مرّت 12 عشر عاماً على اغتيال الشخصية الوطنية الكوردستانية، وصاحب القيم ومبادئ الكوردايتي (مشعل تمو) والذي اغتيل في تشرين الأول عام 2011.
اغتيال مشعل تمو لم تكن جريمة قتل عادية، بل كانت حلقة هامة ضمن المؤامرة الإقليمية للجبهة المعادية للكورد في الشرق الأوسط، تلك الجبهة التي ما زالت قائمة على إنكار الكورد وكوردستان وكلّ ما هو كوردي.
مشعل تمو… في خانة العداء المشترك لنظام الأسد والبكك
مشعل تمو، شخصية كاريزمية، في مواقفه ونضاله، لعب دوراً بارزاً وهامّاً في المسيرة التحرّرية لكوردستان سوريا-روجآفا كوردستان، من أسمى خصائصه الكاريزمية الجذّابة تنظيم الشبيبة واستقطابهم بكوردستان سوريا، هذه الشخصية الريادية والمستقطبة كانت السبب الرئيسي وراء اغتياله، كما ساهم نضاله الدؤوب من أجل قضيته الكوردية، في إدراجه ضمن قائمة المستهدفين الرئيسيين للدولة السورية منذ عام 1988، فأقيل من وظيفته ومنع من مزاولة أية مهنة رسمية.
في الجانب الآخر، هدّد حزب العمال الكوردستاني البكك، مشعل تمو عام 1995 في القامشلو بالقتل، بحجة أن تمو كان إصلاحياً، وأن أمثال هؤلاء لا يطالبون بكوردستان مستقلة، وإنّما يطالبون بحكم ذاتي، وأنهم عقبة أمام تأسيس كوردستان الكبرى… حاربت البكك تمو وهدّدته بالقتل، فيا تُرى من هو مشعل تمو الذي هدّدته كلّ من البكك والدولة السورية؟
من هو مشعل تمو؟
ولد المناضل مشعل تمو عام 1957 في قرية (الجنازة) التابعة لدربيسية، عام 1972 انتظم في صفوف حزب الاتحاد الشعبي الكوردي (المحظور) وتخرّج من كلية هندسة الزراعة بحلب عام 1980، عام 1988 فصل من وظيفته في مديرية الزراعة بقامشلو بسبب نضاله السياسي.
لم ينأى تمو عن مسيرته النضالية، وأدام نضاله السياسي في قامشلو في الأوساط المثقّفة، وبالأخص بعد التطورات التي شهدتها الساحة الكوردستانية في إقليم كوردستان عقب الانتفاضة المباركة عام 1991، عزّز تمو من علاقاته مع إقليم كوردستان، وتوقّع أن تلقي هذه التطورات بظلالها على الساحة السورية برمّتها، وفي وقت كهذا وبالتحديد عام 1996، وجّهت البكك تهديداً آخر لتمو بالقتل!
عمل تمو بين قيادات حزب الاتحاد الشعبي الكوردي في سوريا (المحظور) لأكثر من عشرين عاماً، وعندما أحسّ بانصهار الكورد في سوريا قرّر رفع وتيرة نضاله السياسي والثقافي، وشارك في المؤسّسات المدنية المناوئة لنظام الأسد، في كانون 2000 أسّس أكاديمية جلادت بدرخان للغة والأدب الكوردي، ونشر من خلالها العديد من القصص الأدبية والمقالات السياسية.
البكك تتّهم حزب تمو بالخيانة
عام 2005، جدّد تمو نضاله السياسي بتأسيس تيار المستقبل الكوردي في سوريا، ما أثار حفيظة البكك لتقوم باتّهامه ورفاقه في الحركة الجديدة بالخيانة.
عام 2008، اعتقل تمو على الطريق بين حلب وكوباني من قبل أزلام النظام، تعرّض لصنوف التعذيب في سجون دمشق، وقال كلمته الشهيرة أمام قاضي المحكمة: (تتّهمون كلّ من يطالب بالديمقراطية في سوريا بالخيانة) فحكمت المحكمة عليه بالسجن لثلاثة أعوام ونصف، ومن سجنه دعا حركته للانخراط في انتفاضة الشعوب وثورتها، ولم يُفرج عنه إلا لغاية 2011 بعفو عام لتخفيف وطأة حركة الاحتجاجات الشعبية العنيفة وبالأخص في مدن كوردستان سوريا.
