في 27 تشرين الثاني المنصرم، تعرّض حقل كورمور الغازي لهجوم كبير، هذا وتعرّض حقل كورمور بين عامي 2022 و2025، لـ 11 هجومًا.
وصفت وكالة الطاقة الدولية (IEA) القرن الحادي والعشرين بأنه “العصر الذهبي للغاز”. وهذا يعني أن القوى التي تمتلك السؤدد على الغاز قادرة على تغيير مصيرها ورسم مستقبلها. لهذا، ينبغي التحقيق في هجوم كورمور بشكل موسّع كقضية بالغة الأهمية.
أين تكمن أهمية حقل كورمور الغازي؟
يمتلك إقليم كوردستان خمسة حقول غاز مهمة هذا عدا المناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم والمشمولة بالمادة 140، ويعدّ حقل كورمور الغازي أعظم هذه الحقول وأكثرها انتاجاً.
يعزّز مشروع التوسعة، المعروف باسم (KM 250) إنتاج الغاز الطبيعي في حقل كور مور بمقدار 865 مليون قدم مكعب في اليوم (cf/d) ممّا يرفع إجمالي الإنتاج الكلي إلى جانب باقي حقول الغاز في إقليم كوردستان إلى مليون قدم مكعب/يوم، هذا المستوى من الإنتاج يجعل حقل كورمور واحدًا من أكبر مشاريع الغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مُضاهيًا مشاريع مثل حقل خزّان في عُمان، وحقل ظُهر في مصر، وحقل ليفياثان في البحر الأبيض المتوسط.
ستُحدث زيادة إنتاج غاز كورمور تغييرًا جذريًا في البنية الطاقوية في إقليم كوردستان والحالة المستقبلية له بالنسبة للشرق الأوسط.
من المستاء “الممتعض” من غاز كوردستان وكورمور؟
لهذا السبب، تتابع الدول المستفيدة من الغاز، وكذلك تلك المصابة بـ فوبيا كوردستان، حقل كورمور وغاز كوردستان عن كثب.
والعراق إحدى تلك الدول التي ترى إمكانيات الطاقة في إقليم كوردستان التهديد الأكبر له.
ووفقًا لبيانات منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية، يُنتج إقليم كوردستان طاقةً يومية أكثر من العراق. وقد تفوقت كوردستان على العراق في استخدام أحدث التقنيات والوسائل في إنتاج الغاز خلال السنوات الثماني عشرة الماضية وحدها.
فبدلًا من شراء الغاز والكهرباء من الكورد، يسعى النظام الشيعي في العراق إلى الاستيلاء على مصادر الدخل الكوردية والاستيلاء على الغاز الكوردي.
إن توجيه داعش صوب كوردستان، وانتشار وتمركز حزب العمال الكوردستاني بكك في كركوك وگرميان وشنگال-سنجار من قِبل إيران والعراق، والعداء المستمر للاتّحاد الوطني الكوردستاني تجاه أربيل، والحرب الهجينة المتمثّلة في قطع الرواتب والميزانية، ما هي سوى جزء من مخطّط الاستيلاء على إمكانيات والبنية الطاقوية لكوردستان.
ما الملفت في توقيت الهجوم على كورمور؟
كانت هجمات كورمور مليئة بالدلالات والإشارات، منها…
1- أجريت الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 تشرين الثاني. كانت اللعبة العراقية في هذه الانتخابات تتمثّل في سرقة أصوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني وخسارته، في المقابل تقوية الاتّحاد الوطني الكوردستاني للحصول على وزارة الداخلية في حكومة إقليم كوردستان، لكنّ الخطة لم تنجح.
الاتّحاد الوطني الذي أرادت الدولة العراقية استخدامه كحصان طروادة وكسب وزارة الداخلية ذات الأهمية الاستراتيجية له، خسر العديد من الأصوات، وأصبح الحزب الديمقراطي الكوردستاني الحزب الأول.
2- في 19 تشرين الثاني، شارك القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط (MEPS) في دهوك. كان الأمر بمثابة وسيلةً لتعزيز الوحدة الكوردية، كما وأبرزَ الدور الاستراتيجي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في الساحة السياسية والدبلوماسية.
3- في 26 تشرين الثاني، أعلنت العراق انتهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية.
لم يكن الهجوم على كورمور، بعد هذه الأحداث الثلاثة الجسام، محض صدفة، بل كان يهدف إلى تهديد إقليم كوردستان وإعاقة تقدمه وتقويض كيانه.
من نفّذ هجوم كورمور؟
عندما ينظر المرء إلى كلّ هذه التطورات معاً، يتّضح جليًا من هاجم كورمور.
استنكار وإدانة الدولة العراقية والقيادات الشيعية لهجمات كورمور ليست سوى مجرّد تكتيك. موقفهم كاذب، فهم المسؤولون الرئيسيون عن هذا الهجوم. نفّذته ميليشيات وفصائل مسلّحة تابعة للنظام الشيعي في العراق. وقد حمّل المبعوث الأمريكي إلى العراق، مارك سافايا، “الفصائل المسلّحة” العراقية المسؤولية.
رغم وضوح هذا الوضع، تحاول بعض وسائل الإعلام التغطية عليه بأخبار كـ “هجوم تركي، هجوم تركماني” فحتّى لو هاجمت القوات التركمانية فهي على غرار ريان الكلداني، فهي قوات تابعة للحشد الشعبي.
ما دور الاتّحاد الوطني في الهجمات؟
منذ ستينيات القرن الماضي، يتحرك الاتّحاد الوطني في كنف الدولة العراقية ضدّ الديمقراطي الكوردستاني، وبافل طالباني ينتهج نفس السياسة ولكن بأسلوب أكثر خطورة. ففي حملته الانتخابية لانتخابات الحادي عشر تشرين الثاني هدّد بافل قائلاً: “الغاز تحت سيطرتنا، سنخمده سنقضي عليه وندمّره” ونفّذ حلفاؤه الاستراتيجيون أمره هذا وهاجموا قطاع الطاقة في كورمور.
وفي عام 2012، أشار عضو الهيئة التأسيسية للاتّحاد الوطني، عادل مراد، على رئيس الوزراء العراقي آنذاك، نوري المالكي بقطع رواتب إقليم كوردستان، فقال: “اقطع الرواتب، وسينتفض الناس ضدّ إدارة أربيل، وسوف ترون كيف سيعود الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى الطريق…” بينما يقول بافل طالباني: “اقطعوا الغاز وستنقطع الكهرباء، وستستسلم أربيل لبغداد” وبهذه السياسة، يطالب بمنصب رئيس جمهورية العراق وبعض وزارات إقليم كوردستان.
نعم، يتموضع الاتّحاد الوطني موضوعيًا وذاتيًا، في جبهة القوى المهاجمة على حقول غاز كورمور.
وتقف خلف الهجوم على حقل كورمور أيادي شيعة العراق وإيران وحلفاؤهم الاتّحاد الوطني الكوردستاني.