الجزيرة: أوجلان وحزب العمال الكوردستاني أهدرا 50 عاماً على النضال الكوردي

كشف موقع الجزيرة القطري في تقرير له حول عملية السلام الجديدة في تركيا وباكور كوردستان، وعملية نزع سلاح حزب العمال الكوردستاني بكك وفسخه، حيث سلّط التقرير الضوء على حقيقة هذا التنظيم وجذوره وانحرافه عن الخط والأهداف التي بُني من أجلها، قائلاً: “لقد جاء أوجلان بعد نصف قرن من النضال السياسي والكفاح المسلّح، واعترف بفشل مشروعه الإيديولوجي والعقائدي وتنظيمه العمال الكوردستاني بكك، واختار الاستسلام”.
قناة الجزيرة القطرية، والتي تتمتّع بشهرة عالية وقوة وسمعة في الشرق الأوسط والعالم أجمع، نشرت تقريراً مطولاً يوم الاثنين 4 أيار 2025 عن تنظيم “حزب العمال الكوردستاني بكك وزعيمه عبد الله أوجلان، وعملية السلام في تركيا” وكشف التقرير عن جرائم وخيانة وعمالة وإخفاقات وهزائم حزب العمال الكوردستاني في مراحل مختلفة من تأريخه منذ تأسيسه عام 1978 وحتى يومنا هذا.
بدأت قناة الجزيرة تقريرها على هذا النحو:
منذ تأسيسها عام 1978، ارتكبت منظمة “بي كا كا” مجازر راح ضحيتها نحو 16 ألفًا من الموظّفين الرسميين في تركيا، من بينهم جنود ورجال شرطة ودرك وأطباء ومعلمون، إضافةً إلى عدد لا يُحصى من المدنيين من نساء وأطفال، وتكبّدت تركيا جرّاء هذه الحرب تكلفة اقتصادية تقدّر بنحو تريليونَي دولار. فهل وصلت المنظمة إلى نهاية الطريق؟
وكشف التقرير بالتفصيل الجرائم والتصفيات الجسدية التي ارتكبها حزب العمال الكوردستاني ضدّ الوطنيين الكورد والمخلصين من أبنائه بأوامر مباشرة من أوجلان، بما في ذلك اغتيال زعيم عشيرة بوجاك (محمد جلال بوجاك) في عام 1979. علاوة على استهداف هذا التنظيم الدخيل، للحركات والأحزاب السياسية الكوردية في باكور كوردستان-كوردستان تركيا وبدء سلسلة من التصفيات الداخلية بذريعة “العمالة” و “الخيانة” وعمليات الاغتيال والهجمات الدامية التي نفّذها… حتّى استطاع أوجلان أن يستأثر منصب الزعامة لنفسه، فيقول: “وفي خضم هذه الفوضى، بقي أوجلان القائد الأوحد للتنظيم، واستفاد من دعم استخبارات النظام السوري لعبور الحدود في يونيو/ حزيران 1979، حيث أصدر تعليماته بإعلان تأسيس التنظيم عبر “عملية ضخمة تلفت الأنظار”.
من الاستقلالية إلى الاستسلام
تحت عنوان (من الانفصالية إلى الاستسلام) شرع التقرير في سرد أحداث بقاء أوجلان في سوريا وسرد ما تابعها من أحداث، فقال: “في ظلّ حماية الاستخبارات السورية، استقرّ أوجلان في بلدة عين العرب (كوباني حاليًا) والتي باتت اليوم مركزًا لما يُعرف بـ “بي كا كا/بي واي دي” ثم انتقل إلى دمشق…”.
وحول الشعارات الزائفة لأوجلان وحزبه وادعاءاتهم في بداية الأمر بأنهم يناضلون من أجل كوردستان الكبرى المستقلة والموحّدة وتحرير كوردستان وما إلى ذلك من الشعارات الرنانة والبرّاقة… تابع التقرير “لاحقًا، بدأ أوجلان يعدّل من طرحه السياسي، فانتقل من شعار “كوردستان المستقلة والموحّدة” إلى شعارات مثل “الفدرالية” و”الحكم الذاتي الإقليمي…”.
حتى وصل الأمر إلى الاستسلام، مؤكّداً على أن أوجلان وتنظيمه الإرهابي لم يحقّقا أيّاً من أهدافهم المعلنة، مشيراً على أن هذا ما يعكس بوضوح اعترافاً بفشل المشروع، فيؤكّد التقرير: “أي أن أوجلان نفسه أقرّ، بعد 45 عامًا من التمرّد المسلّح، بأن لا الدولة الكوردية المستقلة، ولا الفدرالية، ولا الحكم الذاتي، تشكّل حلولًا واقعية!”.
بعبارة أخرى، أنه بعد 45 عاماً من الصراع المسلّح، قبل أوجلان أن الدولة الكوردية المستقلة أو الفيدرالية والحكم الذاتي لن تشكل حلولاً واقعية، مما يعني الاستسلام فقط.
