ردّت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان على بيان وزارة النفط الاتّحادية، واصفة الأخيرة بأنها وقفت “حجر عثرة أمام إقرار قانون النفط والغاز الاتحادي لسنوات عديدة”.
جاء ذلك في بيان لوزارة الثروات الطبيعية، اليوم الخميس (5 حزيران 2025) نوّهت فيه إلى أن “اتّهامات تهريب النفط من الإقليم، محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن عمليات التهريب والفساد واسعة النطاق في مناطق أخرى من العراق”.
وأدناه نصّ البيان:
“مرةً أخرى، تصدر وزارة النفط الاتّحادية بياناً سياسياً يبتعد كلّ البعد عن الحقائق الموضوعية، وتصرّ من خلاله على نهج تحميل إقليم كوردستان مسؤولية إخفاقات متراكمة هي في الأساس، نتاج سياسات (مركزية) لم تراعِ أسس الشراكة الحقيقية التي بُني عليها العراق الاتّحادي. وقبل الدخول في تفاصيل الردّ على الادعاءات الواردة، نود أن نضع أمام الرأي العام حقائق لا يمكن إنكارها والتغاضي عنها:
إنكم من تنتهكون الدستور بشكل صارخ ومتواصل، ووقفتم حجر عثرة أمام إقرار قانون النفط والغاز الاتّحادي لسنوات عديدة، هذا القانون الذي يمثّل حجر الزاوية لحلّ كافة الإشكالات النفطية، وعوضاً عن ذلك، تُمعنون في التشبث بمنظومة تشريعات النظام السابق وهي قوانين بعثية مركزية عفا عليها الزمن، ولا سيّما قانون عام 1976، الذي يتناقض بشكل واضح وصريح مع مبادئ النظام الاتّحادي ومع مواد الدستور النافذ، ولم تكتفوا بذلك، بل أقدمتم على قطع رواتب وأرزاق مواطني الإقليم، في انتهاكٍ سافر لأبسط حقوقهم الإنسانية، وتمارسون ضدّهم سياسة التجويع الممنهجة سعياً لتنفيذ مخطّطاتكم التمييزية المخالفة للدستور، وتلك من أفظع انتهاكاتكم.
أما اتّهامات تهريب النفط من الإقليم، فهي محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن عمليات التهريب والفساد واسعة النطاق في مناطق أخرى من العراق، فأنتم من تهرّبون النفط من الجنوب وتقومون بكلّ إشكالات الفساد على مسمع ومرأى الجميع، بشهادة التقارير المحلية والدولية التي تفضح حجم الهدر والفساد، وأنتم من تُخلطون النفط وتخدمون مصالح الآخرين بدلاً من خدمة العراق وشعبه، بسياسات مؤسفة أضرت بسمعة النفط العراقي عالمياً.
وفي المقابل، فإن إقليم كوردستان أوفى بجميع التزاماته، على الرغم من عدم التزام الطرف الآخر بمسؤولياته وواجباته الدستورية. وإن تحميل الإقليم مسؤولية فائض أوبك هو خطأكم، لأنّكم تبيعون نفط الآخرين باسم النفط العراقي. وحقّ الإقليم الدستوري في الإنتاج يبلغ ضعف ما هو عليه الآن، لكن الإقليم، حرصاً على المصلحة العامة للبلاد، لا يُنتج حتى نصف هذه الكمية المستحقّة، ولقد سلّمناكم ما يربو على 11 مليون برميل من النفط، ولم ترسلوا ديناراً واحداً مقابلها إلى إقليم كوردستان، في خرق واضح للاتفاقات والالتزامات المالية.
أما بخصوص ما ورد في بيانكم الأخير، فإننا نوضح الحقائق الآتية، وبما لا يقبل اللبس:
1- إن حكومة الإقليم ليست الطرف المتسبّب في توقف تصدير النفط، وإنما جاء ذلك نتيجةً للدعوى التي أقامتها وزارة النفط الاتّحادية على وزارة الطاقة التركية، وعلى إثرها توقف التصدير في 2023/3/25، ممّا كبّد الحكومة الاتّحادية والإقليم والشركات خسائر بأكثر من 25 مليار دولار.
2- في غضون أيام معدودة، وتحديداً في 2023/4/4، جرى الاتّفاق مع وزارة النفط لاستئناف عملية التصدير، إلّا أن قانون الموازنة نصّ على تحديد مبلغٍ لكلفة الإنتاج (وهو ستة دولارات للبرميل) الأمر الذي حدا بمعظم الشركات المنتجة إلى الإحجام عن الإنتاج بموجب هذا التحديد.
3- بناءً على طلب وزارة النفط، تمّ تسليم كميات من نفط الإقليم إلى إحدى المصافي التي تعمل لصالح وزارة النفط، وذلك لمدةٍ تجاوزت خمسة أشهر، وقد بلغ إجمالي ما جرى تسليمه (11،826،218) برميلاً، ورغم هذا الالتزام من جانب الإقليم، لم يُسدّد دينار واحد مقابل هذه الكمية، وعلى إثر ذلك، أحجمت الشركات المنتجة عن تسليم إنتاجها لوزارة النفط.
4- في مستهلّ تشكيل الحكومة الاتّحادية الحالية، شُكلت لجنة مشتركة لإعداد مسودة قانون النفط والغاز الاتّحادي، وعُقدت بالفعل عدة اجتماعاتٍ لهذا الغرض، إلا أن هذه المساعي لم تثمر عن شيء حتى الآن، ويلاحظ تباطؤٌ وتأخيرٌ واضحان من جانب الحكومة الاتّحادية في متابعة هذا الملف البالغ الأهمية، والذي يمثّل مفتاح الحلّ الحقيقي للخلافات العالقة بين الحكومتين.
