تذكير لـ “دوران كالكان” -1

في الـ 15 من تشرين الثاني -الحالي- قيّم القيادي في حزب العمال الكوردستاني البكك دوران كالكان “عباس” الأوضاع الحالية في المنطقة، وذلك خلال حوار أجرته معه قناة ” Media Nûçe” التابعة للبكك، وقد تكون الأحداث التي أشار إليها كالكان منطقية بنظر من لم يقرأ التأريخ أو لا علم له بحقيقة الأحداث التأريخية أو بالسياسة الدولية، غير أنه جافى الحقيقة وتركها خلف ظهره! لهذا رأينا من الضروري أن نذكّر كالكان بحقيقة الأحداث التي أغفلها -بتقصّد- لكي تكتمل اللوحة التي شوّهها على مرأى ومسمع المشاهدين.

أولاً: فيا ترى هل حقاً هناك قوى تحاول القضاء على البكك وتصفيتها؟!

أهم شيء ينبغي الإشارة إليه هنا هو ما دأبت عليه البكك وتردّده طوال الوقت على مسامع مؤيديها وأنصارها من وجود نظرية المؤامرة، وأن هناك قوى تحاول القضاء عليها وتصفيتها! فهي تحاول بشتى الوسائل إقناع أنصارها بمثل هذه المفاهيم التي أول ما استخدمتها كانت النظم التوتاليتارية كـ “الأعداء الخارجيين”! فقد سلك دوران كالكان نفس الدرب محاولاً إقناع كوادره وأنصاره بوجود مؤامرة دولية تستهدفهم، فقال: هناك مخطط يحاول القضاء على البكك وتصفيتها، بل نستطيع القول بأن هناك مؤامرة لتصفيتنا، وقد شارك فيها كلّ من أمريكا وتركيا والديمقراطي الكوردستاني -البارتي-!

فمنذ سنين والبكك تبذّل كافة جهودها لإبعاد الكورد عن أوروبا، بل تحاول خلق العداوة بينهم كما تحاول خلق العداوة بين الكورد وأمريكا، إذ تهدف البكك إلى إبعاد الكورد عن الاتفاقيات الدولية، كما وتهدف إلى خلق فكرة أنه لا وجود لخيارات أو حلول للكورد خارج تفاهماتهم مع الدول الأربعة المحتلة لكوردستان! من جانب آخر فهي تدير سياسة المظلومية بحجة نظرية المؤامرة وعداوة الكلّ.

والحق أن هذا مجرد وهم تحاول البكك إضفاء خصائص الحياة عليه، فلا أحد في الشرق الأوسط يحاول القضاء على البكك، ولنذكّر كالكان بهذه الأحداث.

لو أرادت البكك القضاء على نفسها وتفكيك تنظيماتها فتركيا هي الدولة الأولى التي ستقف ضد البكك في مسعاها هذا

تركيا هي أول قوة دولية لا تريد تفكيك البكك وانهيارها، بل وحتى إن أرادت البكك نفسها حلّ تنظيماتها وتفكيكها فتركيا ستكون أول دولة تقف ضدها في مسعاها هذا، إذ أن البكك هي المبرّر الرئيسي لتدخلات تركيا في شؤون جنوب كوردستان وغربها والمنطقة وانتهاكها لحقوق الجوار! ونستطيع أن نذكر شنكال مثالاً على ذلك على سبيل المثال لا الحصر.

من جانب آخر، فتركيا تستطيع التحكم بالكورد من خلال البكك، فكما هو معروف أن البكك هو التنظيم الوحيد الذي يُظهر للكورد أن “القومية الكوردية” قضية بالغة الخطورة وعتيقة مضى عليها الزمن! وهي تقف ضد آمال وطموحات الشعب الكوردي في المنطقة، فهي تسمّي مطالبة الكورد بدولتهم القومية بالمؤامرة الدولية ضد الكورد! فكلّما طالب الكورد بدولة كوردية حرّكت تركيا زعيم البكك المسجون لديها (عبد الله أوجلان) لتغيير مسار الأحداث وإعادتها للدرب المنشود تركياً.

فتركيا تحارب الديمقراطية وتضطهدها وتحاول طمسها داخلياً بحجة البكك، وقوات مسلّحي البكك ومقاتليها -كريلا- على حافة الانهيار في شمال كوردستان، فقد انتقص عددهم كثيراً، ولا وجود لأية أنشطة للبكك في أية مدينة تركية، فهي لم تقم باغتيال وزير أو أي قائد عسكري بارز أو محافظ لغاية الآن!

فليست البكك بمثابة تهديد للدولة التركية أبداً، وتركيا تدرك هذه الحقيقة جيداً، وفي الوقت نفسه فجميع كبار قادة البكك يصرّحون بأنهم لا يريدون القضاء على تركيا أو انهيارها أو إضعافها أو القضاء على الجيش التركي…

فتركيا هي أول بلد مستفيد من جميع النواحي من تواجد البكك، ونالت مكتسبات وانجازات عظيمة وراءها، بل نعرف جميعاً أن تركيا تعتبر نفسها ولي الأمر الوحيد للبكك، فحتى لو قرّر حلف الشمال الأطلسي “الناتو” القضاء على البكك وتدميرها فإن تركيا ستكون أول دولة حليفة تقف ضد هذا القرار.

ألا تستطيع أمريكا القضاء على البكك؟!

