بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار جبهة دول الحلفاء على دول المركز، وانهيار الإمبراطورية العثمانية، فكرت دول الحلفاء في تأسيس دولة كوردية إلى جانب دولة تركيا وإيران والعراق والأردن، جاء القرار حسب بنود إتفاقية وُقّعت في مدينة سيفر بفرنسا حول توزيع تركة الإمبراطورية العثمانية جاء فيها: على الإمبراطورية العثمانية القبول بحكم ذاتي للكورد، كما عليها الإعتراف بدولة مستقلة لكل من اليونان والأرمن.
وفي عام 1923 عندما أراد ممثل تركيا خلال اجتماعه بـ”لوزان” التوقيع على إتفاقية مع ممثلي دول الحلفاء واجه عدم رضاء ممثلي دول الحلفاء، فممثلوا هذه الدول -الدول الأوربية- لم يرضوا بالتوقيع على اتفاقية “لوزان” قائلين: شرق تركيا موطن للكورد، ولا نعرف ما الذي سيحصل للكورد من وراء توقيع مثل هذا الاتفاق.
فأجاب ممثل تركيا في ردّه: تركيا ليست دولة للأتراك فقط، وإنما هي دولة للكورد والأتراك، وقد قررنا نحن الـأتراك والكورد أن نعيش سوياً وعل أرض دولة تركيا، غير أن ممثلي الدول الأوروبية لم يقتنعوا بهذه العبارات ولم يصدوقها.
وكان عصمت باشا يترأس الوفد التركي آنذاك، وعندما علم أنه لم يبق بيده شيء، وأن دول الحلفاء سيمنحون جزءاً من أراضي الإمبراطورية العثمانية للكورد باعتبارها أراضيهم منذ فجر التأريخ، قام عصمت باشا بإعلام مصطفى كمال أتاتورك بنوايا الحلفاء بسرعة فائقة، وأخبره بأنهم لو لم يتحركوا سريعاً فإن دول الحلفاء سيأسسون دولة كوردستان، فينبغي الإسراع بالقيام بخطة تثبت لهذه الدول أن الكورد والترك قرروا العيش معاً في دولة واحدة لفسخ معاهدة سيفر ونقضها.
قام مصطفى كمال بدعوة شخصية كوردية كان يمثل منطقة “ديرسم” آنذاك، يدعى “حسن خيري” للحضور للبرلمان التركي وقال له: يوم غد تزيّن بالألبسة الكوردية وشارك في جلسة البرلمان التركي لكي تثبت وتبرهن للصحافة والإعلام والبعثات والوفود الدولية أن الحكومة التركية تحترم الشعب الكوردي وتسمح باللغة الكوردية واللباس الكوردي، وأن الكورد أصحاب حقوق وامتيازات مضمونة ومصونة داخل تركيا، وأن الكورد لا يطالبون بالإنفصال عن تركيا وعن إخوانهم الأتراك المسلمين! وأن مصيرهم سيكون واحداَ وعلى أرض واحدة وفي حدود دولة واحدة وأن عامة الكورد قرروا هذا القرار بالعيش في إطار الدولة التركية.
فطالبت زوجة حسن خيري منه عدم القيام بما طلبه أتاتورك والأتراك، بل رجت منه عدم القيام بهذا العمل، قائلة له إن الأتراك ليسوا موضع ثقة، وبالأخص تجاه الكورد، فطالبت زوجته منه عدم فعل الخيانة وممارستها تجاه أمته الكوردية من أجل الأتراك وطلبهم، فمما لابد منه أن النهاية ستكون ندماً! غير أنه لم يسمع لنصيحة زوجته ولم يهتم بها ولبى نداء أتاتورك!
