رغم أن الحسرة على الوحدة الوطنية-القومية تعتصر قلب الأمة الكوردية… إلا أن الوحدة الوطنية لا تتحقّق بالرغبات العاطفية والأحاسيس… فإذا اجتمعت الأهداف الصحيحة والأشخاص الصادقين وفي الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة، يمكن آنذاك للوحدة الوطنية أن تجلب الحرية للشعب وتحقّق آماله وأمانيه… وإلّا فمهما حاولتم بناء وحدة وطنية مع أشخاص سيئين فاسدين أرباب أجندات خفية ومظلمة… فلن يخدم ذلك وحدة الأمة الكوردية وتحرّرها، ولتحقيق ذلك، يجب ألا ننطلق وفق العواطف والأحاسيس بل نتحرّك وفق الحقائق التاريخية والآنية المرئية.
دعوة عبد الله أوجلان الأخيرة لعقد “مؤتمر وطني” واقتراحه للـ “الرئيس بارزاني” لرئاسة المؤتمر يجب تقييمها في هذا الإطار، وهل أن دعوة أوجلان صميمية وصادقة، أم أنها مجرّد لعبة أخرى؟ أم أنها طعنة خنجر أخرى في الظهر تحت يافطة “المؤتمر الوطني”؟
بعد ثمانينيات القرن الماضي، أدرك حزب العمال الكوردستاني بكك قوة وتأثير الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) على الأمة الكوردية، فدعا إلى تأسيس جبهة وطنية.
وللمرة الأولى، عام 1983، تمّ توقيع اتفاقية-بروتوكول من تسع نقاط بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني بكك، بفضل هذا البروتوكول، قدِم حزب العمال الكوردستاني إلى جنوب كوردستان-إقليم كوردستان، واستغل جميع فرص الحزب الديمقراطي الكوردستاني وموارده وبيشمركة كوردستان، ولكن مع ذلك، عقد حزب العمال الكوردستاني بكك سرًا تحالفًا مناهضًا للديمقراطي الكوردستاني مع صدام. في عام 1985، هاجم الحزبَ الشيوعي الكوردستاني في حفتنين، وأوقع شهداء من البيشمركة، زرع بذور الفتنة والعداء بين الأحزاب الكوردية في منطقة بهدينان، وكذلك بين العشائر والأحزاب. أي أنه لم يلتزم بالبروتوكول.
منذ ذلك الحين، كلّما تحدّث حزب العمال الكوردستاني عن الوحدة الوطنية، كان يغرس من ورائها خنجره المسموم في ظهر جميع الأحزاب والحركات الكوردية كما في الثمانينيات.
وكلما تسنّت وأتيحت فرصٌ النضال للكورد ظهر حزب العمال الكوردستاني بكك واستغل مشاعر وأحاسيس الشعب تحت شعار ويافطة “الوحدة الوطنية”، وشغل الرأي العام وشتّت انتباهه، ونفّذ أجندته الخفية والسرية بمساعدة ودعم قوى خارجية.
على سبيل المثال، في عام 2013، جرت محاولات ومساعي لعقد المؤتمر الوطني الكوردستاني. كانت هناك فرص كبيرة للتحرّر والاستقلال في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، قدّم إقليم كوردستان، بقيادة الرئيس بارزاني، دعماً ماديًا ومعنويًا لا محدوداً لهذه البقعة من كوردستان، استفاد حزب العمال الكوردستاني بكك وجناحه في روجآفا (وحدات حماية الشعب YPG) مرة أخرى من موارد وفرص الحزب الديمقراطي الكوردستاني. ولكن، بعد فترة، أعلن الحزبّ الديمقراطي الكوردستاني عدوًا. بل وصل الأمر إلى أنه في 27-28 حزيران/ 2013 ارتكب مجزرة في عامودا لإحباط مساعي وجهود المؤتمر الوطني.
