قصّت خصلات من شعرها وأوصت بوضعها على ضريحها لتتنعّم بنسيم حرية كوردستان يوم استقلالها!

قصّت خصلات من شعرها وأوصت بوضعها على ضريحها لتتنعّم بنسيم حرية كوردستان يوم استقلالها!

يصادف اليوم السنوية الـ 51 لاستشهاد المناضلة الكوردية وعروسة كوردستان “ليلى قاسم” رمز المقاومة والنضال والحرية والإباء والتضحية والجرأة، على أيدي نظام البعث العراقي البائد المقبور بعد محاكمة صورية قصيرة عام 1974 وبعد أقلّ من أسبوعين على اعتقالها مع رفاقها الشهداء الأربعة، ثلاثة منهم كانوا من طلبة جامعة بغداد، والرابع خطيبها الشهيد جواد الهماوندي، الذي كان عاملاً بسيطاً في إحدى المطابع الحزبية للحزب الديمقراطي الكوردستاني آنذاك، أصبحت ليلى قاسم نجمة في سماء كوردستان وأيقونة من أيقونات النضال التحرّري للشعب الكوردستاني، يستذكر الكوردستانيون في مثل هذا اليوم من كلّ عام جسارتها وشجاعتها في مواجهة أعداء حرية واستقلال شعبها.

“ليلى قاسم حسن كلهوري” ولدت عام 1952 في قرية (بانميل) التابعة لقضاء خانقين من عائلة فقيرة ووطنية مخلصة، كان والدها يعمل عاملاً بسيطاً في مصفاة خانقين للبترول، بعد تقاعده عام 1971 انتقل من خانقين للعيش في بغداد من أجل ليلى وإخوتها لإتمام دراستهم هناك، إخوة ليلى (سلام، صفا وصلاح) وأختها (صبيحة) كانوا طلاباً، وكانوا من الطلاب الأذكياء والأوائل في دراستهم، غير أن سوء المعيشة والحياة الصعبة أجبرتهم على إدارة معيشتهم والعمل جنباً إلى جنب الدراسة.

بدأت الشهيدة ليلى قاسم بدراستها الابتدائية عام 1958 في مدينة خانقين، وأكملت دراستها الابتدائية والمتوسطة في خانقين، والتحقت بكلية الآداب قسم الاجتماع في جامعة بغداد.

الظلم والاضطهاد اللذان مورسا بحقّ الشعب الكوردي منذ فجر التأريخ وعلى يد الحكومات العراقية المتعاقبة كانا سبباً في انجرار ليلى وآلاف الشباب والشابات الكورديات للكفاح والنضال من أجل رفع الظلم والغبن اللذان لحقا بهذا الشعب المقهور المظلوم!

بدأت ليلى نضالها ومشوارها الكفاحي في وقت كان يقال بأنه من الصعب بل والمستحيل قيام المرأة الكوردية بالمقاومة والنضال والكفاح في الجبال والقرى والمدن جنباً إلى جنب مع الرجل! وبرهنت للأصدقاء والأعداء أن الوفاء والانتماء لكوردستان أهمّ من أي شيء آخر، وأن الموت بعز أثمن من الحياة في الذل، كما حاربت المناضلة المبدأ القائل بتفضيل الرجل على المرأة وكان ممّا ساعدها على ذلك تخصّصها في المجال الاجتماعي.

ألقي القبض عليها وعلى أربعة من زملائها يوم 28 من نيسان عام 1974، وهم كلّ من (جواد هماوندي ونريمان فؤاد مستي وحسن محمد رشيد -حمە رش- وئازاد سلیمان میران) من قبل الأجهزة الأمنية القمعية للنظام البعثي في بغداد.

قصّت خصلات من شعرها وأوصت بوضعها على ضريحها لتتنعّم بنسيم حرية كوردستان يوم استقلالها!

عند اعتقالها مع رفاقها تمّت إدانتهم بتهمة التخريب والقيام بأعمال إرهابية من خلال وسائل الإعلام المحلية والقنوات العراقية وصحيفة الثورة والتي كانت تعتبر لسان حال النظام البعثي، وبدأوا معها التحقيق مستخدمين كلّ الأساليب الوحشية وغير الإنسانية على الإطلاق في محاولة منهم لنزع الاعترافات منها بالقوة وتحت أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي إلا أن الشهيدة ليلى قاسم أبدت وبكل صلابة وتحدي صموداً لا مثيل له، ولم تقّر بشيء ما أو تكشف عن أي معلومة صغيرة كانت أم كبيرة تضّر برفاقها!

وأجريت لهم محكمة صورية حكمت بالإعدام عليهم شنقاً حتى الموت، آنذاك قام كبار مسؤولي المخابرات العراقية بمحاولة خطف اعتراف منها بالقول لها: “أكتبي رسالة ندم لرئيس الجمهورية أحمد حسن البكر مطالبة بالعفو من سيادته معترفة بالخطأ الذي ارتكبته في محاولة لتخفيف الحكم من الإعدام، لكون وضعها مغايراً من وضع زملائها” غير أن المناضلة الكوردية رفضت هذا العرض وقالت كلمتها المشهورة: أنا أعرف قائداً واحداً فقط وهو الجنرال مصطفى بارزاني، أنا ابنة كوردستان، وأناضل بفخر واعتزاز في صفوف البارتي -الحزب الديمقراطي الكوردستاني- ولست مستعدّة لتقديم أي تنازلات خوفاً من الموت ولن أطالب العفو من أي شخص أو جلاد!

قالت ليلى لكبار مسؤولي المخابرات في نظام البعث: بإعدامي سيصحو ويستيقظ آلاف الكورد من نومتهم والعميقة وسباتهم الطويل، أنا فخورة جدّاً ولي الشرف في التضحية بروحي وجسدي في سبيل تحرير كوردستان!

النظام البعثي الوحشي ولتخويف الشعب الكوردي عامة وفئة الطلاب والشبيبة على وجه الخصوص، أصدرت وفور محاكمة شكلية صورية بعيدة عن السياقات القانونية حكم الإعدام على الشهيدة ليلى قاسم ورفاقها، كان هذا في وقت لم يمرّ على اعتقالهم سوى أسبوعان وذلك بعدما أفقعوا عينها اليمنى وشوّهوا جسدها بصورة فظة من خلال التعذيب الشديد الذي تعرّضت له أيام الاعتقال، فتم تنفيذ حكم الإعدام فجر يوم 12 أيار عام 1974 بحقهم والتحقوا بقافلة شهداء الحرية من أجل كوردستان…

وقبل يوم من إعدام الشهيدة ليلى قاسم وسماح النظام بالزّيارة الأولى لوالدتها وشقيقتها لها بعد سجنها، أوصت الشهيدة أختها بأن تحضر لها في الزّيارة القادمة (مقص وملابسها الكوردية الجديدة) وبعد أن أحضرت لها ما تريد في الزّيارة الثانية، أخذت المقصّ وقصّت به خصلاتٍ من شعرها وأهدتها إلى شقيقتها لتبقى ذكرى وشاهدة على نضالها وتحدّيها للموت والطغاة، وأجابت أختها التي سألتها عن سبب طلبها إحضار المقص وثوبها الجديد إجابة مليئة بالثقة والابتسامة، أختاه ضعي خصلات شعري على ضريحي لتتنعّم بنسيم حرية كوردستان يوم استقلالها! فسأصبحُ بعد أيّام (عروس كوردستان) لذلك أحبّ أن تحتضنني الأرضُ وأنا بكامل أناقتي!!

مقالات ذات صلة