البكك ونظام الأسد ينظران لتمو نظرة عداء مشتركة
بعد الافراج عنه، قاد تمو الانتفاضة الشعبية، وانخرط في صفوف المعارضة السورية، تعرّض لعملية اغتيال فاشلة عام 2011، قبل أن يغتاله مسلّحون في الـ 7 من تشرين الأول نفس العام.
شارك عشرات الآلاف في تشييع جثمانه الطاهر، تعرّض موكب تشييعه لإطلاق نار من قبل السلطات السورية ما أسفر عن سقوط العشرات جرحى.
التزمت البكك الصمت حيال الاحتجاجات المندّدة باغتيال تمو، وسط مشاركة دولية محدودة.
ولكن الموقف تجاه تمو لكلّ من البكك والنظام السوري كان موقفاً واحداً، فكلاهما كان ينظران لتمو بنظرة العدو المشترك.
معاهدة الـ (بكك-نظام الأسد) المناوئة للكورد عام 1985
العمال الكوردستاني (بكك) والذي تمركز في سوريا ولبنان منذ عام 1980، أعلنت هذا الواقع عام 1986 للعلن وفي أعلى مستوياته، حينما صرّح شقيق حافظ الأسد (جميل الأسد) بأنهم سيسمحون لتنظيمات البكك وقادتها بالعمل للحؤول دون توجّه شباب الكورد في سوريا نحو أية حركات أخرى، وكان أساس هذه المعاهدة تجريد كوردستان سوريا (روجآفا كوردستان) من كوردستانيته، وإنكار هذا الجزء من كوردستان في حدود الدولة السورية، وفي الوقت نفسه ألّا يُسمح بأية معارضة للأسد هناك.
وافقت البكك على هذه الشروط، وهي ما زالت ملتزمة بالعهد الذي قطعته على نفسها أمام الأسد، ولم تعترف لغاية اليوم بوجود جزء من كوردستان في سوريا ولم تسمّه باسمه! وفي تسعينيات القرن المنصرم كانوا يقولون لشبيبة روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا (توجّهوا نحو الوطن) في إشارة إلى باكور كوردستان-كوردستان تركيا، فوفق معاهدة البكك-الأسد أن روجآفا كوردستان ليس جزءاً من كوردستان، وهي ما زالت تسمّي هذا الجزء من كوردستان بـ (شمال وشرق سوريا) كما تقول تركيا عن كوردستان تركيا (شرق وجنوب شرق البلاد) فتمارس البكك أيضاً نفس السياسة الاستعمارية، فتقول (شمال وشرق سوريا) فوفق مفهوم البكك أنها لو قالت (كوردستان سوريا أو روجآفا كوردستان) فإن الدولة ستعاملهم كانفصاليين، والجدير ذكره أن البكك تصرّح علناً أنها تقف ضدّ تقسيم الدول المحتلّة لكوردستان وترفض إزالة الحدود المصطنعة لهذه الدول!
ألقى الوضع المستحدث في إقليم كوردستان بعد عام 1992 من تأسيس البرلمان وتشكيل الحكومة بظلاله على روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، لم تغب العلاقات السياسية والثقافية والتراثية بين الإقليم وروجآفا يوماً ما، توجّهت أنظار الشعب نحو الإقليم لما شهده من تطوّر وازدهار، أقيمت تظاهرات في كبرى المدن، وقف النظام السوري في وجه نسيم الحرية من اجتياز الحدود والعبور لروجآفا كوردستان، فقدّم النظام دعماً لا محدوداً للبكك في محاربة ثورة الإقليم، مدّدها بالسلاح كما موضعتها على الخط النهري الفاصل بين الإقليم وسوريا على ضفاف دجلة.