والحق، أنه منذ ذلك الحين، صعّد حزب العمال الكوردستاني بكك عدائه للحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى أعلى المستويات.
واليوم، ومع هذا السجل الأسود والمظلم لحزب العمال الكوردستاني بكك، هل بإمكاننا أن نثق بصدق بدعوة أوجلان للوحدة الوطنية واقتراحه الرئيس بارزاني رئيسًا للمؤتمر؟
بيان “أوجلان دعا إلى الوحدة الوطنية واقترح الرئيس بارزاني لرئاستها…” يحاول أوجلان من خلال هذه الدعوة إلباس حزب العمال الكوردستاني رداء الوطنية والقومية، لذلك، إذا تمّ رفض المؤتمر المجهول الأهداف والغايات من قبل القوى والأحزاب الكوردية، سيقولون آنذاك: “هم لا يريدون الوحدة الوطنية الكوردية!” لكن الحقيقة هي أن العمال الكوردستاني بكك لا يملك الإرادة والتصميم للدعوة إلى الوحدة الوطنية.
عندما يتحدّث أوجلان عن الوحدة الوطنية، فإنه لا يتحدّث أبدًا عن “الوحدة الوطنية للكورد أو كوردستان”. بل حتى أن أوجلان لا يُعرّف الكورد كأمة. بل أن أوجلان وصف في وثيقة-توجيهات المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكوردستاني، وصف اللغة الكوردية بأنها “لغات محلية غير عملية” ووصف المجتمع الكوردي بأنه “مجتمع المزبلة” أو ““المقبرة!” بل إنه صرّح صراحةً بأنه يرى أن من الخطأ أن يطالب الكورد بحقوقهم القومية والثقافية. فيا تُرى: متى يمكن لمن لا يحمل بين جوانحه قضية الكوردايتي ولا الكوردستانية أن يدعو إلى الوحدة الوطنية للكورد؟! كلّا…
دعوة أوجلان إلى الوحدة الوطنية للكورد جاءت بناءً على طلب الدولة التركية في إمرالي، دعوة أوجلان للوحدة ليست من أجل وحدة البيت الكوردي. دعوة أوجلان هي من أجل إلزام عموم الكورد بـ (–Misak– Millîميثاق ملى) الميثاق الوطني للدولة التركية. فـ أوجلان وعد الدولة التركية بربط جميع الكورد بها مقابل تعيينه وتزعّمه…
الوحدة الوطنية لا تُترجم بالكلمات، بل هي قضية جوهرية. إذا أراد حزب العمال الكوردستاني وحدة وطنية، فعليه أولاً أن يُعلن بوضوح مطالبه للكورد.
يجب عليه أن يُسكت فوهات بنادقه تجاه جميع الأحزاب الكوردية في روجهلات كوردستان-كوردستان إيران وإقليم كوردستان وروجآفا-كوردستان سوريا وضمان عدم استخدامهم للسلاح.
يجب عليه حلّ قواته المتواجدة ضمن أطر ميليشيات الحشد الشعبي. يجب عليه تسليم المناطق الاستراتيجية التي احتلّها من أراضي إقليم كوردستان لقوات البيشمركة الكوردستانية الرسمية. يجب عليه إسكات خطابه الحقود ولغته السامة في إعلامه الذي يُثير العداء والكراهية بين الكورد.
فـ لا وحدة وطنية مع حزب العمال الكوردستاني بكك ما لم يتحقّق هذا، الوحدة الوطنية ليست أقوال بل هي أفعال، يجب على حزب العمال الكوردستاني أولاً انتقاد ذاته بسبب هجماته على الأحزاب الكوردية الأخرى على مدى الخمسين عامًا الماضية. وإلّا فإن دعوة أوجلان وحزبه للوحدة الوطنية ليست لتعزيز النضال الكوردي وتصعيده، بل لشدّ أيدي وأرجل القوى الكوردية والإجهاز عليها…