يصادف اليوم الثلاثاء 2024/3/5، الذكرى الثالثة والثلاثين لانطلاق انتفاضة جماهير كوردستان في مارس/ آذار من العام 1991، ضدّ الدكتاتورية والاستبداد، والتي جسّدت قمة التلاحم بين كل أبناء شعب كوردستان، وكانت بحقّ حدثاً تاريخياً ومنعطفاً كبيراً، أحدث تغييرات جوهرية كبيرة على الصعيد القومي والوطني، ولأول مرة تحرّر كل إقليم كوردستان، بضمنه مدينة كركوك.
انطلقت شرارة هذه الانتفاضة الجماهيرية الشاملة في الـ 5 من مارس/ آذار من العام 1991 من مدينة رانيه التابعة لمحافظة السليمانية والتي سمّيت منذ ذلك الحين بـ (بوابة الانتفاضة) وتحرّرت المدينة وكل المناطق التابعة لها، لتتوسع مساحة الانتفاضة وتتدحرج ككرة الثلج التي تكبر شيئاً فشيئاُ لتصل إلى مدينة السليمانية في الـ 7 من مارس/ آذار، حيث انتفضت هذه المدينة بالكامل وخرج أبنائها شيباً وشباباً والنساء قبل الرجال، وتمكن أبناؤها من السيطرة على كل الدوائر والمؤسّسات الحكومية في مقدمتها الأمنية التي هرب من تمكّن من منتسبيها وقضى من لم يتمكن من الفرار، بعد أن انهارت تلك المؤسّسات أمام الموجة الجماهيرية العارمة، لتتحرّر مدينة السليمانية بالكامل في الـ 8 من مارس/آذار.
كما تحرّرت مدن حلبجة وجمجمال وعربت وبقية المناطق القريبة من هذه المدن والطرق الرئيسية بين السليمانية وكركوك وبعقوبة.
وفي التاسع من مارس / آذار تحرّرت كويسنجق وشقلاوه وكفري، وخلال أيام الانتفاضة هذه ارتقى الكثير من الشهداء في صفوف الجماهير، إثر مقاومة أفراد المؤسّسات الأمنية وبعض القطع العسكرية التي حاول النظام تعزيزها للتصدي للجماهير المنتفضة.
وفي العاشر من مارس/ آذار تحرّرت مناطق أخرى قرب أربيل منها مصيف صلاح الدين وطق طق وراوندوز وحرير وحاج عمران وميركسور والعديد من المناطق الأخرى التابعة لمحافظة أربيل، لتنتفض مدينة أربيل في الـ 11 من الشهر ويقوم أبنائها بالزحف على المؤسّسات الأمنية القمعية في المدينة والاستيلاء عليها كما تمّ الاستيلاء على مقرّ الفيلق الخامس للجيش العراقي جنوب المدينة، بالإضافة إلى تحرير كل المجمعات والأقضية والنواحي التابعة لأربيل على يد الجماهير وقوات البيشمركة.
وفي الـ 12 من مارس/ آذار تحرّرت أقضية جلولاء ومخمور وئاكري-عقرة وخانقين وشيخان.
وفي اليوم التالي تمّ تحرير قضاء زاخو، لينتفض جماهير مدينة دهوك في اليوم التالي الـ 14 من مارس/ آذار وحرّروا مدينتهم خلال أقل من يوم، قبل أن تتحرّر كل الأقضية والنواحي التابعة لها، وباستثناء المؤسّسات الأمنية استسلمت معظم المعسكرات والقواعد العسكرية للجماهير من دون مقاومة.
ثم واصل أبناء الانتفاضة تقدمهم بخطى متسارعة على طريق النصر والتحرير ليتوجوا سلسلة الانتصارات التي تحقّقت بتحرير مدينة كركوك مع حلول عيد نوروز القومي في الـ 21 من مارس/ آذار1991، لينهوا بذلك المرحلة الأخيرة من هذا السفر البطولي الخالد الذي توج بالنصر المبين وتحقيق كل الأهداف السامية التي انطلقت من أجلها الانتفاضة وهي تحرير كوردستان العراق بالكامل.
وقد قدمت الجماهير وبيشمركة كوردستان المئات من الشهداء خلال عمليات تحرير المدن والبلدات الكوردستانية، والذين رووا بدمائهم الزكية الطاهرة أرض وطنهم كوردستان.
وبعد نجاح انتفاضة شعب كوردستان تولّت الجبهة الكوردستانية إدارة كوردستان المحرّرة، ليتم لاحقاً في الـ 19 من مايو/ أيار 1992، انتخاب برلمان كوردستان، ليمثل كل مكونات المجتمع وفعالياته السياسية والثقافية، وليمنح الثقة لأول حكومة كوردستانية وطنية في التاريخ المعاصر لحركة التحرّر الوطني الكوردي منذ إسقاط جمهورية كوردستان، بروجهلات كوردستان (كوردستان إيران) عام 1946.
ولا تزال روح انتفاضة آذار حية في قلوب الكوردستانيين، رافضة أي شكل من أشكال الظلم والاستبداد، ومؤكّدة على استحالة رضوخ الكوردستانيين لغير إرادتهم الحرة.