أدلى عضو اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكوردستاني بكك وقائد القيادة المركزية لقوات الدفاع الشعبي HPG، مراد قره يلان، ببيان حول آخر تطورات القتال والمعارك الدائرة بين البكك والدولة التركية، وحسب زعم قره يلان أن حزب العمال الكوردستاني بكك دمّر الجيش التركي وهزمه شرّ هزيمة! وأن الجيش التركي لا يستطيع التقدم ولو خطوة واحدة أمام قوة الگريلا، وأنه عالق! وبالفعل، أصبح الجيش التركي عالقاً لدرجة أنه اضطر إلى طلب المساعدة من الحزب الديمقراطي الكوردستاني! وأن البكك أباد الجيش التركي في قرية “سيدا” التي تبعد 6-7 كيلومترات عن شيلادزي!
كما أكّد قره يلان خلال حديثه أنه لا توجد أية نقاط وقواعد للجيش التركي شرقي الزاب، وعلى العكس من ذلك، فقد ذكر أسماء العديد من النقاط شرقي الزاب، كما وصف حالة الحرب بعشرات الأسماء مثل تلة جودي وتلة آميدي…
عندما يسمع الإنسان هذا يتعجب ويستغرب ويظن: “كأنّني سمعت هذا الكلام من قبل؟!” فيا تُرى هل نعاني نحن من ظاهرة (ديجا فو- وهم سبق الرؤية)؟!
ما هو (ديجا فو) (بالإنجليزية: Deja Vu)؟ تُعدّ ظاهرة ديجا فو ظاهرة نفسية بديهية أو حدسية شائعة تحدث لكثير منا، وهي عبارة عن شعور يتولد لدى الفرد بتكرار حدوث موقف أو مشهد ما، بالرغم من أنه لم يسبق وقد حدث فعلاً، وهي كلمة فرنسية ترجمت إلى التركية وتعني (شوهد من قبل-شُعر بع سابقاً) والتفسير العلمي الأكثر دقة لهذه الظاهرة ربما يرجع إلى شذوذ الذاكرة حينما تعطي مشاعر خاطئة تقول للمخ بأننا عشنا هذا الموقف من قبل لكنّنا لا نستطيع تذكر تفاصيل الموقف السابق (أين، متى، كيف).
عندما ظهر قره يلان على شاشة (Stêrk TV) في الثاني من تشرين الثاني الماضي (2023/11/2) وقال إن النصر سيتحقّق في سيدا، قلت حقّاً: “لقد سمعت هذا من قبل” لكن هذه لم تكن من قبيل ظاهرة ديجا فو وتلاعب أدمغتنا بنا، بل حقّاً كان هناك حدثان متشابهان، كما كان هناك قره يلان اثنان.
قره يلان الأول في شمزينان يقول: لم يبق هذا الجانب أو ذاك الجانب من الحدود
في الـ 2 من آب/ أغسطس 2012، أي قبل 11 عاماً و3 أشهر، قال قره يلان: “لذلك، لو قصفتم شعبنا على طرفي الحدود آنذاك ستعبر الگريلا الحدود وتتقدّم نحوكم، باتت الگريلا تسيطر على 35 كم داخل الحدود حول شمزينان. لهذا السبب أقول إن هذا الجانب من الحدود وخارج الحدود أصبح قصة. انتشرت قوات الگريلا في محيط شمزينان. باءت تحركات-تدخلات الجيش التركي في الجانب الآخر لطرد الگريلا بالفشل. هذا هو الوضع. جبل گومان الذي كثر الحديث عنه، وهي التلة المطلة على مدينة شمزينان، أي أنه يبعد عن المدينة 1-2 كم. ولذلك، انتشر المقاتلين-الگريلا في المناطق المحيطة!”.
لذلك كان قره يلان الأول يقول بأنهم منتشرون في عمق 35 كيلومتراً داخل حدود الشمال-باكور كوردستان-كوردستان تركيا، في ذلك الوقت، كان الگريلا يغلقون الطرق ويسيطرون على حركة المرور والهوية. كانوا يطلقون عمليات لمحاصرة شمزينان.
قره يلان الثاني في شيلادزي: المعركة على بعد 6-7 كم من شيلادزي
بعد 11 عاماً وثلاثة أشهر، ها هو قريلان يكرّر وعود النصر، ولكن هذه المرة ليس في شمزينان، بل في شيلادزي! وقال: “قرية سيدا تبعد 5-6 كيلومترات عن شيلادزي وقد دمّرنا الجيش التركي هناك”.
هل قلت شيلادزي؟ ألم تكونوا في شمزينان؟ تبعد شمزينان عن شيلادزي مئات الكيلومترات؟! حيث تبعد شيلادزي عن شمزينان 180 كم هوائياً! لذلك، وفي غضون 11 عامًا، ابتعد قره يلان مسافة 250 كيلومترًا عن الحدود واجتاز سري سينيا، جمى جو، كوري جهرو-كوره زار ووادي الزاب وتوجّه صوب سهل نينوى، بينما يروي قصة انتصار في جنوب شيلادزي!
