يصادف اليوم الذكرى الـ 35 لرحيل المناضل الخالد وأيقونة السلام إدريس بارزاني الذي يصفه أعدائه قبل رفاقه في درب النضال والكوردايتي بأنه مهندس السلام والتعايش والوئام، حيث عمل خلال فترة نضاله وكفاحه المسلح من أجل وحدة صف والبيت الكوردي ونبذ الخلافات بهدف تحقيق الأهداف العليا للحركة التحررية الكوردستانية، ذلك المناضل العتيد المقدام الذي كرّس كل حياته من أجل قضية شعبه الكوردي والكوردستاني.
فليس من الممكن بحال قراءة تاريخ المنطقة والعراق والحركة الكوردية تحديداً، من دون تسليط الضوء على شخصية إدريس بارزاني الذي حلّت ذكرى رحيله الـ 33، بالنظر إلى الادوار التي لعبها في أيام الحرب والسلم، على صعيد الساحة الكوردية والعراقية والإقليمية.
ولد إدريس بارزاني في 1944 بقصبة بارزان، وكان في الثالثة من العمر عندما قامت السلطات العراقية آنذاك بترحيله مع عائلته إلى وسط وجنوب العراق، فعاش حياة صعبة بعيداً عن مسقط رأسه لـ 11 عاماً، لكن تلك الحياة الصعبة لم تمنعه من التعلم والتعلق بالقراءة والمطالعة حتّى لقّب بـ “مهندس المصالحة”.
وتشير العديد من محطات سيرة حياة ادريس بارزاني، إلى أنه لم يكن شخصية عادية، سواء وهو ينهل من إرث والده الملا مصطفى، أو وهو يعاني كغيره من الكورد والعائلة البارزانية خصوصاً، من تحولات التاريخ ومؤامراته، أو وهو يمتشق السلاح في العام 1961، دفاعاً عن أهله وشعبه، ولا حتى وهو يتحول بالفعل إلى مناضل من أجل السلام الكوردي، أو الى مفاوض يستحق معه أن يطلق عليه لقب “الدبلوماسي الكوردي الأول”.
ولم تنتظر انعطافات الحياة كثيراً على هذا الشاب اليافع وقتها، فحين اندلعت الثورة -ثورة أيلول- وتحديداً في أيلول 1961، حيث ترك مقاعد الدراسة لحمل السلاح نصرة لأهله بعد تراجع عبد الكريم قاسم عن تعهداته، وكان بذلك من اوائل المقاتلين البيشمركة الذين حملوا السلاح، وقاد بعدها العديد من العمليات بما فيها معركة هندرين (1966).
ولان القتال لم يكن هدفاً، فإن ادريس بارزاني لعب دوراً أساسياً في محادثات العام 1970 والتفاوض حول بنود اتفاقية 11 اذار، ويشير مايكل غونتر في كتابه “القاموس التاريخي.. الكورد”، إلى أنه عندما سافر ادريس بارزاني إلى بغداد للتفاوض مع “صدام التكريتي” في الثامن من آذار 1970 في مهمة لـ 24 ساعة، كان ناشطو الحزب الديمقراطي الكوردستاني قلقين على حياته، كما أن كثيرين عارضوا زيارة التفاوض التي سعى إليها إدريس بارزاني.
لكن تلك المفاوضات جلبت اتفاقاً، وهذا جوهر ما كان يسعى إليه إدريس بارزاني الذي يوصف بأنه أحد مهندسي الاتفاقية، صحيح أن الاتفاقية لم تعمر طويلا مع توصل شاه إيران محمد رضا بهلوي و”صدام التكريتي” إلى ما عرف بـ”اتفاقية الجزائر المشؤومة”، وانقلاب كل من الشاه وصدام على الوعود الممنوحة للكورد، إلا أن ذلك كان بعلم الغيب، وكان إدريس كعادته يراهن على أن يكون التفاهم سيد المواقف وتغليب السلام على لغة الحرب وهو يسجل له أنه بذل جهوداً واسعة من أجل تعزيز العمل بالاتفاقية على الساحة الكوردية برغم وجود أصوات معارضة.
بعد نكسة 1975، كان إدريس البارزاني يصر دائماً على لزوم عودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم في جنوب كوردستان -إقليم كوردستان حالياً.
توفي إدريس البارزاني في 31 كانون الثاني 1987 في بلدة (سليفانا) التابعة لمدينة أورمية في شرق كوردستان، ووري الثرى إلى جانب والده مصطفى البارزاني في مدينة أشنوية، وبعد انتفاضة 1991 أعيدت رفاتهما إلى إقليم كوردستان ليواريا الثرى في بارزان.