انهيار النموذج الفكري لأوجلان وحزبه
أشار تقرير الجزيرة إلى أن “كان البيان المكتوب بخطّ يد أوجلان والمكوّن من ثلاث صفحات ونصف، بمثابة لحظة انهيار النموذج الفكري ليس فقط لتنظيم “بي كا كا/ك ج ك” بل أيضًا لذراعه السورية “بي واي دي”، وامتداده الأوروبي، وجناحه السياسي داخل تركيا، حزب “ديم”.
وتابع “فبهذه الدعوة، أعلن مؤسّس التنظيم بنفسه انتهاء “الإستراتيجية الأساسية” المزعومة، وأقرّ بأن منظمة بي كا كا أصبحت “فاقدة للمعنى” لأنها فقدت الهدف الذي أُسّست من أجله”.
وأورد التقرير دعوة أوجلان للاستسلام بالكامل واختتمها بـ “وأخيرًا، ختم أوجلان دعوته الحاسمة بقوله:
“أتحمّل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة. وأدعو كلّ المجموعات التابعة لبي كا كا لعقد مؤتمر واتّخاذ قرار نهائي: على الجميع ترك السلاح، ويجب أن تُحلّ منظمة بي كا كا”.
هل يقدم حزب العمال الكوردستاني بكك حقًا على حلّ نفسه وإلقاء السلاح؟
أورد التقرير هذا التساؤل: “هذا هو السؤال الذي يُطرح بإلحاح في تركيا وفي عموم منطقة الشرق الأوسط”.
وبحث التقرير تأريخ قرارات لم يلتزم بها حزب العمال الكوردستاني بكك، فأدرج تحت عنوان “قرارات لم تلتزم بها “بي كا كا”
فقال: “حين تحدّث أوجلان عن “جميع المجموعات”، فقد كان يقصد كامل هيكل “بي كا كا/ ك ج ك”، سواء في تركيا، أو في سوريا، أو إيران، أو العراق، أو في الشتات الأوروبي. ومع ذلك، وبناءً على تجارب سابقة، كان يدرك أن دعوته لن تلقى الاستجابة المرجوّة، ولهذا أنهى بيانه المكتوب بخطّ يده بجملة ذات دلالة:
“أبعث بتحياتي لجميع الجهات التي تصغي إلى ندائي”.
وأكّد التقرير على أن المراقبين المقرّبين من ملف حزب العمال الكوردستاني بكك والذين يدركون تمامًا أنّ هذه المنظمة لم تعد تسعى بأي شكل لـ “حقوق الكورد” وإنما تحوّلت إلى أداة قوة خاضعة لقوى إقليمية ودولية… يرون أنّ التنظيم لن يُقدم بسهولة على حلّ نفسه أو على تسليم سلاحه، ولن يلتزم بوقف إطلاق النار، ملفتاً إلى أن هذه التنظيمات “سبق لها أن أعلنت عن قرارات “وقف إطلاق نار/تسليم سلاح/ حلّ التنظيم” ست مرات، وذلك في الأعوام: 1993، 1995، 1998، 2006، 2009، و2013، لكنها في كل مرة ما لبثت أن نكثت عهودها، واستأنفت عملياتها الإرهابية” حسب ما ورد في التقرير.
وتحت عنوان “مؤشرات غير مبشّرة” ذكر التقرير “غير أنّ الأخبار الواردة من خلف الكواليس لا تدعو حتى لهذا القدر من التفاؤل؛ بل على العكس، فإن ما يُنقل عن اللجنة التنفيذية لـ “بي كا كا” يفيد بأنها تطرح شروطًا لقبول حلّ نفسها. ومن أكثر الشروط غرابة أنها تطلب أن يترأس عبد الله أوجلان بنفسه مؤتمر التنظيم، رغم أنه لم يُبدِ هذا الطلب أصلًا، وهو يقضي حكمًا بالسجن المؤبد!”.
وأكّد التقرير على أن قادة بكك في قنديل “يريدون أن يُشعلوا فتيل القتال، ولكن دون أن تُنسب إليهم المسؤولية، تمامًا كما اعتادوا، عبر سياسة كسب الوقت والمماطلة. أما تغيير الأسماء والقيادات، فهو من التكتيكات المتكرّرة لديهم، وإظهار العداء للعنف ما هو إلا نفاق سياسي يتقنونه جيدًا”.
مختتماً بالقول تحت عنوان “السلاح: مصدر القوة الوحيد”: “تاريخ منظمة “بي كا كا”، الممتد لنصف قرن، يجعل جميع السيناريوهات ممكنة، غير أن أضعفها احتمالًا هو تخلّيها عن العنف والسلاح، وهما مصدر قوتها الوحيد…” منوّهاً إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدرك هذا الأمر، وقد عبّر عنه بقوله: “إذا لم تُنفَّذ الوعود، وإذا تحوّلت العملية إلى مراوغة وتسويف، أو محاولات لخداعنا بتغيير الأسماء دون تغيير الجوهر، فسيُرفع القلم عنا. وسنواصل عملياتنا الجارية بلا هوادة، حتى لا يبقى حجرٌ فوق حجر، ولا رأسٌ فوق كتف، حتى القضاء على آخر إرهابي”.