البكك تهاجم المعارضة الكوردية في روجآفا كوردستان منذ التسعينيات
في مدن كوردستان سوريا، صعّدت البكك من وتيرة عداوتها وهجماتها ضدّ الأحزاب الكوردية الداعمة لإقليم كوردستان، فاغتالت الشخصيات الوطنية السياسية في مدن كـ عامودا والقامشلو، آنذاك، اتّهمت البكك تلك الأحزاب والحركات بالخيانة بحجة أنها لا تناضل من أجل استقلال كوردستان، واليوم غيّرت موقفها 180 درجة حيث تتّهمها بمحاولة المساس بوحدة الأراضي السورية، وأنها تطالب بكوردستان مستقلّة، وأنها تدعو لتأسيس إسرائيل ثانية! ولهذا تعادي المعارضة في روجآفا كوردستان، وكان لأمثال (مشعل تمو) نصيبهم من هذه التهديدات الشفهية، باختصار، أصبحت البكك أداة للقضاء على المعارضة الكوردية السورية وتحقيق مصالح النظام.
فما يتعرّض له المجلس الوطني الكوردي في سوريا (ENKS) ومكوناته، اليوم، من هجمات واعتداءات، ليس نتاج اليوم، بل له جذور تأريخية تعود لنهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، قضت الدولة السورية على كبار الشخصيات الكوردستانية الوطنية المخلصة، وأورثت البكك مسيرتهم الوطنية! تمّ تنفيذ هذا المشروع التخريبي في كوردستان سوريا من قبل البكك ونظام الأسد على حدّ سواء.
قبل شهر من اغتيال مشعل تمو، كان قدّ اتّهم بالخيانة من قبل البكك، وكان صالح مسلم قد صرّح خلال حوار له مع وكالة فرات للأنباء (ANF) عام 2011، أنه تمّ تشكيل هيئة مكونة من 94 شخصية من أجل حلّ الدولة السورية… وذكر أنه من بينهم (خونة) كورد أيضاً، فمسلم عدّ تمو رائداً لجبهة الخونة المدعومين من الغرب، وبعد اغتيال تمو ظهر مسلم في تصريح صحفي موجّهاً أصابع الاتهام للدولة التركية ومبرّءاً ساحة النظام، في محاولة منه للتستّر على قتلة مشعل تمو.
وممّا لا شكّ فيه أن مشعل تمو اغتيل وفق مؤامرة مشتركة للبكك والدولة السورية، فالقاتل هما هذان الطرفان لا غير.
البكك والدولة السورية شريكان في اغتيال مشعل تمو
فلو أردتم البحث عن الحقيقة، فهي باختصار، وجود أمثال القادة الوطنيين مشعل تمو وبهزاد دورسن… الذين اغتيلوا على يد البكك، لدى وجودهم على الساحة السياسية لم يكن لأشخاص كـ صالح مسلم… أي اعتبار أو وجود أو دور ريادي في كوردستان سوريا، فاغتيل القادة الحقيقيين، وتمّت صناعة أمثال صالح مسلم من قبل النظام والبكك ليعوّضوا هؤلاء القادة الوطنيين وينوبوا عنهم في التحكّم بزمام الأمور!
فعند متابعة عموم هذه الأحداث يتّضح أن الدولة السورية والبكك شريكان في اغتيال مشعل تمو، وأن الطرفين تحالفا من أجل القضاء على الأحزاب والرموز الوطنية من أجل بقاء نظام الأسد، وأن هذين الشريكين (البكك ونظام الأسد) ارتكبا سلسلة طويلة من الجرائم والاغتيالات…
ضياع المسيرة السياسية لـ (مشعل تمو)
ألقت متغيّرات عديدة بظلالها على الأوضاع بعد اغتيال تمو، لم يتمّ الحفاظ على مواقفه السياسية لا من جانب عائلته ولا من جانب الحركة السياسية القائمة هناك، ضاعت مسيرته بين المعارضة التركية والسورية وأصبحت فارغة، بات ينظر إليه كرمز وطني، والحق أن تمو لم يناضل ضدّ النظام السوري فحسب، بل كان نبراساً ومشعلاً لنشر الثقافة وتنظيم البيت الكوردي، فهو من وضع اللبنة الأولى للواقع الكوردي بين المعارضة السورية…
انهار خط مشعل تمو المبدئي والكوردستاني وراء الزيف والخداع الممنهج للدولة التركية.
مشعل تمو، كان مثقّفاً كوردياً، وزعيماً سياسياً، ورائداً ثورياً، ينبغي الحفاظ على مسيرته وخطه الوطني، تعرّضت شخصيته الوطنية ومسيرته السياسية لهجمات مثلث البكك وسوريا وتركيا، وارتكب هذا الجرم السياسي في هذا المثلث المظلم…