المخاطر التركية على كوردستان سوريا… والإيرانية على إقليم كوردستان… الاستراتيجيات والحلول

التهديدات والهجمات التركية الإيرانية المتزامنة على جزءي كوردستان هي القضية الرئيسية التي يتعلّق بها مصير عموم الكورد

ولكن، يبدو جلياً أن الكورد لم يتمكّنوا لغاية اليوم من رؤية هذه القضية بشكل استراتيجي ووفق منظور مصيري، وهذا ما يذكّرنا بمقولة الحكيم الصيني (سون تزو) صاحب كتاب (فنّ الحرب) “الاستراتيجية بدون تكتيكات هي أبطأ طريق لتحقيق النصر، التكتيكات بدون استراتيجية هي الضجيج قبل الهزيمة”

والحال هذه، فالكورد ليسوا بحاجة لأية إثارة، أو استفزاز، أو أية شكاوى أو اعتراضات، أو محاربة بعضهم البعض، بل جلّ ما يهمّهم هو خلق استراتيجية وطنية هدفها الوحيد هو “كيف سنهزم سياسة الإبادة الجماعية وإنكار واحتلال الكورد وكوردستان” عدا هذا الطرح، لا ينبغي للكورد الانشغال بأية أجندات أخرى.

في الواقع، كلّ من لديه مشاعر وطنية صادقة يقترح وحدة الصف الكوردي، وممّا لا شكّ فيه، أن الإنسان لا يستطيع أن ينتظر أولئك الذين لديهم حلول أخرى مغايرة، بل يجب بناء وحدة وطنية على العزيمة والحلول.

إيران وتركيا، أعداء وحلفاء في نفس الوقت

خلال هذه الهجمات، لفّت الإعلام الكوردي الأنظار نحو غربي كوردستان-كوردستان سوريا، وأن الهجمات الإيرانية تأتي في المركز الثاني والمرتبة الثانية في هذا المجال، إلّا أن الحقيقة هي أن الهجمات تصدر من القوتين، وجرت محادثات بهذا الشأن بين إيران وتركيا وقوة عظمى أخرى في طهران تموز الماضي، وبعد القمة الثلاثية مباشرة، تمّ تنفيذ الهجوم في نفس الشهر على قرية (برخ) بمنطقة حفتنين التابعة لإدارة زاخو المستقلة، وهذه الشرارة كانت إشارة على بدء العملية، وباستطاعتكم قراءة المزيد حول الهجوم على برخ على الرابط أدناه:

الهجوم على “برخ” مؤامرة ضدّ إقليم كوردستان

قرّرت إيران وتركيا إخراج القوات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص من مناطق الشرق الأوسط، وتحالفتا حول المصير المحتوم لأولئك الكورد الذين يدعمهم قوى الغرب، وما زالت محادثات دول الاحتلال مستمرة دون انقطاع.

فالقوتين الإقليميتين (إيران وتركيا) تختبر كلّ منهما الأخرى، وتراقب الوضع بعدها، فمن ناحية هما حليفتان في عدائهما اللدود للكورد ويعارضان التواجد الأمريكي في المنطقة، ومن ناحية أخرى، تشكّك هاتان القوتان في بعضها البعض نظراً للعداء التأريخي والوجودي بينهما……… وتحاولان سرقة الأدوار والفرائس من بعضهما البعض.

فأمريكا انسحبت من أفغانستان بشكل مفاجئ، وتفاجأت أوربا بالحرب الأوكرانية، ما جعلت الجبهة المعادية لكوردستان جريئة للغاية، وقرار هاتين الدولتين الأول والأخير هو القضاء على إقليم كوردستان وتدميره، الإقليم الذي يعدّ الإنجاز الرسمي الأعظم والوحيد للكورد، والخرائط التي رسمها الاستعمار (الاحتلال) في الألفية الثانية تحول دون انبعاث الكورد، يريدون تقسيم الكورد هذه المرّة أيضاً، فالقوى الاستعمارية في الشرق الأوسط مصمّمة على توسيع حدودها في الوضع الراهن، وإذا ما لزم الأمر، فسيقومون بتنفيذ هذه الخطط، مهما كانت هوة الخلاف والشقاق بينهم عميقة.

زيارة هاكان فيدان للعراق، ومطار كركوك ومعبر أوفاكو الحدودي

مخطأ من ظن أن هدف تركيا هو كوردستان سوريا-غربي كوردستان فقط، فعلى الرغم من أن تركيا لم تستحصل الإذن لإطلاق عملية كبيرة بكوردستان سوريا-غربي كوردستان، إلّا أن لتركيا هدفان رئيسيان هنا، الهدف الأول يتجسّد في تقسيم كوباني وإقليم الجزيرة، والهدف الآخر يتمثّل في فتح خطّ من أعلى قرية عندي وري (عين دارة) بـ “ديرك” للوصول لتلعفر، أي تحقيق حلم معبر أوفاكو الحدودي، بمعنى الوصول لشنگال، ولهذا تهاجم الدولة التركية خطوط الكهرباء والبنية التحية للغاز في قريتي كوجرات وبَرَافي، وهذه هي إحدى المناطق التي يتمّ فيها تنفيذ العملية، هذه المنطقة تقع على بعد 30 كم فقط عن حقول آبار النفط في رميلان، والجدير بالذكر، هناك بعض الحقول النفطية الأخرى في المناطق التي يمرّ بها هذا الخط، وحتى لو لم تنفّذ العملية في المناطق الأخرى، فالأتراك يريدون فتح ممرّ هنا، أي أنهم يشيرون إلى اليمين ويضربون اليسار! فحتى لو لم تكن كوباني في الحسبان فهم سيحاولون التوسع والوصول لشنگال، نعم، هذا هو هدف تركيا لعام 2023، وهذا تحقيق لميثاق مللي التركي.

