التظاهرات والاحتجاجات الشعبية لم تغب عن شوارع مدن بلد الموازنات “فوق الانفجارية” منذ أكثر من 15 عاماً!

التظاهرات والاحتجاجات الشعبية لم تغب عن شوارع مدن بلد الموازنات"فوق الانفجارية" منذ أكثر من 15 عاماً...

“أزمة عطش” في العراق…

منذ أكثر من 15 عاماً، لم تغب التظاهرات والاحتجاجات الشعبية عن شوارع مدن العراق، ومع ارتفاع درجات الحرارة في البلاد إلى مستويات قياسية، حيث تجاوزت نصف درجة الغليان في عدد من المحافظات في الوسط والجنوب، والحاجة المتزايدة الى المياه والكهرباء في ظلّ انعدامها شبه الكامل، تشهد مختلف المدن العراقية، خصوصاً مدن الوسط والجنوب، تظاهرات شعبية احتجاجية مطالبة بالخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الماء والكهرباء.

ويتكرّر المشهد ذاته في العراق كلّ صيف، درجات حرارة تتجاوز الـ 50 مئوية، وشوارع مكتظة بمولدات أهلية تلوّث الهواء وتزعج السمع، وبيوت تختنق في عز الحرّ، ومدن تعاني من شحّ مياه الشرب وفي أحيان كثيرة انعدامها، بينما المواطن ينتظر “التحسّن القريب” الذي بات ينتظره لأكثر من خمسة عقود.

ففي محافظة بابل، وسط العراق، استمرت التظاهرات خلال اليومين الماضيين، شارك فيها مئات المواطنين احتجاجًا على النقص الحادّ في المياه، وسط موجة الجفاف الشديدة والارتفاع القياسي في درجات الحرارة.

وكانت وزارة الموارد المائية قد حذّرت، في بيان صدر الخميس، من أن العام الحالي يُعدّ من أكثر الأعوام جفافًا منذ عام 1933، مشيرة إلى انخفاض خطير في معدلات المتساقطات وتراجع الإيرادات المائية القادمة من دول المنبع، إيران وتركيا.

وتفاقمت أزمة المياه في العراق الذي يتجاوز عدد سكانه 46 مليون نسمة، بفعل تغير المناخ وانخفاض منسوب الأنهار، وعلى رأسها نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى السياسات المائية للدول المجاورة، والسياسات المائية الفاشلة للحكومات العراقية المتعاقبة، فيما تتّهم بغداد كلًا من تركيا وإيران بإقامة سدود تقلّل بشكل كبير من تدفق المياه إلى الأراضي العراقية.

ازمة عطش

ففي بلدة المجرية قرب مدينة الحلة (مركز محافظة بابل) طالب مئات المتظاهرين الحكومة باتّخاذ خطوات عاجلة لمعالجة أزمة المياه، وذلك بعد أن فرقت الشرطة احتجاجًا مماثلًا في اليوم السابق.

وقال أحد المتظاهرين إن المنطقة تعاني من أزمة عطش خانقة، مضيفًا: “الأنهار جفّت بالكامل، ولم نعد نمتلك حتى مياهًا صالحة للشرب. العطش أهلك أراضينا الزراعية والمواشي، رغم أننا ضمن حدود مدينة الحلة ولدينا حصة مائية، إلا أننا لا نحصل عليها.”

واعتبر المحتجون أن خروجهم في التظاهرة حقّ كفله الدستور، مشيرين إلى أن تعامل القوات الأمنية معهم كان “عنيفًا ومفاجئًا”.

وقال المواطن سعدون الشمّري، 66 عامًا، إن منطقته تعاني من انقطاع المياه منذ أكثر من شهر، مضيفًا: “نحن بحاجة إلى الماء للشرب والنظافة… الوضع لا يُحتمل”.

من جهته، قال المتظاهر قحطان حسين، 35 عامًا: “هذا أبسط حقوقي، لا أطالب بأكثر من الماء”، مضيفًا أن أنابيب المياه في منطقته “جفّت بالكامل”، وهو أب لأربعة أطفال.

تحذيرات رسمية

وأكّدت وزارة الموارد المائية أن العراق يعاني من قلة تساقط الأمطار وانخفاض حادّ في الواردات المائية من دول الجوار، محذّرة من أن استمرار هذا الوضع من دون تعاون دول المنبع قد يؤدّي إلى تفاقم أزمة المياه ويمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن المائي.

وأشارت الوزارة إلى أن الخزين المائي الحالي في السدود لا يتجاوز 8% من طاقته الإجمالية، بانخفاض نسبته 57% مقارنةً بالعام الماضي.

وكان المتحدّث باسم الوزارة، خالد شمال، قد أعلن في مايو/ أيار الماضي أن العراق سجّل أدنى مستويات للمياه منذ 80 عامًا، نتيجة ضعف موسم الأمطار وتراجع تدفق نهري دجلة والفرات.

مطالبات بحلول جذرية

وفي مدينة الديوانية مركز محافظة القادسية (جنوبي البلاد) شهدت الأسابيع الأخيرة احتجاجات مماثلة، حيث عبّر المواطنون عن استيائهم من النقص المزمن في المياه، مطالبين الحكومة بإيجاد حلول جذرية لأزمة تؤثر بشكل مباشر على مياه الشرب والزراعة.

وتسبّبت أزمة شحّ المياه في إجبار العديد من المزارعين على التوقف عن العمل، في حين اضطرّت السلطات إلى تقليص النشاط الزراعي بشكل كبير لضمان الحدّ الأدنى من الإمدادات المائية للسكان.

وفي قضاء الخالص بمحافظة ديالى تظاهر العشرات من سكان القضاء، الأسبوع الماضي، أمام مبنى القائمقامية، احتجاجًا على استمرار تردّي الخدمات الأساسية وغياب البنية التحتية، مطالبين الجهات الحكومية بالتدخل العاجل لتحسين واقع القضاء الخدمي.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن المتظاهرين رفعوا لافتات تطالب بإصلاح الطرق وتأهيل شبكة الكهرباء والماء، مؤكّدين أن القضاء يعاني منذ سنوات من الإهمال الحكومي.

الموازنات فوق الانفجارية

وفي حيّ الأمين شرق العاصمة العراقية بغداد التي من المفترض ان تكون الخدمات فيها أفضل من بقية المحافظات باعتبارها العاصمة، تظاهر عشرات السكان احتجاجاً على سوء خدمات التيار الكهربائي في منطقتهم.

وأظهرت مشاهد من موقع الاحتجاج قيام المتظاهرين بإحراق إطارات مركبات في الشوارع الرئيسية، في خطوة تهدف إلى التعبير عن غضبهم إزاء انقطاعات الكهرباء المتكرّرة، مطالبين بتحسين الخدمة وزيادة ساعات التجهيز.

ويتساءل المواطنون عن مصير الأموال والموازنات الضخمة التي توصف بـ ” فوق الانفجارية” خلال السنوات الماضية من دون ان يروا أبسط الخدمات على الأرض وفي مقدمتها الماء والكهرباء.

ووفق تصريحات رسمية، فقد كلّف الفساد العراق حوالي 600 مليار دولار منذ عام 2003 لغاية العام 2020، وهو ما عبرت عنه هيئة النزاهة وأسمته “جائحة الفساد” والتي أثّرت بشكل مباشر على حياة المواطنين ومستوى الخدمات في كلّ القطاعات.

مقالات ذات صلة