الولايات المتحدة وإيران في العراق .. ماذا بعد التحول الاستراتيجي الجديد؟
الجزء الثاني
اللواء الركن متقاعد: ماجد القيسي
ثانيا: الاستراتيجية الامريكية
تهدف الاستراتيجية الامريكية الى استعادة الدور الأمريكي وتحجيم نفوذ ايران واتباعها من خلال ممارسة الضغوط القصوى والوصول لاستنزاف القوة على المدى الطويل ومن جانب أخر التهديد باستخدام القوة العسكرية دون الانزلاق لمواجهة واسعة مع ايران وحلفائها لكن ايران أطلقت حملة ضغط مضادة ردّاً على سياسة الضغط القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة بهدف حثّ واشنطن على تخفيف العقوبات أو رفعها، وقد استخدمت ايران وكلائها في العراق كما تعتقد واشنطن بلغت الهجمات ما بين اكتوبر ومنتصف ديسمبر عام 2019 احد عشر هجوماً تعرضت له منشآت ومرافق دبلوماسية وقواعد ومعسكرات أمريكية لسلسلة من الهجمات الصاروخية، مستهدفة المصالح والأفرادالأمريكيين دون أن تتبنى أي جهة المسؤولية عن تلك الهجمات لكن واشنطن لم تتخذ أي إجراءات عسكرية «رادعة» رداً على تلك الهجمات التي لم تؤدي إلى سقوط ضحايا امريكيين.
التحول الاستراتيجي
جاء التحول الاستراتيجي الأمريكي بعد سقوط الخطوط الحمراء عبر هجوم 27 ديسمبر عام 2019 ومقتل متعاقد امريكي، الذي اعتبرته الولايات المتحدة الامريكية سقوط خط احمر، وردّت في 29 ديسمبر / كانون الأول بضربات جوية ضد خمس قواعد تابعة للوائي 54 و46 للحشد الشعبي في العراق وسوريا، زعمت أنها استضافت عناصر القيادة والتحكم ومنشآت تخزين الأسلحة المستخدمة في هذه الهجمات، مما أسفر عن مقتل خمسة وعشرين وجرح واحد وخمسين مقاتلاً.
في 31 ديسمبر / كانون الأول حاصرت أعداد كبيرة يتقدمهم ابو مهدي المهندس وقيس الخزعلي السفارة الأمريكية رداً على ذلك، وفي نفس الوقت تم احياء جهود واصدار قرار في البرلمان يدعو لطرد القوات الأمريكية من العراق، ثم حدث ما ما حدث في الـ 3 من يناير 2020، إذ اغتالت الولايات المتحدة سليماني وأبو مهدي واعتبر انه فعل أمريكي غير مسبوق وردت طهران باستهداف قاعدة عين الأسد وحرير في الانبار واربيل.
مع هذه الديناميكية الجديدة تسعى واشنطن تأمين مصالحها أو ضمان وجودها من خلال تحول استراتيجي يرتكز على ما يأتي:
أولاً: الردع:
مارست الولايات المتحدة الامريكية سياسية ضبط النفس ووضعت حدود حمراء حذرت ايران والفصائل المسلحة من تجاوزها، تمثلت بعدم قبول خسائر بشرية في قواتها في وقت تجاوزت الرد على عمليات سابقة مثل إسقاط طائرة الاستطلاع الامريكية RQ4 فوق مضيق هرمز العام الماضي ،ولكن وضعت مصداقية واشنطن على المحك عندما قتل متعاقد امريكي وجرح اخرين قرب كركوك مما استدعى القيام برد في عدة مواقع بشكل مباشر وعلني ولأول مرة، وكان اخطر عملياتها هو اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ، تعتبر عملية اغتيال اهم شخصيتين قيادية بمثابة رد مفرط وغير متوازن دافعت عنه الإدارة الامريكية بانها عمليات استباقية لمنع وقوع مخاطر جسيمة على المصالح الامريكية وان غياب شخصية بوزن قاسم سليماني سوف يؤثر على طهران وستجعلها غير قادرة على وضع استراتيجيات والاستمرار في ديمومة تحالفاتها وتنفيذ حروب غير متكافئة لأنه الوحيد القادر على ادارة استراتيجية ايران العميقة بشكل فعال.
