في الذكرى التاسعة لمأساة روبوسكي، ذلك الجرح الدامي في الجسد الكوردي، وكما قال أحد الكتّاب: “لو نسينا هذه الفاجعة فينبغي أن يجف قلبنا” فلم ينسى الكورد روبوسكي، غير أنها أصبحت قصة جريمة مجهولة الفاعل وبيد الكورد، وهذه الحقيقة هي ما تسبّبت بجفاء قلوبنا!
كيف تطوّرت العملية في روبوسكي؟ ما كان دور إيمرالي في الحادث؟ ما كان دور حزب الشعوب الديمقراطي؟ هذا ما سنتحدّث عنه..
بغال تحمل 34 جثامين
بدأ القصف الجوي للمقاتلات الحربية التركية ليلة 28 كانون الأول عام 2011، على قرية روبوسكي التابعة لقلبانة، وذلك في تمام الساعة 21:39 واستمرّ لمدة 46 دقيقة، ومن تم استهدافهم في عملية القصف كان القرويون الذين كانوا يقومون بنقل البضائع على الحدود لتأمين لقمة عيشهم وعائلتهم، واستشهد 34 شخصاً معظمهم من الأطفال والفتيان (دون 18-19 عاماً) وتوجّه القرويون لانتشال جثث الضحايا بعد تلبية أحد الجرحى الناجين من هذه المجزرة المؤامة، فجلبوا جثامين الموتى المحترقة والمتفحمة والمقطوعة أشلاء والممتزجة بأعضاء البغال! وأغفلت الصحافة التركية هذه الحادثة المؤلمة ولم تتحدّث عنها حتى صدر تصريح من موقع رئيس الجمهورية الرسمي.
من الذي تسبّب بحادثة روبوسكي؟
لا تزال حقيقة ملابسات هذه الحادثة المأساوية مجهولة، فآنذاك لم يكن حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم مهيمناً على كافة مفاصل ومؤسّسات الدولة، وكانت هناك معركة شرسة بين الكماليين وجماعة فتح الله كولن والعدالة والتنمية على إدارة سلطة البلاد، ولم تتمّ لغاية الآن تقديم إجابة تامّة وواضحة على مسألة (هل كانت الحادثة مؤامرة مشتركة ما بين هذه الأطراف؟) لغاية الآن، فآنذاك، اتّهم وزير الداخلية التركي آنذاك إدريس نعيم المخابرات التركية (MIT) بإعطائها معلومات مضلّلة وخاطئة مفادها أن قيادياً بارزاً في حزب العمال الكوردستاني البكك سيعبر الحدود هناك، غير أن المخابرات التركية (MIT) نفت صحة هذا الخبر.
والأهم من الحادث نفسها هو النظر لتلك العقلية التي تصدر قرارات إبادة الكورد وقتلهم بغاية السهولة والبساطة كهذه! وأنه مهما ظهرت من خلافات بين الجماعات المتعاركة على عرش السلطة إلا أنها متوافقة في حال مواجهة الدولة ضد الكورد، وهناك، لا توجد أية اختلافات بين الأحزاب الكماليزمية وجماعة فتح الله غولن وحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانصياع وتنفيذ القرارات وتتبّع مصالح الدولة.
البارزاني باشر بتعويض عوائل الضحايا
أول ما مارسته الدولة كان قطع السبل أما ردود الأفعال الغاضبة لعوائل ضحايا روبوسكي، ومحاولة إسكاتها وتجريدها من أية تأثيرات سلبية، فأبدت الدولة استعدادها لدفع التعويضات لعوائل الضحايا، وقرّرت إعطاء 123 ألف ليرة تركية لكل ضحية، وأرسلت هذه التعويضات لمحافظ ولاية شرنخ، وكانت عوائل الضحايا معدومين وفقراء، وأراد البعض منهم استلام هذه التعويضات، غير أن رئيس إقليم جنوب كوردستان مسعود البارزاني آنذاك ومنذ اليوم الأول للحادث تواصل مع عوائل الضحايا في روبوسكي عن طريق ممثّله هناك، وقال بأن التعويضات المقرّرة تقديمها من قبل الدولة، هي بمثابة الدّم مقابل المال، فقدّم هو تعويضات للعوائل لئلا تأخذ هذه العوائل هذه التعويضات من الدولة، فباءت خطّة الدولة ولعبتها بالدم الكوردي مقابل المال هذه بالفشل أيضاً، ورأى الكورد مظلوميتهم ومغدوريتهم فيما بينهم.
