سحب حزب العمال الكوردستاني قواته من تركيا خطوة تاريخية أم خيانة أخرى؟

أعلن حزب العمال الكوردستاني، يوم أمس الأحد، انسحابه الكامل من باكور كوردستان-كوردستان تركيا إلى إقليم كوردستان-باشور كوردستان، واصفًا هذه الخطوة بـ “التاريخية”، لكنّها في الحقيقة ليست خطوة لا تاريخية فحسب، بل خطوة خيانية أخرى على خطى الخيانة الراسخة في عمق هذا الحزب.
لعقود وسنوات، قدّم حزب العمال الكوردستاني نفسه كقوة مقاومة ضدّ السياسات القمعية للحكومة التركية، لكن الآن، لم يعد خبر انسحابه من الأراضي التركية سوى انكفافاً عن الشعارات المتكرّرة. الانسحاب أمام تركيا التي ما زالت أيديها ملطّخة بدماء آلاف الكورد ليس سوى استسلاماً وعاراً أمام نظام مخزٍ.
ما يسمّيه حزب العمال الكوردستاني بكك بـ “تكتيكات” هو في الواقع تراجع وانسحاب عن مُثُل ومبادئ شعب دفع أثماناً باهظة في الجبال والمدن من أجل الحرية، ففي تاريخ المقاومة والنضال من أجل الحرية، لم ينل أحد حقوقه بالانسحاب والاستسلام، هذه الخطوة لا تُشجع العدو فحسب، بل تُحدث في الوقت نفسه فجوة وفراغاً بين المؤمنين بإمكانية المقاومة.
إذا كان مقرّراً بناء مستقبل حرّ ومتساوٍ، فهذا ليس الطريق الصحيح له. فالانسحاب من الأراضي التركية هو تراجع عن الوعي التاريخي لأمة مضطهدة وقومية مقهورة، أمة قاومت تدمير ثقافتها وهويتها لسنوات وسنوات.
خضب حزب العمال الكوردستاني جبال ووديان وسهول كوردستان بدماء شباب الكورد وبناتهم باسم المقاومة على مدى سنوات وعقود، واليوم، يصف خبر انسحابه من باكور كوردستان بـ “الخطوة التأريخية والإنجاز الوطني” ويصوّرها على أنها تصبّ في مصلحة الشعب الكوردي. لكن الحقيقة هي أنه لا حزب العمال الكوردستاني ولا أي قوة أخرى قادرة على تبرير هذا الانسحاب وشرعنته، لا التكتيكات ولا السلام ولا السياسة ولا غيرها من المصطلحات والمفاهيم يمكنها وصف هذه الخطوة إلا بكلمة واحدة: ألا وهي الاستسلام.
كيف يُمكن للمرء الانسحاب من أرضٍ لا يزال كبارها وصغارها عجائزها وشبابها رجالها ونساؤها يرزحون ويصرخون تحت نير السياسة الاستعمارية؟ كيف يُمكن للإنسان أن ينسحب أو يتقهقر خطوة واحدة للوراء أمام عدوٍّ يُواصل تدمير واستئصال الثقافة والسياسة؟ هذا الانسحاب ليس قرارًا سياسيًا ولا استراتيجية عسكرية، بل هو تخلي وتنازل استراتيجي عن قضية شعب مضطهد مقهور، الانسحاب من تركيا يعني التخلّي عن ساحة معركة تدور فيها رحى حرب مستعرّة تلتهم الأخضر واليابس.
لن ينسى التاريخ هذا الانسحاب أبداً. لا يمكن لأي قوة أو معاهدة أن تمحو وصمة العار لهذا الانسحاب المخزي من جبين من اختاروا طريق الانسحاب بدلًا من الصمود والمقاومة. لذلك، لا داعي أن يحاول حزب العمال الكوردستاني قبول هذا الاستسلام من قبل الشعب الكوردي كخطوة تاريخية، فهذه الخطوة ليست سوى استسلاماً وخيانة تاريخية ووطنية.