في مساء يوم 18 أيلول/ سبتمبر، تعرّض مطار عربت في السليمانية بإقليم كوردستان لقصف عنيف، ورغم صدور العديد من التصريحات والتحليلات حول طبيعة القصف وماهية الانفجار، إلا أنه لا تزال هناك أسئلة محيّرة بلا أجوبة لغاية الآن، فلم تتمّ الإجابة بشكل كامل على سؤال ما إذا كان القصف قد تمّ من الأرض أم جوّاً، ولم تصدر أي من إيران أو تركيا ببيان حول الحادث، إلا أن وزارة الدفاع العراقية أشارت بأصابع الاتّهام إلى تركيا بشكل ضمني غير صريح.
وتبقى هناك أسئلة تحتاج إلى أجوبة، منها: من يقف وراء الهجوم؟ ولماذا تمّ استهداف المطار بالذات؟ وبالطبع يبقى السؤال الأهم: من المستهدفون في الهجوم؟
وقع الحادث في منطقة تواجد قوات مكافحة الإرهاب التابعة للاتّحاد الوطني الكوردستاني، غطّى الاتّحاد الوطني على الحادث ولم يسمح لأي شخصٍ أو أية جهّة بالاقتراب من موقع الحدث، ولم يقدّم معلومات دقيقة حول تفاصيل ملابسات الحادث.
وقد حصل موقعنا “داركا مازي” على معلومات غاية في الأهمية من مصادر محلية مطّلعة، وسنجيب على الاسئلة الآنفة الذكر.
هل يُستخدم مطار عربت للزراعة أم لصناعة المسيّرات-طائرات بدون طيار-؟
مطار عربت، بني عام 2005 لأعمال الزراعة، تمّ افتتاحه عام 2007 وأصبح جاهزاً للاستخدام، يبعد المطار عن مدينة السليمانية 50 كم، كان يستخدم للأغراض الزراعية وحالات الطوارئ وإطفاء الحرائق وما إلى ذلك.
تم تغيير تصميم المطار منذ شهر أيار/ مايو الماضي، فيتمّ استخدام المطار حاليًا من قبل قوات مكافحة الإرهاب التابعة للاتّحاد الوطني، في البداية، أجريت تدريبات ومناورات عسكرية فيه، بعدها أصبح المطار مركزًا لصناعة المسيّرات-طائرات بدون طيار- والتدريب عليها واستخدامها، ومن ضحايا حادث المطار شخص يُدعى “رابر أنور” المعروف بصناعة المسيّرات حتى الآن.
“رابر أنور” خبير في صناعة الطائرات بدون طيار، كان يشارك المسيّرات التي يصنعها على وسائل التواصل الاجتماعي، وسبق أن قال رابر أنور على مواقع التواصل الاجتماعي: “حلمي الأكبر هو صناعة طائرات بدون طيار” والد رابر أنور هو أيضًا عضو سابق في الاتحاد الوطني الكوردستاني ويعمل حاليًا مديرًا للزراعة في منطقة ماوت، حيث تخضع معظم تلك المنطقة لسيطرة حزب العمال الكوردستاني بكك.
هل صحيح أنّ من بين الضحايا عناصر من حزب العمال الكوردستاني بكك؟
لغاية الآن، لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الهجوم على المطار، ومع ذلك، وقبل تصاعد ألسنة اللهب والدخان من المطار، وجّه كبار مسؤولي الاتّحاد الوطني ووسائل الإعلام التابعة للبكك والاتحاد الوطني أصابع الاتّهام إلى الدولة التركية، هذا التصريح كان مهمّاً للغاية لمعرفة هوية الأشخاص المستهدفين في الهجوم أو الانفجار، فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة الاستهدافات التركية لعناصر البكك ومسؤوليها وقادتها ومسلّحيها في حدود محافظة السليمانية وأطرافها، فكانت إشارة الاتّحاد الوطني والبكك واتّهامها الدولة التركية بالوقوف وراء الحادث منذ البداية مؤشّر بل بمثابة اعتراف حول ذلك المكان.
أضف إلى ذلك، التغطية المتعمّدة وبالغة العناية على هوية الضحايا من قبل الاتّحاد الوطني، فبعد الانفجار توجّهت العديد من سيارات الإسعاف إلى مكان الحادث، لكنّ قوات مكافحة الإرهاب التابعة للاتّحاد الوطني لم تسمح للطواقم الطبية بالدخول إلى مكان الحادث، وتمّ إخراج المصابين، كما تمّ أخذ المفاتيح من سائقي سيارات الإسعاف وقام أفراد مكافحة الإرهاب بقيادة سيارات الإسعاف بأنفسهم.
كما أنّ أوّل ما ينبغي فعله في حوادث مشابهة هو نقل المصابين إلى مستشفى المدينة، لكنّ تمّ نقل المصابين إلى مستشفى شورش العسكري، وتمّ منع الدخول والخروج من وإلى المستشفى، بل حتّى بعض العاملين في المجال الصحي لم يستطيعوا دخول المستشفى.
وما زالت التغطية والسرية التامّة والمتعمّدة تكتنف هوية بعض ضحايا الحادث.
