ما الذي ستحقّقه الانتخابات التركية في 14 أيار للكورد؟!

ستجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية في كوردستان تركيا وتركيا في 14 أيار الجاري، وهي انتخابات حاسمة وهامة لما ستحدث من تغييرات إيجابية أو سلبية هامّة لتركيا.

هل ستغيّر هذه الانتخابات شيئاً بالنسبة للكورد؟!

يبدو أن الاستراتيجية الوحيدة للبكك والكيانات السياسية الأخرى في شمالي كوردستان-كوردستان تركيا، هي القضاء على سلطة رجب طيب أردوغان والتي استمرت لأكثر من عقدين من الزمن.

فوفق بيانات حزب الشعوب الديمقراطي HDP وحزب العمال الكوردستاني PKK أنه إذا هُزم أردوغان، فإنّ الكورد سيستيقظون فجر الـ 15 من أيار في جنة تركيا! لكن الحقيقة ليست كذلك، وما تحفيز الكورد وراء شعارات كـ “سنقوم بثورة بهذه الانتخابات” سوى مرحلة أخرى من خداع الكورد واللعب بمصيرهم.

لأن اضطهاد الكورد في تركيا، وقمعهم واستغلالهم لم يبدأ بأردوغان ولن تنتهي به بالتأكيد، فكوردستان تركيا قابعة تحت الاحتلال منذ اليوم الأول لتأسيس الجمهورية التركية في 29 تشرين الأول 1923 لغاية يومنا هذا، أي أن اضطهاد الكورد لم يبدأ به أردوغان ولن ينتهي بأردوغان.

ولهذا، فتغيير الحكومة ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية أو المجالس… لن يحرّر كورد كوردستان تركيا من الظلم والاضطهاد، بل لن تحرّر نتائج أية انتخابات كورد الشمال، فمشكلة الكورد ليست مع الحكومات التركية وحدها، بل هي مرتبطة بالمنطق والأسس والمبادئ التي قامت عليها الدولة، من ناحية أخرى، ظلّت البكك تقول منذ أعوام أنه لو تمّ تغيير الحكومة الحالية فنحن الكورد سنتحرّر، لكن ينبغي على الكورد محاربة الفلسفة والمبادئ والأفكار التي تأسّست عليها الدولة الكمالية، فالحكومات ليست سوى إدارات وقتية، والبكك تحاول هنا جاهدة تضليل الكورد وخداعهم وإشغالهم بتغيير الحكومة، وتشتيت انتباههم ولفت أنظارهم عن جذور المشكلة الرئيسية المتمثّلة في القضاء على الدولة التركية الفاشية.

نعم، لا شكّ أن قوة الكورد بإمكانها أن تتعزّز في هذه الانتخابات، ويمكن للكورد المتاجرة في بازارت سياسية، ولكن لسوء الحظ، لا توجد أية هيئة أو مؤسّسة في كوردستان تركيا يمكنها القيام بذلك!

الكلّ يريد أصوات الكورد!

تحاول كافة الأحزاب والمرشّحون في تركيا منذ أشهر، جذب الناخبين الكورد والحصول على أصواتهم، نظراً للكمّ الهائل لأصوات الكورد، فأصوات الكورد ستكون حاسمة في تحديد اختيار رئيس الجمهورية وتشكيل مجلس النواب في انتخابات 14 أيار.

ولكن نتائج الانتخابات لن تلعب أي دور في نيل الكورد لحقوقهم كاللغة والهوية والثقافة أو حلّ المشكلة الكوردية في تركيا، فلا أحزاب النظام كحزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) أو المعارضة كحزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP) ولا الأحزاب الكوردية التي تقدّمت باسم الكورد والمحسوبة عليهم… أرادت تحقيق شيء للكورد.

ما هي الأحزاب المشاركة في الانتخابات من كوردستان؟!

هناك 3 أحزاب في كوردستان تركيا تشارك في انتخابات تركيا، هي (حزب الشعوب الديمقراطي HDP وحزب الحقوق والحريات-هاك-بار HAK_PAR وحزب الدعوة الحرة-هدى-بار HÜDAPAR).

