رؤية الـ PKK لباقي أجزاء كوردستان كرؤية الطفيلي للمضيف
في علم الأحياء، تنقسم علاقة الطفيلي (هو كل كائن حيّ يعيش على جسم آخر أو داخله ويتغذّى عليه) بالجسم لعدة أقسام، وعند رؤية حزب العمال الكوردستاني البكك وتنظيماتها ومطالبها تجاه باقي أجزاء كوردستان أول ما يطرأ على بال الإنسان أو تظهر صورته أمام عينيه هو هذا الطفيلي الذي يعيش على جسم مضيف ويتغذّى عليه.
ووفق هذه العلوم فإن الطفيلي الذي يحصل على التغذية المباشرة من الجسم المضيف لا يفيده بشيء غير إلحاق الأضرار والخسائر به، فغالبا ما يوصف هذا التفاعل التكافلي بأنه ضار بالمضيف رغم أن هذه الطفيليات تعتمد على مضيفها للبقاء على قيد الحياة، وهكذا هو حزب العمال الكوردستاني البكك فلو دقّقنا النظر في تأريخ هذا التنظيم لوجدناه تنظيماً تأسّس -على ما يبدو!- في شمال كوردستان ويعتمد على الخيارات المتاحة والقوى الكامنة لتلك البقعة، وأنه يناضل لتحريرها من الاحتلال التركي، غير أنه ومنذ تأسيسه نراه ألقى بكامل ثقله على باقي أجزاء كوردستان، واستمد قوته وثرواته ورؤوس أمواله وقوته البشرية من شرق وغرب وجنوب كوردستان!
واللافت للنظر أنه وتجاه كلّ هذه الخدمات فإن البكك لم تقدّم غير الضرر والخسائر والدمار والهلاك والمعارك والحروب والاضطرابات والفوضى والاحتلال لباقي أجزاء كوردستان، لم تُنجزْ أية منجزات للكورد لا في شرق كوردستان ولا غربها ولا جنوبها، ولم تصبح محطة استفادة أو صاحبة موقف إيجابي يستفيد منها الكورد ولو لمرة واحدة، بل كما قلنا في بداية مقالتنا أن البكك تقمّصت بداية تأسيسها دور الطفيلي المغذّي على باقي أجزاء كوردستان، وتعريضها لمخاطر جمّة تهدّد كيانها.
والأدلة على كون البكك طفيلياً على باقي أجزاء كوردستان كثيرة، وقد يكون آخرها آخر لقاء لجميل بايك -الرئيس المشترك لمنظومة المجتمعات الكوردستانية- وموقفه العدائي من اتفاقية الإدارة الذاتية مع شركة النفط الأمريكية.
فقد تعرّض غرب كوردستان للكثير من المآسي والكوارث، وقدّم الكثير من التضحيات والقرابين والضرائب في ظلّ سياسات البكك الخاطئة وتصرّفات قادة البكك المشبوهة، وما عداوة بايك للإرادة التحررية لهذه البقعة من كوردستان إلا حلقة من سلسلة الحلقات الكارثية والمأساوية والمدمّرة والاحتلالية التي تعرّض ومازال يتعرّض لها غرب كوردستان، وسنحاول إيضاح حقيقة هذه العلاقة الطفيلية للبكك مع كافة أجزاء كوردستان خلال سلسلة من المقالات، في بدايتها العلاقة بين طفيلية البكك مع جنوب كوردستان وذلك وفق التسلسل التاريخي.
بعد تحرّر جنوب كوردستان في تسعينيات القرن المنصرم نتيجة عقود من الزمن في النضال المستمر والكفاح الدامي، وإراقة دماء لا تقدّر بثمن، كان من المؤمّل بناء واقع سياسي كوردستاني يستظل به الكورد ويدافعون عنه أينما كانوا، غير أن البكك وعوض تعاونها ودعمها سخّرت كافة طاقاتها وقوتها في محاربة هذا الجزء من كوردستان، ولم تأل جهداً في محاربة إنشاء وتأسيس هذا الواقع الكوردي الحديث.
نعم، تناسى قادة البكك وزعماؤها كافة الخدمات التي قدّمها لهم كورد جنوب كوردستان بكل سهولة، ومن دون أي شعور بالخجل والأسف حملوا السلاح أمام بيشمركة هذا الجزء من كوردستان، وحاربوا القوة الرئيسية والعظيمة لهذا الجزء لعدّة سنوات! ذلك لأنهم كانوا يرون أن تأسيس حكومة الجنوب والبرلمان الكوردي بمثابة جريمة لا تُبرّر وذنب لا يُغتفر، وخسارة كبيرة.
نعم بالفعل، هذا الواقع الكوردي الجديد والمنجزات الكوردستانية جريمة كبرى في نظر المحتل، وتضرّ بمصالحهم الاحتلالية، إذن فلماذا تفكّر البكك بمثل هذا التفكير؟ فهذا تساؤل غاية في الأهمية، وينبغي على كلّ كوردي البحث في إجابة مقنعة له بعيداً عن الأطر الحزبية الضّيّقة.
فما نراه ولغاية الآن أن جنوب كوردستان أصبح مستهدفاً من قبل الأعداء ويتعرض لأشرس الهجمات وأشدّها وحشية نتيجة استضافته للبكك والاعتناء به، فأُحرقت العشرات من القرى وأخليت من الحياة تماماً، واستشهد العشرات من المدنيين العزّل جرّاء الهجمات التركية والصراعات الهمجية، وما زالت البكك تستمدّ قواها من جنوب كوردستان، ورغم كلّ هذا فلم نر البكك ومنذ تأسيسها قدّمت أية استفادة لجنوب كوردستان سوى إلحاق الأضرار والخسائر والدمار!