لعبة تغيير الأرقام… لماذا تغيّر عدد الضحايا؟
خلال الدقائق الأولى من الحادث، تمّ إخراج 6 جثث من مطار عربت، وقد وثّقت وسائل الإعلام ذلك، كما أدلت وسائل إعلام الاتّحاد الوطني أيضاً بذلك بداية الأمر، وبعد ساعة أعلنت وكالة (شاربرس-SHARPRESS) ومقرّها السليمانية أن عدد الضحايا وصل إلى 9 أشخاص، وبعد ساعتين، أفادت وسائل إعلام الاتّحاد الوطني أنّ 11 شخصًا لقوا مصرعهم وأصيب 20 آخرون، وأنّ من بين الجرحى أيضا حالات حرجة وإصابات خطيرة.
لكن، في وقت متأخر من الليلة الماضية، تمّ تحديث المعلومات حول الخسائر البشرية في الحادث، فأعلن الاتّحاد الوطني أن عدد القتلى 3 والجرحى 6! ولم يُعرف أيّ شيء عن الجثث الثمانية الأخرى التي تمّ نقلها، ومن كانوا؟
وسائل إعلام مقرّبة من لاهور جنكي تكشف هوية ضحايا الانفجار
في الساعة الأولى من الحادث، نشرت وكالة إعلام مقرّبة من لاهور جنكي، في السليمانية، أن قتلى الانفجار هم عناصر من حزب العمال الكوردستاني بكك، وأنهم يستخدمون المنطقة منذ أشهر مع قوات وهاب حلبجي في مكافحة الإرهاب التابعة للاتحاد الوطني الكوردستاني للتدريب على صناعة واستخدام الطائرات بدون طيار.
وقد وثّق موقع “داركا مازي” هذه المعلومات أيضاً من قبل بعض أعضاء حزب العمال الكوردستاني بكك والاتحاد الوطني الكوردستاني، لكن هذه المصادر طلبت عدم الكشف عن أسمائها، والحقيقة هي أن جميع المسؤولين العسكريين والسياسيين الرفيعين والمتوسطين في السليمانية يعرفون جيداً أن هذه المنطقة تستخدم كمعسكر لحزب العمال الكوردستاني.
مقارنة أخرى مثيرة للاهتمام وملفتة للنظر، وهي أن مخيم عربت للاجئين يقع على بعد بضعة كيلومترات من مكان الحادث، ويعدّ مخيم عربت الذي يأوي لاجئين نازحين من روجآفا كوردستان، أحد القواعد الرئيسية لحزب العمال الكوردستاني بكك، ويدير كوادر البكك هذا المخيّم أيضاً على غرار إدارتهم لمخيّم مخمور، وقد أنشأوا فيه إدارتهم الخاصة، ويتمّ تقديم الدورات التربوية والعسكرية فيه للمسلّحين الجدد في رفوف مسلّحي الحزب، ويقيم الجنود الجرحى والمرضى في هذا المخيم بهويات اللاجئين، كما يتمّ إرسال كوادر البكك من باكور كوردستان-كوردستان تركيا وروجآفا كوردستان-كوردستان سوريا إلى دهوك-وزاخو… إلخ ببطاقات هوية اللاجئين المدنيين للمخيّم، باختصار، باتت منطقة عربت بشكل عام إحدى القواعد والمعاقل الرئيسية للبكك.
تواجد البكك وتحرّكاتها… والمواقف والأدوار المظلمة للاتّحاد الوطني تجرّ السليمانية إلى نفق مظلم…
أدلى رئيس الاتّحاد الوطني الكوردستاني المثير للجدل والشبهات، بافيل طالباني، أمس، بتصريح حادّ شديد اللهجة، قال فيه: “ندين الهجوم على مطار عربت الزراعي” علماً، أنّه يتمّ استخدام هذا المطار لأغراض ليست مدنية وغير قانونية ودون علم وموافقة سلطات إقليم كوردستان، ونتيجة هذه الانتهاكات والممارسات غير القانونية والوضع غير القانوني، لم تصبح عربت السليمانية وحدها هدفاً بل يتدهور أوضاع الناس وأحوالهم نحو الأسوأ بشكل متزايد يوماً بعد يوم.
يدير بافيل طالباني الاتّحاد الوطني الكوردستاني كمنظمة مافياوية، كما أغرق مدينة السليمانية في ظلّ شبكة اتصالات مافياوية، كما أن حزب العمال الكوردستاني بكك أيضاً مدرج على لوائح الإرهاب الدولية، لهذا السبب، لا يدعم أي كيان أو دولة، حزب العمال الكوردستاني بكك، وعلى وجه الخصوص تلك الدول التي تستخدم البكك كوكيل ومقاول وعميل.
فمنذ دخول الحرب المصطنعة والشكلية والمشتركة بين البكك والدولة التركية لحدود السليمانية أصبح أهالي السليمانية ضحايا لحروب وصراعات مجهولة الأهداف، وفيما يتعلّق بهذه القضية قال مسؤول سابق في الاتّحاد الوطني الكوردستاني: “الاتّحاد الوطني الكوردستاني فاشل، وكذلك حزب العمال الكوردستاني بكك أيضاً فاشل وتائه، ومن المؤكّد أن اتّحاد حركتين فاشلتين لن يؤدي إلا إلى الفشل” فأهالي السليمانية وشعبها لا يستحقون هذا، ولا ينبغي أن يعاني أهلها من هذا الظلم والاضطهاد والجور.