دعوة أردوغان للقاء عوائل روبوسكي
لم تقف ردود الأفعال الشعبية الغاضبة لمجزرة روبوسكي، ففي يوم الحادث، تم طرد قائمقام (قلبانة) من موقع الحادث، فأرسل اردوغان عقيلته (أمينة أردوغان) فكان يعلم أنه ليس بوسعه الذهاب لهناك، كما لم تتوجّه عقيلته لروبوسكي أيضاً، بل وصلت لقرية “بزهي”.
عام 2013، لم يكن أردوغان مسيطراً على الوضع الداخلي لتركيا ولم يحكم بزمام الأمور كلّياً، فكانت هناك حالة استياء داخلية كبيرة، فكان بأمسّ الحاجة لحشد القوى حوله، فرأى أردوغان وفريقه حاجتهم الماسة لتعاون واقعي، آنذاك، تمّ تقديم مساعدات واقعية كبيرة من إيمرالي لأردوغان، وكان اتفاقية لقاء عوائل ضحايا روبوسكي أحد هذه المساعدات المقدّمة من إيمرالي لأردوغان، فكان أوجلان قد قال لممثّلية الشعوب الديمقراطي لدى زيارتها له في شهر آذار، فقال لدميرتاش: لو تحدّثنا عن عملية سلام آنذاك سيكون باستطاعتكم عقد لقاء بين عوائل ضحايا روبوسكي وحزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) كمثال حيّ للسلام العام والشامل، فما أعرفه أن مجزرة روبوسكي خلقت ضغوطات كبيرة على (AKP) فالأصحّ أن يتحدّث الإنسان عن حادثة روبوسكي كجرائم مجهولة الفاعل والأحداث الدنيئة!
متى أصبحت روبوسكي “جريمة مجهولة الفاعل”؟!
بعد مرور أربعة أشهر من أقوال أوجلان هذه، دعا أردوغان عوائل ضحايا روبوسكي لمأدبة إفطار بولاية شرنخ، ومع أن العوائل لم ترد تلبية الدعوة، غير أنها لبّت دعوته إثر إلحاح وإصرار صلاح الدين دميرتاش وذهبوا للقاء أردوغان، وبهذا ومن خلال هذا اللقاء أظهر أردوغان صورة في المجتمع وكأنه داعٍ لحلّ هذه المشكلة.
فأوجلان لم يتعاون في قضية روبوسكي وحدها مع أردوغان و (AKP) بل ساعد أيضاً هاكان فيدان في قضية اغتيال (ساكينة جانسيز) عندما قال: لا أتوقّع أبداً أن يكون هاكان فيدان على علم بالحادث! ووسم المؤامرة على أنها مؤامرة أوروبية! وأظهر براءة الدولة التركية! نعم، هكذا حاول التخفيف من معاناة وحسرة الشعب الكوردي، فممّا لا شكّ فيه أن هذا فقط هو ما وقعت عليه عدسة الإعلام ونشر على المواقع الإعلامية، وأن ما حصل في الخفاء ووراء الستار بين (PKK- AKP) من تنسيقات واتفاقات بشأن روبوسكي أكبر وأعظم.
لا حاجة لهدف تمزّق الكرةُ شباك المرمى!
