بعد حكم دام 61 عاماً، انهار نظام الأسد وانتهى في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تاريخ الانتهاء هذا هامّ باعتباره نقطة تحوّل وتغيير لمصير وقدر عموم بلاد الشام كـ فلسطين ولبنان وسوريا وغيرها من المناطق. بل قد يتمدّد هذا التغيير ليلقي بظلاله على مصير كلّ من تركيا وإيران؛ اللتان أنقذتا أنظمتهما من دوّامة الفوضى والاضطرابات، وإخفاء أحلامها المتمثّلة بخيال الإمبراطوريات والسيادة التاريخية وراء تغيير نظام الأسد.
ومن السابق لأوانه الحكم بما كسبته تركيا وربحته أو ما خسرته. فعندما تتضح المعالم والملامح السورية يمكننا آنذاك تحديد موقع تركيا من الأحداث.
ولكن إن كان هناك شيء واضح، فهو أن: مشروع الهلال الشيعي الإيراني، المزمع وفق نوايا إيران توسيعه وتحقيقه عام 2011 تزامناً مع الربيع العربي، تعرّض لانتكاسة كبيرة وتلقّى هزيمة مدوية، بل وضحّت إيران بكلّ وكلائها وحلفائها وقواتها، كباراً وصغاراً، على مدى السنوات العشرين الماضية، ليس من أجل إمبراطوريتها فحسب، بل فقط من أجل بقائها كدولة.
توظيف فلسطين وغزة والتضحية بها من قبل إيران. مقتل هنية في إيران، وموقف إيران الضعيف والهشّ، وأسرار اغتيال نصر الله وحادث اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي… لا بدّ من تفسيرها من زاوية الانهيار الإيراني المتواصل منذ العام الماضي. فهل يا تُرى: باعت إيران كلّ حلفائها ووكلاءها لامتصاص غضب أعدائها وتقليله؟ فهذا غاية في الأهمية، إذ كان لإيران وكلاء بين الكورد أيضاً، وأكبرهم كان حزب العمال الكوردستاني بكك.
ومع الربيع العربي على وجه الخصوص، أرادت إيران أن تجعل عموم الكورد جزءًا وحلقة من مشروعها الكبير في الشرق الأوسط. ولا يمكن لأحد أن يخفي حقيقة أن حزب العمال الكوردستاني كان من وكلاء إيران في محور المقاومة والهلال الشيعي بمبرّرات كـ “العمال الكوردستاني بكك كان يمارس السياسة ويحقّق انتصارات دبلوماسية…”.
يمكننا بسهولة تأكيد هذين الأمرين:
الأول؛ انهيار نظام الأسد-البعث، نهاية تحالف حزب العمال الكوردستاني مع الأسد الذي دام 40 عاماً، وتدهور وجود العمال الكوردستاني في روجآفا كوردستان بسبب الأسد.
الثاني؛ فشل وانهيار مشروع الهلال الشيعي هو فشل لاتفاق بكك مع إيران الممتدّ طيلة 12 عاماً.
العمال الكوردستاني بكك درعاً لحماية نظام الأسد من السقوط منذ 13 عاماً
العمال الكوردستاني بكك هو القوة الأكثر شعوراً بخيبة أمل وإحباط كبيرين بسبب انهيار نظام الأسد وندهور وانهيار مشروع الهلال الشيعي. لأنه المستفيد الأول من النظامين الإيراني والأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي ولغاية الآن.
فمنذ عام 1984، تحالف العمال الكوردستاني بكك مع نظام الأسد. وتلقّى كلّ أنواع المساعدة والدعم من سوريا نظير إبعاد كورد روجآفا كوردستان عن الجماعات الكوردية الراديكالية وتنظيمهم وخندقتهم ضدّ الإخوان المسلمين. نعم، لم يتحرك بكك قط ضدّ نظام عائلة الأسد في روجآفا كوردستان على الإطلاق.
وحتى النهاية، كانت صور أوجلان وحافظ الأسد معلقة في منازل أنصار العمال الكردستاني. لأن العمال الكوردستاني بكك لم يكن يرى في نظام الأسد نظاماً محتلاً واستعمارياً. ولو أجريت الانتخابات في سوريا قبل سيطرة هيئة تحرير الشام، لكان الأسد فاز بأكبر عدد من الأصوات في مدن مثل قامشلو.
فتح الربيع العربي آفاقاً عظيمة للكورد وخصوصاً كورد روجآفا كوردستان، وكان بالإمكان الإطاحة بنظام الأسد آنذاك، لكن بكك لم يدع ذلك يحدث، وأصبح درعاً لحماية النظام من السقوط، فبقي النظام على قدميه. وقد اعترف قادته كـ باهوز أردال، جميل بايك ومصطفى قاره سو صراحةً: أنه “إذا لم يسقط نظام الأسد لغاية اليوم، فالفضل يعود لنا ودعمنا” بل حتّى غيّروا اسم روجآفا كوردستان إلى “شمال شرق سوريا” وطمسوا هويتها الكوردية سعياً وراء مصالح حزبية ضيّقة.
