زيارة الرئيس بارزاني للجزيرة أكثر من مجرّد زيارة؛ سقطت الأقنعة وتعرّت الحقيقة…

زيارة الرئيس بارزاني للجزيرة، المدينة الأقدم في منطقة بوتان، أي قلب كوردستان، في 29 تشرين الثاني، كانت أكثر من مجرّد برنامج دبلوماسي.

المكان كانت جزيرة بوتان، الوطن الأعظم لموروثات التأريخ الكوردي. الجزيرة التي تأسّست على يد أبناء نوح، مركز الإمارة البوتانية جوهرة الإمارات الكوردية، مسكن ملاي جزيري الذي أيقظ الوعي الكوردي بفلسفة العشق في ثنايا لغة أدبية قبل مئات السنين. كلّ هذا جعلت من الجزيرة مركزًا مهمًا للفكر والمعرفة الكوردية.

احتضنت هذه الأرض شخصية تُجسّد جميع قيمها وبنّتها في ذاته، هو “مرجع” الكوردايتي، أي الرئيس مسعود بارزاني، البيشمركة، السياسي، الشاهد على التأريخ والرئيس المؤسّس للنظام الذي دمّر الاحتلال وسحقه في جنوب كوردستان-إقليم كوردستان. مزج الرئيس بارزاني رصانة مقاومة حركة البارزاني المئوية بقلب بوتان، انبعثت ذاكرة الكوردايتي في الشخصية والمكان، ورسم إشراقة وصاغ انفتاحاً لمسيرة المستقبل الوطني-القومية، ترنّمت صداها المزمجر في قعر الفكر والوعي الجماعي للأمة الكوردية. هذا المغزى العميق كشف حقيقة الأصدقاء والأعداء.

الكورد باتوا مرفوعي الجبين وأصدقاؤهم متفائلين مؤمّلين…

لكن هناك أيضًا أعداء الكورد، وقد حرّفوا هذه الزيارة التاريخية. وأبدوا استياءهم تجاه المهمة التاريخية للزيارة مبرّرين بعبارات: “من هؤلاء البيشمركة؟ لم أفواه البنادق هذه…” وما إلى ذلك. السياسيون الأتراك وبسبب عدائهم اللدود للكورد ومن أجل إخفاء مشاكلهم الداخلية والمآزق التي يواجهونها… انشغلوا وأشغلوا من حولهم بزيارة الرئيس بارزاني للجزيرة، وكلّ منهم خرج إلى الميدان رافعاً يافطة “أنا الأكثر قومية وعنصرية… أنا الأكثر عداءً للكورد…”…

بادر الكماليون بالهجوم، وقاد حزب الشعب الجمهوري الصولة، ولكن وكيلا يتخلّفهم في العنصرية والعصبية، تقدّم باخجلي إلى الأمام وصعّد من موجة الهجمة العدوانية على الكورد، وكلا الطرفين يدركان جيدًا أن عشرات الشعوب والمعتقدات إمّا تمّ القضاء عليها جسدياً أو استيعابها وصهرهاً في بوتقة التتريك خلال تاريخ تركيا الممتد لقرن. لكن الكورد وحدهم هم من بقوا واقفين صامدين، تمّ استقبال الرئيس بارزاني في الجزيرة وكأنه صاحب البيت، وموقف حضرته المشرف أثبت لهم أنهم لم ينتصروا في القضاء على الكورد وتدميرهم، وأن الكورد رغم الحدود المصطنعة صانوا الهوية الأصيلة للكوردايتي، لذلك، شهد المستاؤون المحبطون انتكاستهم وهزيمتهم منذ قرون في عظمة الرئيس بارزاني. دعم الرئيس بارزاني لروجآفا كوردستان-كوردستان سوريا وبالأخص لمظلوم عبدي، ألهب من إعياء الأعداء وتعبهم.

فمنذ عام، وتصوّر بعض الأطراف الكوردية دولت باخجلي وبلا خجل وكأنه حمامة سلام، ولكن ما انكشف أن باخجلي ما زال ذلك الذئب الرمادي الفاشي المتعطّش لدماء الكورد، وممّا لا شك فيه أن تصريحات باخجلي بحقّ الرئيس بارزاني كشفت بوضوح حقيقة الدعوة لـ أوجلان وعملية السلام. لا وجود لعملية سلام، وما على الساحة ليست سوى عملية لدمج الكورد في الجمهورية التركية وإذابتهم، انكشفت حقيقة دعاية حزب العمال الكوردستاني بكك، وخاصة عداءه للبارزانيين والحزب الديمقراطي الكوردستاني على مدى السنوات العشر الماضية. لا شكّ أنه أينما حلّ الرئيس بارزاني وارتحل، استوطنت هناك الهوية الكوردية، بل حتّى أن بعض أعضاء حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) الذين حشدوا تظاهرات نسوية في الجانب الآخر من معبر خابور ذات مرّة وترديد شعارات العداء ضدّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأفواههم… أخذتهم الحمية والاعتزاز بوجود الرئيس بارزاني بينهم في الجزيرة. وأصبحت دعايات حزب العمال الكوردستاني الممتدّة لعشر سنوات خلال زيارة واحدة في مزبلة التأريخ.

سواء قبلت الدولة التركية أم لم تقبل، فإن الرئيس بارزاني ليس زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني فحسب، بل هو الزعيم الشرعي، والمرجع الأصيل لعموم الكورد، هو الشخصية الروحية والمعنوية والسياسية التي تُجسّد الفخر والاعتزاز القومي-الوطني. سحق النضال تحت قيادته المحتلّ في إقليم كوردستان، وأصبح مصدر الأمل والفخر والكرامة للكورد جميعاً، وهو في الوقت نفسه الشخص الأكثر سلمية ومسالمة، فهو الحكيم الذي قاد شعبه وحماه خلال جميع الأزمات والكوارث. كما دعم الحلّ السلمي في باكور كوردستان طيلة عشرين عامًا، والناصح بإسكات صوت السلاح…

فالجمهورية التركية هي نفسها من قدّمت له الدعوة، فزيارته للجزيرة كانت رسمية، وخلالها أشاد بالسلام، وأعرب عن استعداده لتقديم كافة أنواع الدعم، داعياً أن يحلّ السلام والاستقرار في المنطقة، ثمّ عاد في اليوم نفسه إلى إقليم كوردستان.

الرئيس بارزاني رجل غاية في الأصالة والنبل، محترم، مضياف، وفيّ، ومخلص. ولكن، عندما يتعرّض لهجوم مهين، لا يتردّد في الرّدّ قطّ، بل إن البيان الصادر نيابة عن مقرّ بارزاني أظهر أيضًا أنه لن يتردّد في اتّخاذ موقف حازم ومُرضٍ عند الضرورة.

وكان الرئيس بارزاني قد قرأ بيتًا من ديوان جزيري في زاخو عام 2017، وهي تمثّل شخصيته:

“دەست نەھلین ژ تەلەب گەر مە د رێ چیت سەر و تشت

پشت-ئ نادین دو ھەزار خەنجەر و تیر و رم و خشت

مە سەری دانیە رێ و ب خودێ بەستیە پشت”

مقالات ذات صلة