هذه ليست ديجا فو، هذه قصة كاذبة
هذه المرة، أدمغتنا لا تتلاعب بنا، ولا نعاني ديجا فو، بل هناك حقيقة على الساحة وهي أن قره يلان ترك شمزينان وراءه وجاء إلى حدود سهل نينوى، أي أن القصة كذبة، وأن هذه القصة الكاذبة تبدأ آنذاك، منذ ذلك الحين كلّ ما يقوله قره يلان حول الحرب ووضع الگريلا وتكتيكات حرب الأنفاق غير صحيح، كلّ ما قيل ويقال كذب، يقول قره يلان بلا خجل: “نظرية الانتصار وحماية كوردستان” بل جلّ ما في الأمر أن قره يلان بارع وحذق في تلفيق الأكاذيب…
نعم، تلقّت البكك شرّ هزيمة في هذه الحرب، لا توجد حرب في باكور كوردستان، قامت البكك بتسليم كافة الأراضي التي كانت تسيطر عليها في الماضي إلى الدولة التركية، وعندما نقول هذا يقولون لنا إنكم موظفون الدولة التركية! وإنكم تحمون الدولة التركية! كلا، على العكس من هذا، نريد أن يرى الكورد هذه الحقيقة ويفهموها، فشعار البكك الكاذب (سوف ننتصر، سوف نقاتل ونقاوم…) هو وحده ما ألحق أشدّ الاضرار بالكورد، ويعاني منه الكورد، ولكيلا يُقتل ويموت المزيد من شباب الكورد وراء هذه الشعارات الزائفة والحرب العبثية والتي لا هدف ولا معنى لها يجب تفنيد هذه الأكاذيب وفضحها، لا ينبغي على الكورد أن يدفعوا ضريبة هذه الحرب الخاسرة، يجب ألّا تهاجم البكك إنجازات ومكتسبات إقليم كردستان ونضال بيشمركة كوردستان بسبب هزائمها وإخفاقاتها.
لذلك، فالدولة التركية تعلم جيداً ما يحدث في جبهات القتال والحرب، ويعلم أهالي بهدينان جيداً أن البكك لم يبق لها وجود لا في حفتنين ولا خواكورك ولا برواري بالا أو الزاب، فعندما يقول قره يلان “هناك مقاومة ملحمية في قرية سيدا كملحمة قلعة دمدم” ألا يعلم أن قرية سيدا قرية صغيرة لا تمتلك اية ميّزة استراتيجية في وادي آفاشين؟! ولا تمتلك أي تأثير في قلب موازين المعركة عسكرياً وجغرافياً؟! ولكن إذا كانت الحرب محكوم عليها بـ “سيدا” فهو مؤشّر على أنه لم يبق أية قمة استراتيجية أو ساحة قتال استراتيجية في أيديهم!
لا صحيح من بين أقوال قره يلان إطلاقاً
لا شيء من التصريحات التي أدلى بها قره يلان في هذه المقابلة صحيح، إلّا أنّه باستطاعتنا صياغة رواية خرافية من كلماته…
يقول قره يلان: “فعلى سبيل المثال، تم إسقاط وتدمير 11 مروحية حربية للدولة التركية في معركة العام 2022، وإعطاب 80 مروحية أيضاً، واندلعت النيران بالطائرات المروحية، ولم تتمكن من إنزال الجنود وتراجعت، وبالمجمل تم إعطاب 91 مروحية قتالية، ولم يحصل في هذا العام، ربما جرى إعطاب ما بين 4 إلى 5 مروحيات، في حين ليس هناك طائرات مروحية تم إسقاطها، ما السبب في ذلك؟ لأنه لا يقوم في هذا العام بالإنزال في الأراضي، بل في مراكز الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولا يمكن للرفاق استهدافها، وبهذه الطريقة يقومون باستغلال الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
كلام قره يلان هذا كلّه كذب محض، هل تعلمون لماذا لم تعد الدولة التركية تقوم بإنزال الجنود في الأراضي كما كانت تفعل من قبل؟ لأن كافة قمم وتلال المنطقة تحت سيطرة الجيش التركي ولا يحتاج لأماكن أخرى لإنزال الجنود! تقوم الدولة التركية بإنشاء طرق أسفلتية من منطقة جلي إلى الزاب وآفاشين ومنطقة نيروه-ريكان، تصل أرتال الجيش التركي إلى منطقة زاب-آفاشين من مدينة جلي عبر الطريق الإسفلتي في وقت قصير.
المكائن والجرافات التي يتحدّث عنها قره يلان تمّ جلبها من جلي إلى المنطقة، لم تمرّ أية مكائن أو جرافات عبر شيلادزي وديرلوك وآميديي-العمادية إلى تلك المناطق.
بل لم تمر أية مركبة قتالية صوب مناطق الحرب قادمة من الإقليم، تحاول البكك بمقاطعها المفبركة وعدسات كاميراتها توثيق أكاذيبها، لا شيء ممّا يقوله أيٌ من قادة البكك، قره يلان أو كالكان أو بايك عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني صحيح.
فالبكك وجناحها المسلّح قوات الدفاع الشعبي HPG لم تحقّقا أية انتصارات، الهدف من حرب البكك هو فقط من أجل إطالة عمر تنظيمها لا غير، ولهذا الغرض أيضاً تتاجر بقوتها في بازارات العنصريين الشيعة والعرب والأتراك، كما أنها تؤمّن حياة قادتها من وراء ذلك.
هدف البكك من قولها “الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأتراك يستخدمون نفس المراكز والمقرات…” هو فقط من أجل جعل إقليم كردستان وقوات البيشمركة الكوردستانية هدفاً لميليشيات الحشد الشعبي، فعموم شعب إقليم كوردستان وجميع القوى الإقليمية تعلم جيداً حقيقة هذه المسرحية السياسية-العسكرية التي تقدّمها البكك…