الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) حركة سياسية تركت بصماتها على تاريخ الـ 150 عاماً مضت في الشرق الأوسط، إن الأعوام المئة والخمسين الماضية من مسيرة البارزانيين في المقاومة والنضال، كانت وفق تطلّعات العصر، من التعاون والإجماع الوطني، وعلى الرغم من تأثير الحزب الديمقراطي الكوردستاني على توازنات الشرق الأوسط، فإن نموذجه وديناميكيات التغيير ونظام العلاقات-الصراع لم يتم فهمه بشكل كافٍ، ولم يتمكن الكورد من معرفة وتعريف القوة التي غيّرت تأريخ كوردستان بشكل جذري، أي الديمقراطي الكوردستاني، بشكلٍ جيد.
ففي السنوات الأخيرة، تتمّ ممارسة سياسة الحصار والإقصاء والتهميش ضدّ الديمقراطي الكوردستاني، ونتيجة عدم فهم واستيعاب الدور التأريخي للديمقراطي الكوردستاني الذي أسلفناه، بما فيه الكفاية، يتمّ التطرق فقط إلى الجزء الحالي من هذا الحصار، لكن الحقيقة هي أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني مزّق الكفن المنسوج للكورد في الشرق الأوسط، ويمكننا أن نفسر أسباب العداء للديمقراطي الكوردستاني تحت عنوانين رئيسيين:
1: عودة البارزاني الخالد وانهيار نظام لوزان
حمل النصف الأول من القرن العشرين عواقب مأساوية كارثية للغاية للكورد، فلوزان وما تبعتها من معاهدات، دفنت كوردستان، الدول الاستعمارية راضية جدًا عن هذا الوضع، والدول الغربية أرباب لوزان سعداء أيضاً بالمعاهدة التي أبرموها، وتسير لوزان وأخواتها من معاهدات تعسّفية بشكل سلس.
هنا تبدأ العملية التي غيّرت مجرى التاريخ، اشتعلت الشرارة التي أحرقت حدود لوزان، عاد الملا مصطفى البارزاني إلى كوردستان والعراق بعد الانقلاب الذي نفّذه الجنرال عبد الكريم قاسم في 14 تموز/ يوليو 1958، أثبت البارزاني الوجود الكوردي على طاولة المفاوضات، أثارت عودة البارزاني الخالد مخاوف أرباب لوزان وانزعاجهم، وعلى وجه الخصوص بريطانيا، فهذه العودة كانت بمثابة نهضة وانبعاث للكورد ليس في إقليم كوردستان فحسب، بل في عموم أجزاء كوردستان، حيث تأثرت السياسة التي بدأت في الستينيات في باكور كوردستان-كوردستان تركيا وروجآفا كوردستان-كوردستان سوريا بنهج البارزاني الخالد ومسيرته.
وحقيقة النقطة التاريخية واضحة: فمنذ منتصف القرن العشرين، قامت الحركة السياسية الكوردية في كافة أجزاء كوردستان الأربعة على أساس حركة البارزاني، وأصبح الديمقراطي الكوردستاني كحزب النواة الأساسية للنظام الحزبي الكوردستاني، وعلى الرغم من نفي وإنكار بعض الأطراف الكوردستانية، فإن الديمقراطي الكوردستاني ككيان سياسي له مكانة مهمة في عمق كل حزب كوردستاني، وإن الحرب ضدّ الديمقراطي الكوردستاني هي في صميمها حرب ضدّ الوجود والهوية السياسية للكورد.
إن التغيير الذي طرأ في تاريخ كوردستان بسبب عودة البارزاني الخالد، حال دون مكائد أربع دول وبعض الدول والكيانات الغربية، كسرت لعنة إنكار الكورد، القدرة على تغيير المشهد التأريخي بقرار الديمقراطي الكوردستاني الحاسم أربكت المعادلات السياسية لكبرى الدول الاستعمارية وكذلك الدول المحتلّة واقعياً لكوردستان (تركيا إيران العراق) ولولا وجود الديمقراطي الكوردستاني، لكانت مشاريع لوزان قد تم تنفيذها خطوة بخطوة، ولهذا السبب تزايد أعداد أعداء الديمقراطي الكوردستاني.
2: جمع القوة الكوردية وممارسات حكومة إقليم كوردستان
إن النضال المستمر والراسخ للديمقراطي الكوردستاني في القرن العشرين جعل الكورد كياناً شرعياً دستورياً دوليًا منذ 1992، وتسببت ثورتي أيلول وگولان وتشكيل حكومة إقليم كوردستان في انهيار وفشل معاهدة لوزان المناهضة والمضطهدة للكورد، نعم، تلقّت لوزان ضربة قاصمة من خلال وجود حكومة كوردستان، ولم تتمكّن الجبهة المعادية للكورد من استيعاب وهضم هذه التطوّرات.
أضاف الديمقراطي الكوردستاني وحركة البارزاني ميّزة إلى التاريخ والمصير الكوردي كحكومة كوردستان الفيدرالية، يوجد في صميم الحكومة الكوردستانية نضال البارزاني ومسيرة الديمقراطي الكوردستاني، وهذه حقيقة تاريخية غير قابلة للتغيير والإنكار، فكما أن كلّ أمّة تُبنى على أساس المقاومة التاريخية في عملية بنائها، فكذلك نشأ البارزاني وتأسّس الديمقراطي الكوردستاني على المسيرة السياسية والمبادئ والقيم الكوردستانية.
