رؤية الـ PKK لباقي أجزاء كوردستان كرؤية الطفيلي للمضيف
كما قلنا في الجزء الأول، حينما ننظر لرؤى ومطالب حزب العمال الكوردستاني البكك وتنظيماتها تجاه باقي أجزاء كوردستان أول ما يطرأ على فكر الإنسان أو تظهر صورته أمام عينيه هو هذا الطفيلي الذي يعيش على جسم مضيف ويتغذّى عليه.
وأن العلاقة بين البكك وبين أجزاء كوردستان كعلاقة الطفيليات بالأجسام المضيفة لها، والتي تحصل على التغذية المباشرة من الجسم المضيف من غير أن تفيده بشيء غير إلحاق الأضرار والخسائر به، كذلك البكك فقد أجادت دورها الطفيلي المغذّي على باقي أجزاء كوردستان، وتعريضها لمخاطر جمّة تهدّد كيانها.
فالبكك في بداية أنشطتها وعملياتها وعبور أوجلان للأراضي السورية، والتمركز في سهل البقاع، ومع أن غرب كوردستان كان في ظلّ احتلال حكومة دمشق غير أننا نستطيع التأكد من أن المصدر البشري والمالي الرئيسيين للبكك كان غرب كوردستان وشباب وأهالي وثروات تلك البقعة من كوردستان.
فمصادر البكك المالية الأولى وقبل قيامها بأخذ الضرائب وفرض الجمارك والقيام بالأعمال غير الشرعية والتهريب والمخدرات، كانت البكك تموّل تنظيماتها على حساب غرب كوردستان، وما تتلقاه من مساعدات ودعم من عامة مواطني غرب كوردستان وبالأخص الطبقة الثرية الغنية فيه، ومما لا يُنكر أيضاً أن أخلص الفدائيين وأشجعهم من بين كافة كوادر البكك والمقاتلين هم المنتمين لهذه التنظيمات والملتحقين بها من باقي أجزاء كوردستان وبالأخص من غرب كوردستان، فهم قد ضحّوا بكلّ غالٍ ونفيس من أجل البكك، وما أعلى النفس والمال بالتضحية بهما من أجلها!
خلال فترة الربيع العربي والثورة الجماهيرية العارمة للشعب السوري ضد حكومة الأسد المحتلة والظالمة، سنحت فرصة ذهبية للشعب الكوردي للنجاة من براثن الأسد بعد عقود من الظلم والاضطهاد والاحتلال والتطهير العرقي، وبعد أعوام من إنكار الهوية القومية استطاع غرب كوردستان من العيش على أرض الآباء والأجداد أحراراً في ظلّ هويتهم الثقافية وفي كيان كوردي محرّر شبه مستقل، غير أنه من المؤسف أن هذه الفرصة ضاعت وأصبحت ضحية عملية تبادلية تجارية بين البكك والدول المحتلة لكوردستان -إيران وسوريا وجيش النظام الأسدي- فكان غرب كوردستان كأمانة سلّمها النظام السوري للبكك للقضاء على معنوياته وحماسه ببطش قوتها وفتكها!
وبوصول البكك تم اغتيال عدد من قادة الكورد وزعماؤهم الوطنيين المخلصين، وتم حرق مقار ومكاتب الأحزاب القومية في غرب كوردستان، وتم طرد التي لم تكن مؤيدة للبكك ولم تقل لها (نعم) وإخراجها خارج غرب كوردستان بالقوة، والاستيلاء على ممتلكاتها، مع كلّ هذا لم يفقد الشعب الكوردي الأمل في فتح صفحة جديدة يوماً ما وعودة البكك للحضن الكوردي والطريق الصائبة والمسيرة الحقّة للحركة التحرّرية الكوردية، ولهذا قدّم التضحيات والقرابين بدمائهم من أجل أرضهم.
غير أنه من المؤسف والمؤلم في نفس الوقت أن البكك وبتصرفاتها الصبيانية كرفع أعلامها وشعاراتها الخاصة، وصور عبد الله أوجلان في عامة غرب كوردستان والمناطق الحدودية لتركيا على وجه الخصوص، أعطت التبريرات اللازمة لتركيا الفاشية بشنّ أشرس الهجمات على غرب كوردستان، وعوض انصاتها واستماعها لنصائح المختصين والوطنيين المخلصين، قامت البكك بإطلاق تهديدات فارغة وغير مجدية، وصرّح زعماؤها وقادتها بتصريحات واهية بأنهم سيشعلون النار بإسطنبول! وكالعادة رفعت الشعارات النارية المزيّفة، غير أن تركيا شنّت الهجمات وتقدّمت واحتلت أجزاءً من غرب كوردستان، واستوطنت جيوشها والميليشيات والفصائل المرتزقة لها هناك، ولم تستطع البكك استرجاع ولو نقطة عسكرية أو ساتراً هناك، كما أنها لم تستطع تفجير العاب ومفرقعات نارية للأطفال في إسطنبول!
وبعدها ونتيجة ممارسات البكك وبسببها تم احتلال مناطق أخرى من غرب كوردستان، والآن يواصل شعب الغرب نضالاً مريراً وكفاحاً منعدم النظير للحفاظ على بقي بأيديهم للحفاظ عليه وعدم إضاعته وفقدانه، وتقوية موطأ قدمهم هناك لكي يستطيعوا تحرير مناطقهم المحتلة مرة أخرى في المستقبل القريب، غير أنهم ولإرادتهم تلوين نضالهم بالهوية التراثية والثقافية والقومية فهم لا يريدون التضحية مرة أخرى بحقهم في تقرير المصير من أجل سياسات البكك الخاطئة والمنحرفة، فلكثرة ما تمت المتاجرة والتضحية بهذا الجزء من كوردستان من قبل البكك ومصالحها الحزبية الضيقة فهي لا تريد أن تتنعّم بالاستقرار بل على العكس فهي تحاول جاهدة حرمانه من الأمن والاستقرار الذي يتنعمون في ظله الآن!
فالبكك وقادتها وزعماؤها يحاولون الحصول على حصة من إيرادات الاتفاقية النفطية التي وقّعها كوردُ غرب كوردستان مع الشركة النفطية الأمريكية، وإدارة غرب كوردستان من جديد وإعماره! ولهذا خلّطوا الحابل بالنابل حينما صرّح الرئيس التوأم لمنظومة المجتمعات الكوردستانية بأن هذه خيانة للحكومة السورية! فكاد أن يحارب بايك غرب كوردستان ويطعن ظهور قادته من أجل سوريا ونظام بشّار الأسد!
فتجاه كل هذه الكوارث والمصائب والمآسي والدمار الذي ذاق طعم مرارتها غرب كوردستان بسبب البكك، هل قدّمت البكك أية منفعة لهذا الجزء من كوردستان؟! فينبغي علينا نحن ككورد أن نبحث بعقلية منفتحة ومخلصة عن إجابات مقنعة بعيدة عن التعصّب الحزبي لمثل هذه التساؤلات، ولنقارن بين علاقتي البكك بغرب كوردستان والطفيليات بالأجسام المضيفة! آنذاك ستظهر لنا مدى التشابه بين العلاقتين، كما سيتّضح لنا أن الطفيلي الذي يحصل على التغذية المباشرة من الجسم المضيف لا يفيده بشيء غير إلحاق الأضرار والخسائر به، وأن الطفيليات تعتمد على مضيفها للبقاء على قيد الحياة فقط لا غير!