أخرى من العراق لسيطرتها وتوسيع رقعة الخلافة الجغرافية، فتم احتلال الموصل بالكامل ومدينة الأنبار وجزء كبير من مدينة صلاح الدين وديالى وكركوك.
الهجوم على جنوب كوردستان
قام التنظيم الإرهابي المتطرف بمهاجمة منطقة شنكال يوم الـ 3 من آب عام 2014، والتي تبعد 145 كم غرب مدينة الموصل، وبعدها منطقة مخمور مستهدفين من ورائها مهاجمة العاصمة أربيل والاستيلاء عليها.
وبداية هجوم هذا التنظيم على مدينة الموصل نزح مئات الآلاف من أهالي الموصل ومن كافة القوميات والأديان والطوائف والأقليات نحو جنوب كوردستان، وأصبح هذا الجزء الآمن والمستقر من كوردستان بر الأمان ومركز الاستقرار لهؤلاء النازحين واللاجئين، ولا ينسى الموقف الإنساني والأخوي لشعب جنوب كوردستان تجاه إخوانهم من الطائفة الإيزيدية، فعامة شعب الجنوب مدّوا يد المساعدة لهذا الشعب المهجّر من على أرضه عدواناً وظلماً، ففتح أهالي جنوب كوردستان أبواب بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم أمام إخوانهم النازحين، أما داعش فقد قتل من قتل منهم وشردهم وتعدوا على العرض والشرف والكرامة، فقاموا بقتل الرجال وسبي النساء والأطفال وبيعهم في سوق النخاسة!
هذا ما أدى إلى قيام رئيس إقليم كوردستان آنذاك الزعيم (مسعود البارزاني) بأن يكون في حراك دائم ومحاولات مستمرة للتصدي لهذا التنظيم وعدم تأزيم الأوضاع أكثر ما نتج عنه قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف دولي يضم أكثر من 65 دولة لمحاربة إرهاب تنظيم داعش جواً.
البيشمركة تحطّم وحشية داعش!
في بداية معاركه استطاع بيشمركة جنوب كوردستان التصدي لهذا التنظيم رغم قلة إمكانياته وما يمتلكه من أسلحة خفيفة، فدافع عن وطنه بروح حماسية ومعنويات عالية لا نظير لها رغم النواقص وعدم تكافؤ الطرفين في العدة والعدد، فحارب بيشمركة كوردستان هذا التنظيم نيابة عن العالم أجمع ما وصل الأمر إلى أن لا تستطيع القوات العراقية تنفيذ خطوة دون مشاركة البيشمركة وتقدمهم أمام الجيش العراقي، فتم تحرير المدن والقرى وكافة المناطق التي احتلها التنظيم الإرهابي واحدة تلو الأخرى، وانتهى بتحرير مدينة الموصل والتي بدأت معركتها يوم الـ 10 من حزيران عام 2017.
خلال هذه الحرب التي خاضها بيشمركة كوردستان على داعش استشهد أكثر من 2 ألفي عنصر من عناصر بيشمركة كوردستان كما زاد عدد الجرحى عن 3500 جريح، وأصبح اسم بيشمركة كوردستان كعلمها مرفرفاً في أروقة العالم وعُرف بأسمى وأقدس الأسماء والألقاب، بحيث أصبح هذا الاسم المبارك لا يغيب عن ألسنة غالبية رؤساء العالم خلال حديثهم عن الحرب ضد الإرهاب.
المهام الصعبة
مع إعلان النصر على داعش في الـ 10 حزيران عام 2017 أصبحت مهام بيشمركة كوردستان أصعب من ذي قبل، تمثلت هذه المهام في الحفاظ على الجزء الوحيد والمحرر من كوردستان أمام هجمات الدول المحتلة لكوردستان، وبهذا فقد سطرت هذه القوات أروع صفحات المجد والخلود والتضحيات والملاحم التأريخية في جبهات القتال، وملحمة “سحيلا وبردي” خير دليل على ذلك.
وبعد إجراء إستفتاء الانفصال واستقلال كوردستان حاكت الدولة المحتلة لكوردستان العراق وإيران وتركيا وبتعاون جناح في الإتحاد الوطني الكوردستاني مؤامرة لاسقاط كوردستان وانهيارها، وبدأت الحرب على جنوب كوردستان، وبعد تسليم قلب كوردستان “كركوك” للجيش العراقي والحشد الشعبي من قبل زعيم جماعة عديمي الفهم “لاهور شيخ جنك” وزمرته وقف بيشمركة كوردستان أمام هذه المؤامرة بصمود الأبطال وسجل ملاحم تأريخية “بردي وسحيلا” لئلا تتحطم معنوياته وتنحط كرامة الكورد وكوردستان وبيشمركة كوردستان، فتصدى لكافة أعداء كوردستان من الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي وأجبرتهم على التراجع وضحوا بكل غال ونفيس من أجل الحفاظ على أمر واقع كوردستان ومنجزاتها.