ففي آب 2020، وقف جميل بايك ضد بيع النفط لشركات أمريكية في روجآفا كوردستان، وقال إن “النظام السوري دولة شرعية ولا يمكن لأحد بيع نفطها دون موافقتها”.
واليوم، يريد حزب العمال الكوردستاني أن ينسيَ العالم كيف دافعوا عن نظام الأسد ولم يدعوه يسقط بتصريحات أيديولوجية مثل “انهيار نظام الدولة القومية”.
وبالتزامن مع ما يسمى بـ “ثورة روجآفا” وبعد 12 عاماً من السؤدد والحكم، كانت تماثيل حافظ الأسد تملأ قامشلو في ظلّ العلم السوري المرفرف عالياً، وبعد سقوط تماثيل الأسد وهدم ضريحه في اللاذقية ودمشق اللتان تعتبران قلاع النظام الحصينة، أزيلت وهُدّمت تماثيل الأسد في قامشلو على غضض.
انهار نظام الأسد، وتداعى حلفاء الأسد أيضاً وسقطوا كقطع الشطرنج، وانهارت الشراكة بين البعث الأسدي-حزب العمال الكوردستاني. كما انهارت أيضاً سياسة العمال الكوردستاني الداعمة للأسد الممتدّة لـ 12 عاماً وفشلت، وبات حزب العمال الكوردستاني منهزماً مغلوباً خلال التطورات الجارية اليوم على الساحة السورية وروجآفا كوردستان وليس منتصراً، نعم، تحقّقت هذه المكاسب والإنجازات نتيجة سياسات الدول الغربية، على وجه الخصوص الولايات المتحدة. ولولا وجود السياسة الأميركية في المنطقة لكانت سياسة حزب العمال الكوردستاني قد أهدت عموم روجآفا للأسد ووهبتها له، عارضت أمريكا تجريد مظلوم عبدي وتهميشه، منعت تسليم السيادة على آبار النفط لنظام الأسد، أبقت العشائر العربية في رفوف قوات سوريا الديمقراطية مقابل مبالغ طائلة، والآن يحاول العمال الكوردستاني التستّر على تحالفاته واتفاقياته الاستراتيجية السرية مع إيران من خلال التطورات المستجدّة على ساحة روجآفا كوردستان، وتصوير نفسه على انه عامل أساسي لهذا النصر والمكسب، لكن الحقيقة هي أن الجبهة التي ارتمى العمال الكوردستاني في حضنه قد انهارت ومنيت بهزيمة مدوية، كما انهارت سياسة الحزب وأيديولوجيته وانتهت صلاحيتهما في الرقة بتمزيق صور آبو في الشوارع.
الجبهة السياسية للديمقراطي الكوردستاني كانت سليمة وعلى حقّ، بينما كانت جبهة العمال الكوردستاني سقيمة وعلى خطأ
لم يستسلم الرئيس بارزاني والديمقراطي الكوردستاني (PDK) لمشروع الهلال الشيعي الإيراني، وكان هذا هو الخط والخيار الصحيح والسليم. رأى الزعيم بارزاني أن انهيار نظام الأسد بمثابة تدمير لقلعة استعمارية وانهيارها وتصرّف على هذا الأساس. ونتيجة لذلك، تعرّضت أربيل لقصف صاروخي من إيران. وتهديدات الحشد الشعبي بالاحتلال.
خلال الربيع العربي، استخدمت إيران العمال الكوردستاني بكك كأداة ووسيلة للاستحواذ والاستيلاء على مكتسبات وإنجازات الكورد في إقليم كوردستان (للقضاء على مكتسبات وإنجازات الكورد في إقليم كوردستان) واستسلام الديمقراطي الكوردستاني، وأصبح العمال الكوردستاني في إقليم كوردستان جزءًا هاماً وحلقة رئيسية في الميليشيات المسلّحة الإيرانية التابعة للحشد الشعبي.
شكّلت إيران تحالف (الاتّحاد الوطني-العمال الكوردستاني بكك) وتمركز العمال الكوردستاني كهيكل ميليشاوي تابع للحشد الشعبي في السليمانية وگرميان وشنگال-سنجار. وجعل العمال الكوردستاني أسلحة الحشد الشعبي في أيدي شباب شنگال ورايات ميليشياته على أكتافهم!
ولكن النتيجة كانت انهيار نظام الأسد ودماره، وتداعي الحشد الشعبي، أي انهيار سياسة العمال الكوردستاني المتمثلة في الاستئجار والإرتزاق لإيران في إقليم كوردستان.
كلّ هذا يقدم لنا واقعاً جديداً تمامًا. سقوط دمشق، انهيار سياسة بكك الممتدّة لـ 13 عاماً من التحالفات مع إيران والأسد. فانهيار سياسة إيران والأسد. سقوط لدمشق وانهيار لسياسة قنديل وفشلها.
يجب رؤية انهيار وهزيمة العمال الكوردستاني في الحقبة الجديدة أمامنا، وألّا نسمح للحزب باستثمار إنجازات روجآفا كوردستان واستخدامها كورقة ضغط أو المتاجرة بها في بازاراتها السياسية، نعم، يجب الوقوف أمام هذه المخطّطات والمشاريع القذرة لحزب العمال الكوردستاني بكك وإيقافها…