” هدى-بار HÜDAPAR” حزب إسلامي، 99% من جماهيره ومؤيّديه من الكورد، إلّا أنه لا يملك أية مشاريع كوردستانية، وهو حليف حزب العدالة والتنمية الحاكم وتحت مظلة تحالف الجمهور.

“هاك-بار HAK_PAR” حزب كوردي، يدعو إلى الفدرالية للكورد كنظام حكم، لكنه لا يتمتّع بقاعدة عريضة، وتنظيماته ضعيفة، وحملته الانتخابية غاية في الضعف، ولا يتوقّع أن ييغيّر شيئاً من نتائج الانتخابات.

(حزب الشعوب الديمقراطي HDP) 99% من قاعدته الشعبية وجماهير من الكورد، يحصد غالبية الأصوات الكوردية، حصل على 67 مقعداً برلمانياً وما يقارب من 100 بلدية، وهو الحزب الذي يحظى بأكبر قدرٍ من الدعم الشعبي في كوردستان تركيا، رغم كلّ هذا يصرّ الحزب على أنه ليس حزباً كوردياً ولم يطالب بأية حقوق كوردية!

وخوفاً من قضية إغلاق الحزب، شارك الحزب في الانتخابات باسم حزب الخضر اليساري (ESP) والذي كان قد تأسّس في السابق كإجراء احترازي، ورغم مغايرة الأسماء والمسميات إلّا أنه هو نفس حزب الشعوب الديمقراطي HDP.

أيا تُرى: هل حزب الشعوب الديمقراطي هو حزب كوردي؟!

لن يحقّق حزب الشعوب الديمقراطي أية مكتسبات وإنجازات للكورد لا اثناء خوض الانتخابات ولا بعدها، كون مطالب الحزب غير متعلّقة بالقضية الكوردية أو كوردستان إطلاقاً.

فإذا نظرت إلى النقاط الـ 14 من البرنامج الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي لوجدته تطرّق لحقوق المثليين-الشواذ جنسياً- وحقوق الحيوان وحماية البيئة وصولاً إلى التمدّن، إلّا أن هذا البرنامج مرّ على القضية الكوردية مرور الكرام، فلم يتطرّق سوى للحريات العامة، والحرية ليس مفهوماً مجرّداً أو مطلباً ضمنياً غير واضح المعالم، فلا ندري هل طالب الشعوب الديمقراطي بالفدرالية أو الحق في الحكم الذاتي أو الأمن الاقتصادي؟!! كما لم تحدّد أية تعاريف للمشكلة الكوردية.

حزب الشعوب الديمقراطي يخشى من التلفّظ بـلفظة (كورد وكوردستان)!

عندما سُئلت المتحدثة باسم حزب الشعوب الديمقراطي ميرال دانيش بشتاش عن خارطة كوردستان الكبرى المرسومة على الطابع الذي صدر في إقليم كوردستان، أجابت قائلة: (البارزاني صنع هذا الختم… اسألوه!).

فحزب مذعور لهذا الحدّ من كوردستان ولم يطالب بشيء للكورد… لماذا يُنظر إليه على أنه حزب كوردي؟! الحقيقة هي أن حزب الشعوب الديمقراطي يسعى فقط للحصول على أصوات الكورد، ويتغذّى على الجسم الكوردي، ويدمّر الروح الكوردية الحرة والمطالبة بالاستقلال، ويقتلها، ويعلّق الكورد بآمال واهية.

ماذا يطالب حزب الشعوب الديمقراطي للكورد؟

يتضمّن البرنامج الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي المطالبة بالحرية وبدولة مستقلة لشعب فلسطين، ولكن لا يوجد مطلب بإقامة دولة كوردية!

كما تضمّن برنامجهم المطالبة بـ (كوتا) للمثليين، لكنّه لم يطالب بحصة للكورد في مؤسّسات الدولة، علماً أن الرئيسين المشاركين لحزب الشعوب الديمقراطي مدحت سنجار وبرفين بولدان ليسا كورديين.

