بقلم الدكتور: عبد الحكيم بشار
في كلّ دول العالم المتقدّم وفي عرف معظم السلطات التي تحترم نفسها وتحترم مواطنيها، معلوم أن طريقة تعاملها سواء في الشارع أو في المعتقلات فيها اختلاف واضح وجوهري بين الشخص الإرهابي وذلك المناضل السلمي، فالشخص الإرهابي الذي يُشكل الخطر على السلطة وعلى المجتمع ككل يُعامل بطريقة حذرة جداً، وقد يستدعي الأمر إلى ممارسة كافة أشكال الضغوطات عليه، وربما حتى ممارسة العنف بحقّه لما ارتكبه أو بغية انتزاع الاعترافات منه، كما قد ينال بعد الإقرار بما اقترفه أقسى العقوبات، بينما المنتمي لحزب ما أو لجمعية ما ونضاله لا يضرّ بالمجتمع ولا يضرّ بالسطلة، فيتمّ التعامل معه بطريقة ودية سواء أثناء الاعتصامات أو المظاهرات في الشارع أو عندما يكون قيد الاعتقال لدى الأجهزة الأمنية، حيث يُعامل برقي تام ولا يتعرّض لأي ضغط نفسي أو جسدي.
بينما الأمر لدى منظومة حزب العمال الكوردستاني وروافده بخلاف ذلك تماماً، إذ أن إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD قامت بإطلاق سراح ألفي إرهابي من تنظيم داعش المعروف في العالم كأعتى منظمة إرهابية شهدها هذا القرن، في الوقت الذي تستمر تلك الإدارة باعتقال نشطاء مدنيين لا يحملون إلاَّ الدفاتر والأقلام من أعضاء ورفاق ومناصري المجلس الوطني الكوردي، بينهم من كبار السن والسيدات!!
وإن دلّ هذا التصرّف على شيء فهو أولاً يدل على أن من يتسنمون مواقع القرار في تلك الإدارة هم مجموعة من الرعاع الذين لا قدرة لهم على التمييز بين المدني والمسلّح، ولا يفرقون بين المطالِب بحقوقه بطرق سلمية ومشروعة وبين ذلك المعتدي على الغير بالعنف وقوة السلاح، بل لعلّهُ دليلٌ على الخواء الفكري للمنظومة التي تستقي إدارة PYD منها أوامرها وعلومها ومعارفها.
وطالما أن المدني المسالِم الذي لا يشكّل نشاطه أي خطر على المجتمع أو على السلطة يُعامل بهذه الطريقة السيئة، بينما يُعامل المجرم بكلّ احترام فلا يُشير هذا التصرف إلاَّ إلى احتمالين، الأوُّل هو أن هذا التسامح الفاقع مع أعضاء منظمة إرهابية دليلٌ على وجود مساحة كبيرة من التخادم بين الطرفين، أي بين تنظيم داعش ومنظومة العمال الكوردستاني المتحكم الفعلي بقرار إدارة PYD.
والاحتمال الثاني هو أن منظومة العمال الكوردستاني لا تعرف شيء عن المدنية والنشاط المدني وأنها بالتالي لا تجيد إلاَّ لغة التهديد والسلاح، حتى أن السلاح الفعلي لتلك المنظومة دائماً ما يكون موجّهاً ضدّ الشعب الكوردي ومصالحه وحقوقه واستقراره، وإذا كانت المرة الوحيدة التي لم توجه تلك المنظومة سلاحها لصدر الكورد هي في حربها مع تنظيم داعش، فبتصورنا أنه لولا أمريكا والتحالف الدولي لما حاربت تنظيم داعش.
أما عن الفلسفة التي يتشدّق بها المنتسبين إلى تلك المنظومة في الشارع وفي الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع فالغرض منها ليس إلاّ تضليل الناس، والعمل على تشويه وعيهم من خلال القوالب والجمل الجاهزة والاستمرار بتخديرهم بسيلٍ من الشعارات التي لا تمت للواقع بصلة، وبالتالي أن الفلسفة التي يتشدق بها كوادر قنديل ومن بعدهم مسؤولي تلك الإدارة هي مجرّد سفسطة خاوية وخالية من أي قيمة أو معنى.