غيّرت شرعية الكورد التي تولّدت بفضل الديمقراطي الكوردستاني، المصير الإقليمي للهوية الكوردية، ومن وراء هذا الإنجاز العظيم الذي حقّقه الديمقراطي الكوردستاني اكتسب الكورد هوية سياسية وعسكرية واقتصادية أيضاً، لذا بإمكاننا الجزم أن أي هجوم يستهدف الديمقراطي الكوردستاني هو هجوم يستهدف كيان إقليم كوردستان في الصميم، لذا فلو تابعنا الحروب الداخلية والخارجية، النفسية والجسدية، لوجدناها محاولة عدوانية استهدفت صميم كيان إقليم كوردستان، أي أن المشكلة ليست الديمقراطي الكوردستاني بل المشكلة هي استهداف منظومة القيم التي تحقّقت حول الديمقراطي الكوردستاني.
ما الحقيقة وراء الهجمات الاقتصادية؟
أدّى التكامل الاقتصادي وتعزيز السلطة في إقليم كردستان على وجه الخصوص، إلى تحقيق الكثير من التقدم والازدهار للكورد، فالكورد لم يستفيدوا من قبل من الدورات الاقتصادية على أراضيهم، وكان هذا أحد أهمّ الأسباب في عدم تطوير الحركة الوطنية للكورد، كسر إقليم كوردستان هذه اللعنة أيضاً، واليوم، لا يقوم الكورد بإدارة مدنهم فحسب، بل باتوا يتعاونون اقتصادياً أيضاً فضلاً عن جذب كبرى الشركات الاقتصادية العالمية إلى كوردستان، والمعادل السياسي لهذا الإنجاز الاقتصادي هو الحقّ في الحكم الذاتي، فالنظير الدبلوماسي شريك، وتقاسم السياسة يعني تكافؤ القوى، وإقليم كوردستان شريك للدول، فعلى الرغم من تسميتها حكومة فيدرالية إلّا أنها تعمل بشكل فعّال ومؤثّر كدولة.
منذ فترة طويلة، يتعرّض اقتصاد إقليم كوردستان للهجوم، الهدف من هذه الهجمات هو استبعاد الكورد من وضع الشركاء وجعلهم عبيدًا مرة أخرى، وهذا اعتداء سافر على حق تقرير المصير.
إن الضغوط التي تمارسها بغداد على أربيل فيما يتعلق بالرواتب والموازنة وما إلى ذلك هي الأكثر وضوحاً، لكن هناك بالفعل قوى هجومية كبرى، كما أن التدليس الإعلامي لبعض اللوبيات الأمريكية التي تستهدف عائلة البارزاني بشكل مباشر يرتبط أيضًا بهذا الهجوم الاقتصادي، فبدلاً من تسليط العدسات على رئيس وزرائهم وقادتهم، يسلّطونها على كوردستان، بالطبع هذا قمة الحقد والكراهية، إن سياسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تكديس الاقتصاد باسم الكورد أغاضت معارضي الكورد لدرجة أن صحيفة “دوفار” التركية اليسارية نشرت تقريراً مفصّلاً عن سعر سترة-بدلة رئيس الوزراء مسرور بارزاني! لكن… خرجت هذه العملية المفاهيمية فارغة كسابقاتها…
لا يطيقهم رؤية الكورد أغنياء يعيشون! فالجميع، حتى أولئك الذين يقولون إنهم يحبون الكورد، يريدون دوماً أن يكون الكورد جياعًا عراة مرعوبين، يُنشر صور الأشخاص الذين ماتوا جوعاً على الحدود بعد فرارهم من مجازر ومذابح صدام عام 1991، لا يريدون عمران كوردستان، لا يرون الكورد يستحقون أبراج أربيل الشاهقة والسيارات الفاخرة والماركات العالمية، يحلو لهم رؤية الكورد منبوذين مشرّدين من أوطانهم، ولمّا كان الديمقراطي الكوردستاني السبب وراء ثراء الكورد وغناهم… هاجموه بشراسة…
فلو لم يُنظر للهجمات الأخيرة على الديمقراطي الكوردستاني من هذا المنظور، فمن الممكن أن يُنظر إليها كصراع بين الأحزاب، لكن الحقيقة هي أن الخلافات حول الديمقراطي الكوردستاني تتعلق بالدور التاريخي له، فالهجمات على الديمقراطي الكوردستاني هي في الأساس هجوم على مسؤولية كوردستان في ضمان مستقبل حرّ ومستقل.
ينبغي التصدّي لهذه الهجمات والحصار المفروض على الديمقراطي الكوردستاني أياً كان مصدرها، سواء من البكك-الاتّحاد الوطني أو من قادة العراق أو لوبيات بعض الدول كبريطانيا وأمريكا، ومحاولة كسر هذا الحصار، فالموقف الوطني الحقيقي، والموقف الكوردستاني الأصيل هو الوقوف بوجه الهجمات المستهدفة للديمقراطي الكوردستاني.