والغريب في الأمر أنه وعند مهاجمة الجيش العراقي والحشد الشعبي على جنوب كوردستان إلتزم حزب العمال الكوردستاني البكك الصمت وكأنه لم يكن يوماً على أرض الجنوب ويتمتع بخيراته! بل على العكس من هذا فقد كان ينتظر على أحر من الجمر انتصار المحتل! كان ينتظر سقوط الجنوب وضياع واقع جنوب كوردستان لكي يبقوا هم أصحاب ما يتبقّى من كوردستان المحتلة إن تبقّى منها شيء!
مدينة شنكال -سنجار- والبكك وتأسيس قنديل آخر!
بداية هجوم داعش على شنكال وعوض قيام حزب العمال الكوردستاني البكك بالتعاون مع بيشمركة كوردستان والتصدي لهذا التنظيم الوحشي ومحاربته قام بتكليف وسائل إعلامهم بمحاربة حكومة جنوب كوردستان والوقوف ضد البيشمركة وتوظيفها بهذه المهام الخبيثة، في محاولة منهم لخلق فكرة لدى الإيزديين بأن بيشمركة كوردستان هم من تسببوا بما حدث لهم على أيدي هذا التنظيم الوحشي وأن البيشمركة تخلوا عنهم وتركوهم بيد التنظيم! غير أنه ورغم هذا فعند هجوم تنظيم داعش الإرهابي على مخيم مخمور والذي يقطنه البكك فأول شخص اقترح على العمال الكوردستاني باخراج أهالي المخيم والتقرب من أربيل بغية إستطاعة بيشمركة كوردستان من الدفاع عنهم وابعاد خطر داعش عنهم كان الرئيس مسعود البارزاني!
وعند بدء معركة تحرير قضاء شنكال من عصابات داعش قامت البكك والتي لم تطلق ولو عياراً نارياً لتحرير المدينة وبعد تحريرها على يد بيشمركة كوردستان وبمساندة قوات التحالف الدول ضد داعش قامت البكك بالدخول سريعاً إلى المدينة وفتح مقار ووضع قواعد لها في المدينة، وهذا ما تسبب لاحقاً ولغاية اليوم بتنفيذ هجمات جوية للدولة التركية المحتلة للمدينة تحت مبرر وجود البكك في تلك المنطقة! وما زال الإيزديون يدفعون ضرائب هذه الخطى ولا يستطيعون التوجه لمناطقهم لغاية اليوم!
تمكين جنوب كوردستان والخطوات المضادة والمعادية من قبل البكك
بعد انتهاء حرب داعش والحرب اللاحقة لاستفتاء إستقلال كوردستان، بدأت شوكة كوردستان تتقوى أكثر فأكثر، وأخذت تتوجه نحو القمة مرة أخرى، واقبلت الأزمة الاقتصادية على الانتهاء، وتمتّنت العلاقات الدولية لجنوب كورستان مع العالم، وهنا بدأت البكك وبتعاون إيراني منسق مع جناح من الإتحاد الوطني الكوردستاني بحياكة أخبث المؤامرات لإضعاف كوردستان وقاعدتها على المستويين الداخلي والخارجي الدولي.
فخلقت العشرات من المشاكل والعراقيل، مثل اغتيال نائب القنصل التركي وسط أربيل هادفين من وراء ذلك دفع الدولة التركية المحتلة لمهاجمة جنوب كوردستان، وكذلك معضلة زيني ورتي فالهدف منها محاصرة أربيل واختناقها!
نعم هذه السنوات الست الأخيرة كانت سنوات عسر وضيق على جنوب كوردستان غير أنها مرّت وبدون فقدان وضياع ذرة كرامة أو حماس، فبقي جنوب البلاد شامخاً مرفوع الرأس حرّاً أبياً، وقد بدّد البيشمركة أحلام الأعداء وقضى عليها في بكرة أبيها كما فنّدت قيادة إقليم كوردستان مؤامرات وخطط الأعداء المحتلين ورمتها واحدة تلو الأخرى في سلة النفايات.