وبهذه الطريقة، سينفصل غربي كوردستان عن الإقليم-جنوبي كوردستان، كما ستفتح طريق مباشر إلى بغداد، وما كانت زيارة هاكان فيدان لبغداد في 13 من أيلول وافتتاح مطار كركوك قبل اكتماله إلّا جزءاً من هذا المخطّط.

أي بمعنى نحن الكورد نواجه مثل هذه الخطة الاستراتيجية بعيدة المدى، ولا يمكننا ربطها بقضية الاستثمار الانتخابي لحزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم وفشله في السياسة الداخلية، فهذا المخطّط من بنات أفكار الدولة العميقة في تركيا، وليس فقط حزب العدالة والتنمية الحاكم.

الحسابات الإيرانية

بالنسبة لإيران، فهي أشدّ تنظيماً داخل العراق من تركيا، فبدلاً من التصرّف بشكل مباشر مثل تركيا، فهناك قوى تعمل وكالة عنها باسم الحشد الشعبي وبغداد، ويمكنها التصرف في مناطق كحقل كورمور تحت غطاء هذه القوى الموالية لها، ولسوء حظ الكورد أن هناك قوى داخل الكورد كالاتحاد الوطني الكوردستاني والبكك شركاء مع إيران، وسوف نركّز على هذا الموضوع لاحقاً.

ولإيران هدفان أيضاً، فإمّا أن تنشر الجيش العراقي بشكل مباشر على حدودها مع إقليم كوردستان، أو تضع قواتها هناك مباشرة، لأن التحرّكات التركية على خطّ خواكورك وشكيف ولولان وخط برادوست على وجه الخصوص تزعج إيران، وعلى الرغم من محاولة وسائل إعلام البكك -عن عمد- خلق مفهوم خاطئ بشأن العمليات التركية على الحدود، فإن الحقيقة الوحيدة هي: “تركيا عضو في الناتو، وللناتو الحق في منح تركيا دور الدرع في مواجهة إيران، ولأن إيران تعرف هذه الحقيقة، فهي تتّخذ خطوات لإحجام تركيا وتقييدها على هذا الخطّ الحدودي، أي فهما متّفقتان على إنهاء الوجود الكوردي إدارياً وسياسياً، لكنهم مختلفون في قضية تغيير الحدود”.

وهذا يعني، أن إيران ستنفّذ عملية الجنوب بشكل تمنع تركيا وتحجمها هناك، فإذا ما نفّذت إيران عملية على إقليم كوردستان فلن يتمّ تنفيذها من السليمانية، بل ستبدأ من محيط معبر حاج عمران الحدودي، وبدءاً من خط كيلشين وهلكورد ويرده سورى ووصولاً لـ هورني، وهذا يعني عدم السماح لتركيا بالتقدم ولو خطوة واحدة على خط خنيره الحدودي مع إيران، على الجانب الآخر، ستأخذ العملية بمواجهة جبل شيخ ناصر وتُشاهد من على جسر كلاله، أي أنها ستذهب صوب خطّ سيدكان وقنديل، وستحمي قنديل، والحق أنه تمّ تسليم قمم قنديل لإيران عام 2011 وفق معاهدة لإيران مع البكك.

لا يمكن للكورد خداع أنفسهم بإيران وتركيا

بالطبع، لن تكون بإمكان دول الاحتلال هذه القيام بذلك دفعة واحدة بدون عراقيل وعقبات، فهناك أيضاً قوى ستمنعهم من ذلك، لكن ينبغي على الكورد أنفسهم أولاً أخذ زمام المبادرة والوقوف بوجه تنفيذ هذه الخطط، يجب القيام بنضال قانوني ودبلوماسي أو عسكري حتى، ولكن قبل كلّ هذا، يجب بناء الجبهة الكوردية من جديد.

ينبغي على الكورد ألّا يخدعوا أنفسهم بأن إيران أفضل من تركيا أو العكس، وخداع البكك وتلاعبها بهذا الأمر أمر خطير بالنسبة للكورد، فتركيا وإيران متحالفتان شريكتان في عدائهما للكورد، ومقولة مظلوم عبدي بأن (إيران تعارض أية عملية تركية) خطأ استراتيجي، وكذلك اعتراف بسياسة البكك. فإيران ليست صديقة للكورد، ولا تعارض أية عملية تركية ضدّ الكورد، بل جلّ ما في الأمر أنها سعيدة لأن تركيا تضغط على القوات الأمريكية في سوريا، وبالتالي إبداء حاجة الكورد إلى سوريا وإيران، فإيران قلقة فقط من توسّع تركيا في المنطقة.

في هذه اللوحة، يمكن ملاحظة أن عام 2023 سيشهد جهود الجبهة المناوئة للكورد لخنق كوردستان، آنذاك ماذا سيفعل الكورد؟ كيف سيؤثّر موقف البكك على الكورد؟ على أية أسس يمكن للكورد أن يتّحدوا؟ كيف ستكون العلاقات الاستراتيجية للكورد؟ هذه الأسئلة بحاجة إلى ردود…

وغداً: ماذا يجب على الكورد فعله؟

مقالات ذات صلة