حادثة روبوسكي فاجعة عظيمة، وهي بمستوى من الأهمية، والكبر من الجرم، بحيث يستطاع من خلالها إدانة كبار مسؤولي الدولة التركية وقادتها أمام المحاكم الدولية بارتكابهم جرائم حرب ضد الإنسانية، فكان باستطاعة هذه الفاجعة والمجزرة دكّ قواعد وأسس الدولة التركية وهزّها، غير أن شيئاً من هذا لم يحصل! فلم تدع البكك المجال للمجزرة أن تمتلك حيزاً في الأنظمة الدولية وتتواجد على الساحات الحقوقية العالمية، وقامت بكل هذا العمل بأيدي حزب الشعوب الديمقراطي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الشيء، فقبلها أيضاً قال عضو حزب الشعوب الديمقراطي (أرطوغرول كوركجي) بأن الشعوب الديمقراطي منع عملية التحقيق والمتابعة ضد تركيا بهذا الصدد سابقاً، وتابع قائلاً: لسنا مع الهدف الذي تمزّق الكرة فيه شباك المرمى! فالهدف هو أن يبحث الإنسان عن حلول سلمية ديمقراطية، وهذا ما حدث بالضبط في روبوسكي!
لماذا لا تتمّ عملية اكتمال الأدلة؟!
إدامة خطوات غلق قضية روبوسكي أمام المحاكم وفق اتفاقية (PKK- AKP)
في قضية هامة كقضية روبوسكي والتي تابعها المئات من المحامين، من المستغرب أن يتمّ غلق القضية لعدم توفّر الأدلة بصدد القضية! ورغم تحذيرات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (AHİM) والمحكمة الدستورية المركزية (AYM) فقد تمّ فقدان الأدلة، وقد مارست المحكمة الأوروبية ضغوطات كثيرة على تركيا بشأن منعها من توفير الأدلة إلا أن عملية اكتمال الأدلة بشأن القضية لم تحدث! وليس صحيحاً أن يعدّ الإنسان هذا الوضع كخطأٍ عادي، فحتى المتحدث الرسمي لحزب الشعوب الديمقراطي وعضو MK أيهان بلغن استقال من منصب الناطق الرسمي للحزب في 28 تشرين الثاني 2018 قائلاً بأن هذا الوضع ليس محل قبول على الإطلاق.
كما لم يبدي الشعوب الديمقراطي أية ردود أفعال جدية في قبة البرلمان، فمسؤول اللجنة القانونية لحزب الشعوب الديمقراطي والبرلماني “مرال دانش بشتاش” أبدى الحادث كأي طرف آخر وكأنها حادثة فرعية لا تحمل هذه الأهمية!
وقد تسبّب مرال دانش بشتاش رئيس اللجنة القانونية للشعوب الديمقراطي في البرلمان التركي بردّ القضية من جانب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومسؤولية محاميي قضية روبوسكي كبيرة بحجم مسؤولية وجريمة فاعلي هذه المجزرة، فحتى لو بدأت القضية من إيمرالي فمن شارك في متابعة القضية وتسبّب بإغلاقها من أعضاء وقادة الشعوب الديمقراطي قد غطّوا المجرمين وأبرؤوهم!
روبوسكي ما زال الجرح الدامي
مجزرة روبوسكي تمثّل نظرة الدولة التركية للكورد، فباستطاعة هذه الفاجعة وحدها إثبات مدى اضطهاد ومظلومية الشعب الكوردي، تثبت أن اليمين واليسار التركي يقفان في طابور واحد ضد الكورد ويبديان موقفاً موحداً ضدّهم.
من جانب آخر، باستطاعة فاجعة روبوسكي الكشف عن علاقات الممثّلين السياسيين الكورد في شمال كوردستان مع الدولة التركية وبشكل واضح، فهذه الفاجعة أثبتت وبشكل قاطع أن سياسة الكورد في الشمال ينبغي أن تبنى من جديد، وأن السياسة المتواجدة حالياً في شمال كوردستان تدعم الدولة التركية وتخدمها.
كما تؤكّد هذه الفاجعة الأليمة في الوقت نفسها أن الشعب الكوردي لم ولن ينسى فاجعة روبوسكي، ورغم أن البعض يظهرون أنفسهم وكأنهم روّاد وقدوة في هذا المجال غير أن الشعب الكوردي أشد كوردستانية منهم.