ثانيًا: تفويض الصلاحيات:
قام الرئيس الأمريكي بتفويض بعض الصلاحيات للبنتاغون والقيادة المركزية الوسطى (سنتكوم) لاختيار الرد المناسب على الهجمات وجاء هذا التفويض بعد مقتل جندين امريكيين وآخر بريطاني بهجوم يعتبر الأعنف على قاعدة التاجي يوم 11 مايو 2020، وبالفعل قاد الجنرال ماكينزي قائد (السنتكوم) عملية (صقر الانتقام) يوم 12 مايو 2020 استهدفت خمس مواقع تابعة لكتائب حزب الله العراقي في منطقة جرف الصخر وفي كربلاء والصويرة وتهدف العملية لإثبات مصداقية واشنطن بالردع بالإضافة الى إضعاف قدرات الفصائل المسلحة مثلما يعتقد البنتاغون.
ثالثًا: اعادة التموضع:
بالنظر لزيادة منسوب التصعيد والمخاطر التي تهدد القوات الامريكية يخطط البنتاغون لنقل بعض القوات في العراق من القواعد المشتركة في القائم بالقرب من الحدود السورية، ومطار القيارة الغربي جنوبي الموصل، وربما قاعدة K1 الجوية في كركوك، وتهدف هذه العملية الى حماية القوات في قواعد أكثر تحصينًا وتقليل مساحة انتشارها لتقليل احتمالات استهدافها من قبل فصائل مسلحة داخل العراق.
رابعًا: تعزيز القوة:
اثبتت عمليات استهداف قاعدة عين الأسد في الانبار وحرير في أربيل بالصواريخ البالستية من قبل القوة جو-فضائية التابعة للحرس الثوري الايراني وكذلك استخدام صواريخ الكاتيوشا من قبل فصائل مسلحة انكشاف هذه القوات أمام هذا النوع من الهجمات.
ونتيجة لذلك قامت الولايات المتحدة بالفعل بنقل C-RAMs، أو أنظمة الصواريخ المضادة والمدفعية ومدافع الهاون، إلى العراق وتخطط لإرسال بطاريات باتريوت وتشغيلها لحماية القواعد في عين الأسد وبغداد واربيل ضد الهجمات بالصواريخ البالستية او صواريخ الكاتيوشا.
ان هذه الخطوات تؤكد ان واشنطن لا تخطط للانسحاب من العراق حتى في ظل الضغوط التي تمارسها بعض الكتل والأحزاب والفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
خامسًا: بعد دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحلفاء أمريكا «للانخراط بشكل أكبر في الشرق الأوسط» وافق وزراء دفاع الناتو الشهر الماضي على «تعزيز» مهمة تدريب الحلف الأطلسي في العراق على الرغم من أنه لا يزال يتعين تحديد معالم الدور الجديد لحلف الناتو، فقد أشار الأمين العام ينس ستولتنبرغ إلى أنه قد يتضمن الاضطلاع ببعض المهام التي تقوم بها القوات الأمريكية حاليًا لدعم الوحدات العسكرية العراقية التي تركز على منع عودة تنظيم داعش الارهابي.
بالنسبة للقادة العراقيين في بغداد، فإن وجود قوات أجنبية تعمل تحت راية الناتو قد يثبت أنه أكثر قبولا من الناحية السياسية، خاصة وأنهم يواجهون ضغوطا من إيران لطرد الجيش الأمريكي، أو الحد من عملياتها في أعقاب الضربة الأمريكية بطائرة بدون طيار في 3 يناير والتي أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني.