لماذا تحاول الاستخبارات التركية صناعة أوجلان صغير من دميرتاش؟

يتمّ فتح العديد من الملفات حول العلاقات السرية بين حزب العمال الكوردستاني بكك والاستخبارات التركية (MIT) ودائماً ما حاولت وتحاول البكك إنكار كلّ ما يتعلّق بهذه الملفات واتّهام كلّ من يتحدّث عنها بالتجسّس والخيانة.

فالبكك لا تسمح إطلاقاً أن تطفو قضية علاقاتها مع الاستخبارات التركية على الساحة وتظهر للعلن، وتنكرها جملة وتفصيلاً، إلا أنه لدى مقارنة التأريخ بالمستجدّات ينكشف كلّ شيء ويصبح واضحاً للعيان، ويتّضح أن البكك عملت بأسلوب ممنهج على أدمغة وعقول عموم الشعب الكوردي في كوردستان تركيا-شمالي كوردستان، وكوادرها وأنصارها على وجه الخصوص، وأنها غسلت أدمغتهم وملأت رؤوسهم بمعلومات مغلوطة كاذبة لا أساس لها من الصحة، بحيث جعلت العديد منهم لا يصدّقون ما يرونه بأعينهم ويسمعونه بآذانهم سوى ما لقّنتهم به البكك!

فتضليل الأنصار وصلت لمرحلة أنهم لا يصدّقون حتى مقاطع الفيديو السرية لأوجلان في السجون التركية والمتداولة والتي يتحدّث فيها أوجلان بنفسه، بل ينكرونها ويزعمون أنها مقاطع مفبركة وممنتجة، وأن أوجلان لا يتحدّث هكذا، وأن هذه الفيديوهات مفبركة وممنتجة وأنها من صنع الاستخبارات التركية (MIT)!

واليوم، الشارع التركي منشغل بالحديث عمّا جرى بين رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان وصلاح الدين دميرتاش، واقتراح الأول للثاني بالحلول محلّ عبد الله أوجلان، وهذا ما صرّح به دميرتاش نفسه، ورغم إنكار البكك لكلّ ما يظهر على الساحة الكوردستانية من حالات مشابهة إلّا أنها بقيت صامتة أمام هذ الحدث، كونه حدثاً مغايراً لفظته أرفع كوادرها وقياداتها على الإطلاق! فلم يكن بمقدورها الإنكار والجحود! ومطرح السؤال هنا هو: لماذا تحاول الاستخبارات التركية أن يحلّ دميرتاش الحلول محلّ عبد الله أوجلان؟!

الإنسان بطبيعته لا يريد أن يكون له أعداء، ولو وجدوا فمن الطبيعي أنه يحبّ القضاء على أعدائه عن بكرة أبيهم، ولو كانت العداوة هذه متعلقة بالجانب الوطني والقومي فالأمر مغاير تماماً، فكلّما استطاع الإنسان القضاء على عدوّه بشكل أسرع لاستطاع تحقيق أهدافه في وقت أسرع، ولو حدث العكس، آنذاك سيعلم الجميع أنه ليس هناك أي عدوّ للإنسان وأن ما يوجد تحت لباس العداوة إنما هو تحالفات وأهداف مشتركة لا غير!

هذا وما زالت قضية كوباني تُشغِل أروقة المحكمة الجنائية العليا بأنقرة، ومن بين من يخضع للمحاكمة في القضية لغاية اليوم الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش، وكانت المحكمة قد بدأت جلسة أخرى في الأول من كانون عام 2022، واستمرت ليومين.

وكانت بعض الأدلة والوثائق التي نشرها حزب الشعوب الديمقراطي والمتعلقة بملف هذه القضية ملفتة للانتباه، فقد نشر الحزب أن دميرتاش قال في إفادته أمام المحكمة إن رئيس (MIT) التركي هاكان فيدان طلب الاجتماع بي ولقائي، وذلك عندما كانت وفود الشعوب الديمقراطي تنهال على إمرالي للقاء أوجلان، حول عملية الحلّ والسلام، لكنّني رفضت ذلك، وقال دميرتاش بأنهم يحاولون خلق هوة بينه وبين زعيم البكك عبد الله أوجلان بتقصّد ودون أن يكون له علم بأي شيء!

يقول دميرتاش: (لا يأمل أحد بأننا سنتراجع ونستسلم لهم، فقد اقترحوا أن أحلّ محلّ أوجلان، وحاولوا صنع أوجلان صغير مني، لكنني رفضت ذلك، فأوجلان أوجلان ونحن نحن، أوجلان له تأثير على سياسة الشرق الأوسط، ونحن نمثّل الشعب ولنا تأثير على الحلّ السياسي داخل البرلمان التركي).

عبارات دميرتاش هذه تُشمّ منا رائحة موت أوجلان، أو أنه في طريقه للموت، وأن الدولة العميقة في تركيا تحاول البحث عن بديل له يحلّ محلّه ويسير على نهجه في خداع الكورد وتضليلهم بيد الكورد واستمرارية خداع الكورد وتضليلهم عبر شخصية قيادية وهمية تخدم تركيا وتحقّق أهدافها، وإلّا فما الغاية من محاولة الاستخبارات التركية من صنع أوجلان ثاني أو البحث عن بديل له؟! أيا تُرى لماذا تحاول الدولة صناعة أوجلان صغير؟! أوليس أوجلان عدواً لتركيا كما تزعم البكك وتدّعي؟! فأين وجدتم دولة تتعمّد صناعة أعداء لها؟! والأغرب أنها تتكفّلهم وتعيلهم؟!! كلّا، فأمثال هؤلاء لا يُقال لهم أعداء بل هم مرتزقة مأجورون ورجال للدولة وخونة لقضيتهم ووطنهم…

مقالات ذات صلة