تُبدي البكك ومنذ بداية ثمانينيات القرن المنصرم الإمبريالية كعدوّة لدودة للكورد، وحسب فهمها أن العالم الغربي والقوى السياسية الغربية دائماً ما تحاول القضاء عليها وتصفيتها، وأن حلف الناتو قد أحاك مؤامرة ضدها، وتحاول أوروبا تدميرها غير أن أوجلان بدهائه وحكمته أحبط كلّ تلك المؤامرات!

فتحدّث كالكان عن هؤلاء الأعداء الإمبرياليين قائلاً: “أرادت أمريكا القضاء علينا غير أنّنا أحبطنا مؤامرتها وخططها وقضينا عليها جميعها!” فكلّ من له أدنى معرفة بالسياسة الدولية والعالمية يعرف جيداً أنه لو أرادت أمريكا وحلف الناتو القضاء على البكك وتصفيتها فهي قادرة عليها في وقت قد لا نتوقعه، بعبارة أخرى، البكك ليست تنظيماً بهذه القوة يستطيع محاربة النظام السياسي العالمي، وليس هناك أي أحد حاول القضاء على البكك أو تصفيتها، بل كلّ ما في الأمر هو أنّها تتلقى الصفعات كلّما اقتربت من إيران أكثر من أمريكا، أو اقتربت من تركيا أكثر من إيران!

فأمريكا لم تحاول القضاء على البكك أبداً، وخير مثال على ذلك، لو أرادت أمريكا القضاء على أوجلان عام 1999 لكانت البكك قد انتهت الآن، وأما بشأن حقيقة العملية الحدودية للجيش التركي في 28 شباط عام 2008 فهي تختلف كثيراً، فقد بدا الجيش التركي عملية الجنوب والبكك سمّتها بمقاومة الزاب وانتفاضتها، والحقيقة مغايرة تماماً لما هو عليه الواقع، فالقوى التي أوقفت هذه العملية التركية إنّما كانت قوّتان رئيسيتان فقط، إحداها الولايات المتّحدة الأمريكية، والثانية هي شخصية الزعيم الكوردستاني مسعود البارزاني الذي قام بتسيير تظاهرات شعبية عارمة في شيلادزي وبامرني للوقوف ضد الزحف التركي، وأما أمريكا فقد حذّرت تركيا خلف الأبواب المغلقة بإيقاف عمليتها العسكرية وسحب قواتها، وقد أورد وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس حقيقة هذه الأحداث في كتابه (الواجب) ” Duty”.

فمنذ 16 كانون الثاني 2007 ولغاية اليوم، ما زالت تركيا تواصل مهماتها الجوية في سماء جنوب كوردستان، وهي لغاية اليوم لم تستهدف أي قيادي بارز في البكك إذ أن أمريكا وإسرائيل لا تمدّانها بمعلومات كافية وحقيقية وغاية في السرية ولا ينوون القضاء على كبار قادة البكك، فأمريكا التي اغتالت قاسم سليماني وأبو بكر البغدادي تستطيع اغتيال الأعضاء المؤسّسين للبكك.

نعم، رصدت أمريكا جوائز مالية لمن يدلي بمعلومات عن كلّ من جميل بايك ومراد قريلان ودوران كالكان، بحيث بلغت قيمة هذه الجوائز ملايين الدولارات، وأظهرت البكك مظلوميتها ومغدوريتها في هذه النقطة، ولكن ليكن في الحسبان أنه وبالتحديد في الـ 6 من تشرين الثاني 2018 وعندما تمّ الإعلان عن هذه الجائزة، كان كالكان يشرف على عقد المؤتمرات لكوادر البكك في منطقة رميلان بغرب كوردستان أي بالتحديد في المناطق الخاضعة للقوات الأمريكية وحمايتها! ولمزيد من العلم أن كالكان كان قد توجّه لغرب كوردستان بمروحية هليكوبتر أمريكية!

يا ترى هل يريد الحزب الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- القضاء على البكك وانهيارها؟!

لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن البكك ومنذ 1983 تعيش على وجود الديمقراطي الكوردستاني ومرهونة به، وأن العلاقات بين الحزبين موضوع تقييمات تأريخية هامة، غير أننا هنا لن نتناول هذا الجانب ولن نناقشه، غير أن البارتي هو من حرّر البكك وأنجتها من أنياب الإتحاد الوطني الكوردستاني وإيران عام 2000، وكذلك من أنجا البكك من العملية العسكرية التركية الموسومة بـ”الزاب” عام 2008 كان البارتي لا غيره من القوى الكوردستانية، فالبارتي لم يقطع السبل عن البكك في الحصول على المساعدات اللوجستية والغذائية، ولم يقطع عنها حركة المرور أو قام بعرقلتها أمام تحركات وتنقّلات البكك، والبارتي قادر على قطع امداد البكك بالمؤن والمساعدات بل وحتى الغذاء في هذه اللحظة، غير أنه لم يفعل ولن يفعل، فقد أطاق البارتي ممارسات البكك وتحمّلها بصدر مفتوح غير أنها أيضاً ليست موضوع كتابتنا هنا، وعلى رغم كلّ ما مرّ ما زالت البكك تحارب البارتي بشتى الوسائل غير أن البارتي لم يرد ولن يردّ بمهاجمتها.

ودوران كالكان يعلم تفاصيل هذه الأمور جيداً، فقول كالكان بأن هناك مؤامرة تستهدف وجود البكك أو ما تُسمّى بـ”نظرية المؤمرة” إشاعة لا تستند إلى أية أسس صحيحة وسليمة وواقعية، لذا أردنا تذكير كالكان أنه ليس هناك شيء من هذا القبيل وأنت تعلم ذلك جيداً.

مقالات ذات صلة