5- بما أن نظام الحكم في العراق هو نظامٌ اتّحاديٌ (فيدرالي) ومن الحقوق الدستورية للإقليم أن تكون له تشريعاته الخاصة التي تنظم شؤونه، فقد أبرمت وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كوردستان عقودها مع الشركات النفطية العالمية استناداً إلى قانون النفط والغاز رقم 22 لسنة 2007، فلو كانت ثمة إشكالية قانونية حقيقية في هذه العقود، لما أقدمت شركات عالمية ذات سمعة مرموقة على استثمار مليارات الدولارات في الإقليم دون سندٍ قانوني.
6- إن للعراق دستوراً لو جرى العمل بأحكامه نصّاً وروحاً، بعيداً عن الانتقائية والمصالح الضيقة في التطبيق والتفسير، لما آل الوضع العام في البلاد، والملف النفطي خاصةً، إلى هذا المستوى من التعقيد والتأزيم.
7- لقد أوفت حكومة إقليم كوردستان بالتزاماتها كاملةً فيما يخصّ مساعي استئناف التصدير، حيث وافقت على: بيع النفط المنتج في الإقليم عن طريق شركة تسويق النفط (سومو)، وإيداع كامل إيرادات البيع في خزينة الدولة، وتحديد شركة استشارية، وفتح حساب ضامن (Escrow Account) باسم الشركات.
8- تطالب الشركات النفطية العاملة في الإقليم بما يلي: (العمل بالعقود من حيث النموذج الاقتصادي، الشروط التجارية في العقد، عدم المساس بالعقود كونها أخذت مجراها القانوني في المحاكم الاتحادية والدولية).
ونود أن نُذكّركم ونُذكّر الرأي العام بأن الاتّفاق (المؤقت) المتعلق باستئناف تصدير النفط، وما أعقبته من اجتماعات ولقاءات، يمثّل دليلاً قاطعاً على مرونة إقليم كوردستان واستعداده للتعاون، وهو ما يجعل ادّعاءات وزارتكم بعدم جدوى المباحثات السابقة مع الإقليم ادعاءات لا أساس لها من الصحة”.
يُذكر أن وزارة النفط العراقية كانت قد أكّدت ضرورة التزام حكومة إقليم كوردستان بالدستور وقرارات المحكمة الاتّحادية والقوانين النافذة، وفي مقدمتها قانون الموازنة العامة، و”المباشرة الفورية” بتسليم النفط المنتج من حقوله لـ “غرض تصديره ورفد الخزينة العامة بإيراداته”.
وقالت الوزارة في بيان، صباح الخميس (5 حزيران 2025)، إنها أرسلت إلى حكومة الإقليم “مخاطبات رسمية ووفوداً بشكل حثيث ومستمر لتحقيق ذلك، دون جدوى” مشدّدةً على “ضرورة المباشرة الفورية بتسليم النفط تنفيذاً لنصّ تعديل قانون الموازنة الذي جرى تشريعه بالاتّفاق مع حكومة الإقليم، وضرورة عدم تنصل حكومة الإقليم عن التزاماتها”.
وأوضحت الوزارة أن “الاستمرار بعدم تسليم النفط يسبّب خسائر مالية كبرى للعراق، ويعرّض سمعة العراق الدولية والتزاماته النفطية للضرر” لافتةً إلى أن “عدم التزام” حكومة إقليم كوردستان أدّى إلى خسارتين.
وبينت أن “الأولى بعدم استلام وتصدير النفط المنتج في الإقليم والاستفادة من إيراداته، والثانية اضطرار وزارة النفط الاتّحادية لتخفيض الإنتاج من باقي الحقول النفطية خارج الإقليم التزاماً بحصة العراق في منظمة أوبك، التي تحتسب إنتاج الحقول الواقعة في الإقليم ضمن حصة العراق مهما كانت المخالفات المؤشرة”.
ولفتت إلى أنها “تتابع المعلومات التي تبين استمرار عمليات تهريب النفط من الإقليم إلى خارج العراق” محمّلة حكومة إقليم كوردستان “المسؤولية القانونية الكاملة عن ذلك”، حسب ادعائها.
كما أكّدت الوزارة أنها “تحتفظ بحقّها في الاستمرار بأخذ الإجراءات القانونية كافة في هذا الصدد”.
جديرٌ بالذكر، توقّف تصدير نفط كوردستان عبر ميناء جيهان التركي منذ (25 آذار 2023) بعد صدور قرار عن محكمة تحكيم دولية في باريس، في دعوى رفعها العراق على تركيا.
ولم تتوصل أربيل وبغداد منذ ذلك الوقت إلى اتّفاق لاستئناف تصدير النفط بسبب خلافات يرتبط جزء منها بعقود الشركات النفطية العاملة في إقليم كوردستان ومستحقاتها المالية.
وسبق أن أعلنت رابطة صناعة النفط في إقليم كوردستان (أبيكور) في (27 نيسان 2025)، عن عدم التوصل إلى اتفاق لاستئناف التصدير عبر أنبوب العراق – تركيا خلال الاجتماع الذي عقد مع وزارة النفط الاتّحادية ووزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان.
وعن شروط استئناف تصدير النفط، أشارت أبيكور إلى أن “الشركات العضو في أبيكور مستعدة للبدء فوراً بتصدير النفط عبر أنبوب العراق – تركيا بمجرّد التوصل إلى اتفاق يضمن دفع مستحقات الشركات على أساس شروط العقود السارية لشركات النفط الدولية، وتسديد ما تبقى من ديون للشركات” إلّا أن وزارة النفط العراقية والحكومة الاتّحادية غير جادتين في هذا الملف.