فالشعوب الديمقراطي لا يمتلك برنامجاً حول حقوق الكورد القومية والوطنية والثقافية واللغة… بل ما يريده حزب الشعوب الديمقراطي هو تقييد الكورد بالدولة التركية، أي دمج الكورد وصهرهم في بوتقة تركيا.

كما أن HDP مسلوب الإرادة، فهو حزب أسّسه أوجلان والدولة التركية معاً لتحقيق أجندات خاصة، وإغلاق الأبواب أمام الجناح الوطني والقومي الكوردي المخلص، نعم، فشعبية الشعوب الديمقراطي وجماهيره كورد غير أن عقلية وذهنية إدارة الحزب تركية بجدارة وامتياز.

مسيرة الكورد من خط “الموت للاستعمار” إلى “تحيا جمهورية تركيا”

هذه ليست المرة الأولى التي يشارك الكورد في الانتخابات التركية، فمنذ تأسيس الجمهورية يصوّت الكورد وينتخبون البرلمانيين الكورد، ولكنّهم منذ 1970 يتحدّثون باسم الكورد.

ففي عام 1979، أصبح الكوردستانيون رؤساء البلديات في المدن الكوردستانية كـ (ئاگري وإيلهي) لأول مرة، لكن التغيير الرئيسي بدأ مع تأسيس HEP في 6 يونيو/ حزيران عام 1990، وفي عام 1991، وخلال التجمعات الانتخابية للكورد أطلق أمثال ليلى زانا هتافات وشعارات (تحيا كوردستان) و (الموت للاستعمار) بين الكورد، ودخل البرلمانيون الكورد البرلمان لأول مرة بخطابات كوردية.

فارتدت ليلى زانا عضو البرلمان التركي، وشاحًا باللون الأخضر والأحمر والأصفر في البرلمان التركي، وتحدثت باللغة الكوردية، موقف ليلى زانا غيّر تركيبة برلمان الأتراك.

كان حزب (HEP) حزباً أسّسه الوطنيون المخلصون من الكورد في شمالي كوردستان-كوردستان تركيا، لكنّ الحزب حوصر من قبل البكك والدولة التركية على حدّ سواء، فتمّ تهريبه فكرياً وذهنياً وجسدياً.

عام 1991، توجّه الناخبون الكورد إلى صناديق الاقتراع مردّدين شعار “عاشت كوردستان، والموت للاستعمار” وبعد مرور 30 عام، ها هو حزب الشعوب الديمقراطي HDP يرفع علم الأتراك ويتوجّه صوب التجمّعات الانتخابية، فهذا هو لب الاحتيال والخداع، تضليل وخداع وتلاعب بأفكار ومعتقدات الكورد، اليوم، الكورد بأنفسهم ينكرون وطنهم وهويتهم القومية والوطنية.

ففي هذه الانتخابات غاب أصحاب الفكر الكوردي والكوردستانيون قوائم مرشّحي حزب الشعوب الديمقراطي، وغالبية مرشحي حزب الشعوب الديمقراطي في هذه الانتخابات هم من الأتراك واليساريين الأتراك واليساريين الكورد والمدافعين عن حقوق المرأة، والأشخاص الذين يحملون فكراً أو لوناً كوردستانياً مهما قلّ تمّ استبعادهم من القائمة، نعم، فالشعوب الديمقراطي استوعب الكورد في أطره.

في مثل هذا الوضع، لا يمكننا القول إن الكورد سيستفيدون من انتخابات 14 مايو/ أيار، لأنه في هذه الانتخابات لا يوجد من يطالب بأي شيء للكورد أو يتحدّث باسمهم.

نعم، سيدلي الكورد بأصواتهم وسيحدّدون لون البرلمان التركي، لكنهم لا يطالبون بشيء لأنفسهم، وكالعادة سيخدم الكورد الجمهورية التركية ويكونوا عبيداً لها، وتبقى العبودية والذلة والخدمة من نصيب الكورد.

مقالات ذات صلة