فحضر حسن خيري البرلمان التركي باللباس -الزيّ- الكوردي عدة مرات مردّداً هذه العبارة: “الكورد لا يطابون بالإنفصال عن تركيا” عدة مرات أمام وسائل الإعلام والصحفيين والمنظمات الدولية، كما طالب منه أتاتورك بنشر رسالة عن طريق الإذاعة للعالم وبالأخص الدول المشاركة في معاهدة (لوزان) تأكيد هذا الشيء وإثباته لهم، فلبى حسن خيري لطلب أتاتورك وقام بما طلب منه، وأكد للعالم وممثليه المشاركين في المعاهدة أن كورد تركيا لا يريدون الإنفصال عن تركيا وإنما يطالبون بالعيش سوياً مع الأتراك، وهذا ما تسبب بإرضاء هذه الدول والعظمى منها على وجه على وجه الخصوص بإعلان معاهدة لوزان المعروفة بالمعاهدة المجهضة لآمال الشعب الكوردي والمبددة لأحلامهم.
وبعد إنتهاء كلّ شيء ومعرفة قادة ومسؤولي الدولة التركية وبالأخص مصطفى كمال أتاتورك وتيقّنهم من الإنتهاء من كل شيء أمر باعتقال حسن خيري بتهمة إنتهاك القوانين التركية والإساءة إلى سمعتها والتربص والعداء لها كما إتّهم بحضور جلسات البرلمان الترکي بالزي الكوردي!
ومع إعتراف حسن خيري لهم بأن ما فعله كان بأمر من أتاتورك للحؤول دون إستقلال الكورد، وأنه قام بارسال البرقیات للدول المشاركة في معاهدة لوزان مطالباً منها بإلغاء معاهدة سيفر وفسخها تلك المعاهدة التي دعت إلی حكم ذاتي للكورد واستقلالهم، غير أن كبار مسؤولي الدولة التركية لم يقتنعوا بشيء مما قاله وقدّموه للمحكمة العليا التركية.
وخلال محاكمته أعاد حسن خيري وردّد عباراته السابقة، وفي ردّها على خيري قالت المحكمة بأننا نعلم ما قدمته وقمت به، ونعلم موقفك ودورك البارز في إلغاء معاهدة سيفر وفسخها، كما نعرف دورك في التسبب بالتوقيع على معاهدة لوزان، غير أن قضيتك هي بسبب دخول البرلمان التركي بالزي الكوردي وهذا ما سنحكم بالإعدام عليك بسببه عليك.
وقبل تنفيذ حكم الإعدام عليه أدرك حسن خیري حجم الخطأ والخیانة التي ارتکبها تجاه شعبه الکوردي ولکن قبل فوات الأوان لهذا أوصی الدولة الترکیة بدفنه بعد إعدامه بجانب طریق لیتسنی لکل کوردي یمر بقبره بالبصاق علیه جزاء خیانته لهم! لكي لا يقتدي أحد به بعد موته وأن لا يتأثر به الأجيال بعده، وألّا تثق الأجيال الجديدة بالدولة التركية المحتلة!
وقد إستجابت الدولة التركية لطلبه، وبعد تنفيذ حكم الإعدام عليه دفنته بالقرب من طريق عام ليتسنى لكل كوردي يمر من هذا الطريق أن يبصق على قبره، وفعلاً كلما مر كوردي بهذا القبر بصق عليه فهو من كثرة البصاق عليه لم يجف! ولما رأت الدولة التركية أن قبره أصبح سبباً لتوحيد الكورد ورفع من الشعور القومي للكورد قامت بنبش القبر ونقل جثته لمكان آخر لئلا يتذكر الكورد هذه الشخصية وهذه الخيانة!
هذا هو حسن خيري الشمال! غير أن جنوب البلاد أصبح مليئاً بأمثال حسن خيري الذين يتقمصون الزي الكوردي ويغطون نفسياتهم الدنيئة بها، هذا وحسن خيريي الجنوب أسوأ بكثير من حسن خيري الشمال فهم أصبحوا عصى بيد الدول المحتلة لتبديد الأحلام الكوردية واجهاضها، فقد شعر خيري الشمال بالخزي والعار آخر لحظاته غير أن خيريي الجنوب ليس لهم ملكة الشعور بالذنب أو نداء الضمير! فهم غارقون في الخيانة من دون أي إحساس بها ففي جانب يبيعون الوطن وفي جانب يضيّعون أحلام الشعب بحيث لو تم إعدامهم في اليوم عشرات المرات لما بلغوا جزاءهم العادل والمستحق!