قدّم 6 أعضاء في المحكمة الاتحّادية العليا العراقية مع ثلاثة قضاة احتياط استقالاتهم من المحكمة التي تُعدّ أعلى سلطة قضائية في العراق، احتجاجاً على قرارات لمجلس القضاء الأعلى في الأشهر الأخيرة.
وقالت مصادر قضائية وحقوقية لـ “العربي الجديد” إن الاستقالات تأتي على خلفية خلافات متراكمة بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتّحادية “بسبب الشدّ والجذب وإلغاء القرارات وتفعيل أخرى، بقضايا متفرقة من بينها قضايا خلفت مشكلات في العلاقة، مثل العفو العام الذي ألغت العمل به المحكمة الاتّحادية فيما أرجعته إلى العمل سلطة مجلس القضاء الأعلى، ثمّ قضية النزاع على خور عبد الله بالبصرة مع الكويت، وأخيراً قضية قانون التقاعد”.
وأضافت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن “قرار استقالة القضاة من المحكمة الاتّحادية لم يصدر اليوم، بل قبل عيد الأضحى، إلّا أن الإعلان عنه جرى اليوم” مبينة أن “القرار هو طريقة احتجاج من قضاة المحكمة الاتّحادية على سياسات مجلس القضاء الأعلى، لا سيّما وأن المحكمة تعتبر أن قراراتها غير قابلة للتمييز، لكن رئيس محكمة التمييز الاتّحادية القاضي فائق زيدان (نفسه رئيس مجلس القضاء الأعلى) أقدم أخيراً على إعدام قوانين عدّة بتت بها المحكمة الاتّحادية وكان آخرها قانون التقاعد”.
من جهته، أشار عضو مجلس النواب رائد المالكي، في تصريح صحافي، إلى أن “استقالة أعضاء المحكمة الاتّحادية العليا من عملهم يعود إلى ضغوط يتعرّضون لها بسبب قضية خور عبد الله”. لكن صحيفة “العربي الجديد” وبحسب مصادرها، قالت إن “الخلاف متراكم، وإن إعدام قانون التقاعد هو الذي دفع قضاة الاتّحادية إلى التفكير جدياً في الاستقالة”.
ومطلع الشهر الجاري، قرّرت محكمة التمييز الاتّحادية إلغاء قرار المحكمة الاتّحادية بشأن قانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014، معتبرة إياه “غير دستوري”.
وأوضح الخبير القانوني علي التميمي في تصريح لـ “العربي الجديد” أن “قرارات عدة أصدرتها المحكمة الاتّحادية جرى الطعن فيها، وألغتها محكمة التمييز” مشيراً إلى أنه في ما يخصّ حالة قانون التقاعد فإنه “تعرّض للطعن القضائي من جانب أحد المديرين العامين، ثم حظي الطعن بتأييد محكمة التمييز التي تستند إلى قانون تنظيم الإدارة الذي يجعلها تمتلك الحقّ في التعامل مع قرارات جميع المحاكم العراقية”.
وأكد أن “عمل المحكمة الاتّحادية منظم وفق الدستور العراقي، لكن لا بدّ من إقرار وتشريع قانون المحكمة الاتّحادية من أجل تنظيم عمل القضاة وخبراء الشريعة وغيرها، وضمان عدم الوقوع في مشكلات النظر بالقضايا شكلاً وموضوعاً”.
ورغم أن هذا الخلاف بين الجهازين القضائيين هو الأول من نوعه، إلا أن معظم المراقبين يجدون أن القرارات الكبرى للمحكمة الاتّحادية تقترب من وجهات نظر سياسية لزعماء أحزاب كبيرة، لعلّ أبرزهم الأمين العام لحزب الدعوة ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، الذي يُعرف عنه أنه يسيطر على القضاء من خلال مصالح وولاءات حزبية وسياسية واتفاقات وتفاهمات أسّس لها في فترة رئاسته الحكومة لدورتين بين 2006 و2014. وللعراقيين ذكريات كثيرة مع قرارات المحكمة الاتّحادية، ضمنها قرار إقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وإيقاف العمل بقانون العفو العام بطريقة غير قانونية، وانتزاع حقّ تشكيل الحكومة من الكتلة الفائزة في انتخابات البرلمان عام 2010، آنذاك “ائتلاف العراقية” بزعامة إياد علاوي، ومُنِح المالكي فرصة للبقاء ولاية ثانية.
وتمّ ذلك عبر تفسير “الكتلة الأكبر” الذي ينصّ الدستور العراقي على أن تكون الفائزة في الانتخابات، بالإضافة إلى إعادة فرز الأصوات يدوياً في انتخابات 2018 بناءً على طلب زعماء أحزاب، كان أبرزهم المالكي، وكذلك قرار المحكمة بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان وإلغائه، ثمّ الحكم بمنع تمويل رواتب موظفي إقليم كوردستان.
وأنشئت المحكمة الاتّحادية العليا في عام 2005، ومقرّها بغداد، وتتألف من رئيس وثمانية أعضاء، وتختصّ بالفصل في النزاعات الدستورية. وتعتبر قراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة.
ويفترض أنها مستقلة وفق الدستور العراقي، إلا أن الأحزاب النافذة تناوبت على طرح أسماء قضاة يمثلونها، حيث لا يوجد قانون يمنع عنها التأثيرات السياسية، ما يدفع سياسيين بين فترة وأخرى إلى المطالبة بتشريع قانونها الخاص.
وتتلخّص مهام المحكمة الاتحادية بـ “الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتّحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتّحادية، والفصل في المنازعات القضائية والإدارية التي تحصل بين الحكومة الاتّحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب”.
رئيس المحكمة الاتّحادية العراقية العليا يدعو لاجتماع مع الرئاسات الثلاث وائتلاف إدارة الدولة… ولكن!
جديرٌ بالذكر، دعا رئيس المحكمة الاتّحادية العليا لاجتماع مع الرئاسات الثلاث (الجمهورية-البرلمان-الوزراء) في العراق وكذلك ائتلاف إدارة الدولة التي تدير الحكم في العراق من أجل حلّ القضايا العالقة.
لكن، جاء الردّ الأول من رئيس مجلس النواب العراقي، محمود المشهداني، بالرفض، وذلك عبر كتاب رسمي بحجة أن الدعوة تضم اجتماعاً لأطراف سياسية.
وفقاً للكتاب الرسمي الصادر من مكتب رئيس البرلمان بتاريخ 19 حزيران 2025، فإن الرفض جاء ردّاً على دعوة من المحكمة الاتحادية لعقد اجتماع مع “ائتلاف إدارة الدولة” من أجل مناقشة إشكالات قانونية.
وأكّد المشهداني في كتابه على أن القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون استناداً للمادة (19/أولاً) من الدستور العراقي، منوهاً الى أن حلّ الإشكالات بين مكونات السلطة القضائية يجب أن يتمّ داخلها دون تدخّل من السلطات الأخرى.
وأوضح أن “الدعوة لهذا الاجتماع يتسبّب بتدخّلات سياسية قد تمسّ جوهر استقلال السلطة القضائية” وهو ما يتعارض أيضاً مع المادة (87) من الدستور التي تنص على استقلالية القضاء.
المشهداني، أكّد على دعم البرلمان الكامل للقضاء العراقي، ولكن ضمن الأطر الدستورية والقانونية التي ترسخ صورة دولة المؤسّسات والقانون، ودعا إلى حلّ أي خلافات داخل الجسم القضائي بما يضمن هيبته واستقلاليته بعيداً عن أي تدخل خارجي.