في الذكرى المئوية لتأسيس الدولة العراقية، تلك الدولة التي عانى الشعب الكوردي في جنوب كوردستان أبشع أنواع الظلم والاضطهاد والإبادات الجماعية والتطهير العرقي على يد حكوماتها المتعاقبة.
تأسست الدولة العراقية في الـ 23-8-1921، وكانت تتألف من ثلاث ولايات هي (الموصل، بغداد والبصرة) وخرجت عام 1932 من الانتداب البريطاني وأصبحت دولة مستقلة وعضواً في المجتمع الدولي، وقد وضعت شروط أمام عضويتها هذه، منها منح الحقوق الثقافية والتراثية للشعب الكوردي، غير أن هذه الحقوق المبدئية والطبيعية لهذا الشعب المضطهد أصبحت حبراً على ورق من غير ولادة حقيقية.
وقد مرّت الدولة العراقية بمراحل عدة في تأريخها كدولة، منها الحكم الملكي والجمهوري حتى أصبحت بهذه الحال التي نراها اليوم، وقد ذاق الشعب الكوردي كل أنواع الظلم والاضطهاد والفقر والتجويع والإبادات الجماعية والتطهير العرقي، ولم يُعترف له بأية حقوق كمواطنين يعيشون على أرض آبائهم وأجدادهم، وأصبحت هذه الممارسات اللاإنسانية سياسة ممنهجة وتراث متواصل من قبل الحكومات المتعاقبة ضد هذا الشعب المظلوم والمضطهد على أرضه ووطنه!
بعد ثورة الشيخ عبد السلام البارزاني ما بين أعوام 1909-1914، والتي تُعتبر الحركة التحرّرية الأولى للشعب الكوردي خلال المئوية العشرين، والتي كانت ثورة ذات أهداف شرعية وشفافة، برز الصوت الكوردي المنادي بالاستقلال ونيل الحقوق المشروعة، وبات الوضع تحت أنظار وزراء خارجية الدول العظمى (بريطانيا وفرنسا) وفوق طاولاتهم المستديرة ما تمخض عنه اتفاقية سايكس-بيكو، وتم تأسيس كيانات جديدة ووضع الحدود الدولية المرسومة ليومنا هذا، وتأسست الدولة العراقية بحكم ملكي آنذاك، وكانت الدولة الملكية الجديدة تضم ولاية بغداد والبصرة، وكانت منطقة جنوب كوردستان تابعة لولاية الموصل بشكل كامل، ودارت المباحثات والنقاشات حول هذه الولاية مع الكورد، حيث كان الشعب الكوردي يمثّل الغالبية المطلقة لهذه الولاية، وتمّ إعطاء ضمانات وتعهدات للشعب الكوردي بأنهم سيتمتعون بكافة حقوقهم المشروعة، ما أدى أن يصوّت غالبية الشعب الكوردي بانضمام ولاية الموصل للدولة العراقية -الملكية- الحديثة، فما لا يدع مجالاً للشكك بأن الكورد لعبوا دوراً بارزاً في تأسيس العراق الجديد.
لقاء هذا العمل الجليل، أحاكت العراق أسوأ المؤامرات وأبشعها منذ فجر التأريخ، ونقضت كافة عهودها ومواثيقها التي أعطتها للكورد، وأصبحت هذه الممارسات كسياسة متّبعة للحكومات العراقية المتعاقبة من الملكية والجمهورية ولغاية اليوم!
وبعد الانقلاب العسكري عام 1958، وإعلان الجمهورية العراقية بقيادة عبد الكريم قاسم، عاد الأب الروحي والزعيم الكوردي الملا مصطفى البارزاني إلى بغداد بأمل الحد من المآسي والاضطهاد الذي يتعرّض له الشعب الكوردي، وتم إشراك الكورد مع العرب على أساس المواطنة المشتركة وفق دستور مبدئي، غير أنه لم يمر الكثير من الوقت حتى تم انتهاك هذا الدستور وخرق بنوده وهدم المعاهدات التي تم توقيعها والاتفاق عليها، ولجأت الحكومة العراقية إلى الخيارات العسكرية وممارسة سياسة القمع والاضطهاد بحق الشعب الكوردي، وهذا ما تمخض عنه إشعال فتيل ثورة أيلول المجيدة عام 1961 بقيادة البارزاني الخالد، بعدها وبتسع سنوات من النضال والمقاومة تم التوقيع على اتفاقية 11 آذار عام 1970 بين العراق والحركة التحرّرية الكوردية، ونال الشعب الكوردي وللمرة الأولى الحكم الذاتي، وبعد مرور 4 سنوات نقضت العراق هذه الاتفاقية ورفضت الحلول السلمية والمباحثات والمفاوضات مع الجانب الكوردي، ولجأت من جديد للخيارات العسكرية، وتمثّل ردّ الحركة التحرّرية الكوردية في القيام بثورة كولان التقدمية.
فمنذ المئة العام المنصرمة والدولة العراقية تواصل سياستها الاحتلالية ضد جنوب كوردستان، في ظلّ كافة حكوماتها المتعاقبة من الملكية والجمهورية وبعدها النظام البعثي العفلقي، وقد مارست هذه الحكومات المتعاقبة سياسة القمع والاضطهاد وهضم حقوق الشعب الكوردي وانتهاكها، ومارسوا كل أنواع عمليات الإبادة والقتل الجماعي والتطهير العرقي وحرق القرى والمدن الكوردية وضرب الشعب الكوردي بالكيمياوي وممارسة الأنفالات بحقه وتشريده ونفيه من على أرضه!
والحق أن هذه السياسة ما زالت تُمارس ضد هذا الشعب المظلوم منذ فجر التأريخ ولغاية اليوم، والحكومات العراقية الحالية وفي القرن الحادي والعشرين تمارس نفس سياسات الحكومات الغابرة، غير أنها فشلت في مساعيها الاحتلالية لأراضي جنوب كوردستان رغم كافة محاولاتها واستغلال جميع الفرص المتاحة وغير المتاحة!
واليوم يمارس المحتل سياسة تجويع الشعب الكوردي وقطع أرزاقه، ويستغل كافة الفرص لإحاكة أبشع المؤامرات وأشدّها خبثاً وبالتعاون مع دول الجوار المحتلة هي الأخرى لباقي أجزاء كوردستان لإفشال واقع إقليم جنوب كوردستان، ذلك الواقع الذي ضم الكورد للدولة العراقية منذ 100 عام من غير رضاه أو رغبته بل غصباً عنه!
وبهذا الصدد، كشفت مصادر موقع داركا مازي في جنوب كوردستان عن بدء حملة كبيرة وشاملة للمطالبة بالتعويضات والأضرار والخسائر لفترة الـ 100 سنة المنصرمة من الاضطهاد والقمع والظلم الذي مارسته الدولة العراقية ضد الشعب الكوردي، وسيتمّ تقديم شكاوى ومذكرات اعتراض على الدولة العراقية للمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومحاكم حقوق الانسان والمنظمات العاملة في هذا المجال.
كما كشفت هذه المصادر أن هذه الحملة المنظمة ستتمّ عن طريق عدد كبير من الشخصيات المعروفة في الأوساط الاجتماعية ونشطاء المجتمع المدني حيث سيمثّلون كافة شرائح وطبقات المجتمع والشعب الكوردي في جنوب كوردستان، ولا تهدف الحملة سوى لخلق ضغوطات على الحكومة العراقية بتقديم التعويضات المادية والمعنوية للمتضرّرين على يد الحكومات العراقية المتعاقبة.