ظهرت الإخفاقات السياسية والهزائم العسكرية المتتالية لحزب العمال الكوردستاني PKK في الأشهر الأخيرة بوضوح على الساحة وأمام مرأى الشعب والرأي العام الكوردي، وهذا ما أماط اللثام عن العديد من الأحداث، كما أن الرسائل المشفّرة لتنظيمات الـ PKK الموجّهة للدولة التركية كانت خير دليل وبراهين على حقيقة هذه الانتكاسات والإخفاقات.
فبعد إطلاق الدولة التركية للعملية العسكرية (المخلب-القفل) ضد تحركات ومعاقل الـ PKK في المناطق الحدودية لإقليم كوردستان، نيسان الماضي، تلقّت هذه التنظيمات ضربات موجعة، فخسرت العشرات من القادة الميدانيين والمئات من عناصر الگريلا، ليس في الإقليم فحسب، بل في غربي كوردستان-كوردستان سوريا وشمالي كوردستان-كوردستان تركيا أيضاً، هذه الخسائر والإخفاقات العسكرية أثّرت بشكل مباشر على الجبهة السياسية للـ PKK بحيث أوصلت هذه التنظيمات لحافة الانهيار ما جعلتها ترجو وتأمل من الدولة التركية إحياء عملية السلام والحلّ وبعثها من مرقدها من جديد، فأصبحت الرسائل التي بعثتها الـ PKK عن طريق صلاح الدين دميرتاش حول السلم ومسالة إلقاء السلاح أصبحت هذه الرسائل تكفي لأن يدرك الإنسان حجم الكارثة التي أحاطت بهذه التنظيمات والمشاكل العويصة التي تراكمت حولها.
القطة المغمضة العينين!!
أثارت وسائل الإعلام الرسمية لحزب العمال الكوردستاني PKK يوم أمس الأحد 2022/10/16، موضوعاً تحت عنوان (تركيا والـ PKK وإقليم كوردستان) تحدّثت فيه عن سلطة حزب العدالة والتنمية الحاكم AKP للـ 20 سنة المنصرمة، وعملية الحلّ والسلام ومعاهدة صبري أوك وجلال طالباني، كما بعثت من ثنايا المقال ووراء أسطره رسالة للزعيم الكوردي مسعود بارزاني.
تحدّث المقال عن عملية الحلّ والسلام التي أطلقها حزب العدالة والتنمية الحاكم AKP عامي 2004-2005، غير أن هذا الأمر جاء متأخراً جدّاً، وذلك عقب حرب وقتل لـلشعب الكوردي لـ 10 سنوات متتالية، كما اٌقرّ المقال باجتياز هذه المرحلة رغم العديد من الخسائر البشرية، وأن التنظيم بقى، بعدها تحدّث المقال عن دور جلال طالباني واتفاقيته مع صبري أوك، غير أن المقال لم يتطرّق إطلاقاً إلى محاولات الزعيم مسعود البارزاني الرامية لإرساء عملية السلام وإحلاله عام 2013، كما بعثت الـ PKK في ثنايا المقال رسالة للرئيس بارزاني قالت فيها إنه: “باستطاعة البارزاني التوسّط بين الـ PKK و AKP وبين إمرالي وأنقرة وخلق فرص مبادرات السلام، وعقد المؤتمر الوطني وتحقيق الوحدة الوطنية” كما أضاف المقال بأن الـ PKK لم تغلق باب السلام بشكل تام.
المقال الذي نشره قسم اللغة الكوردية-اللهجة السورانية لوكالة ANF أبدى حزب العمال الكوردستاني PKK كالقطة المغمّضة العينين-كناية عن ناكري الجميل والفضل- والحقيقة كذلك، حيث لعبت الـ PKK دور القطة المغمّضة العينين، والناكرة للفضل والجميل، فتحدّث المقال عن محاولات جلال طالباني منذ عام 1993 وحسب قولها أنها حرّكت ملف السلام بين (ئابو وتوركوت أوزال) كما تحدّث المقال عن محاولات AKP عام 2004-2005 ومعاهدة صبري أوك وجلال طالباني، في الوقت الذي لزم المقال الصمت والسكوت ولم ينطق ببنت شفة عن محاولات الرئيس بارزاني الرامية لتحقيق أكبر عملية سلام في عموم تركيا والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2013 وأجهضتها الـ PKK ووأدتها عام 2015 بقتل شرطيين تركيين وتفجير سيرة إسعاف!
اللجوء للبارزاني في الأوقات الصعبة والملمّات فقط…
كانت لمحاولات بارزاني والقيادة الكوردستانية لإقليم كوردستان عام 2013 وتحقيق أكبر عملية سلام في تركيا تأثيراً كبيراً على شمالي كوردستان-كوردستان تركيا وإقليم كوردستان، فالأوضاع تغيّرت تماماً نحو الأحسن والأفضل، وأبدت السلطات التركية سياسة بالغة اللين وشديدة النعومة تجاه القضية الكوردية، وانتشر السلام وعمّ الاستقرار عموم كوردستان تركيا لعامين متتاليين، إلا أن الـ PKK احتنقت من هذه الأوضاع التي خلقت وأُجدت بفضل البارزاني خوفاً من نظرة الشعب الكوردي عموماً وبالأخص شعب كوردستان تركيا بنظرة الزعيم والقائد ومهندس السلام للزعيم الكوردي مسعود بارزاني واعتباره زعيماً ومرجعاً وقائداً لعموم كوردستان، وفي الوقت نفسه تأثيراتها على الدولة التركية وممارسة أشدّ الضغوطات عليها ليتمتّع الشعب الكوردستاني بكامل حقوقهم في كوردستان تركيا-شمالي كوردستان.
بعدها، مرّ عامان، برّرت الـ PKK ممارسات الدولة التركية في إبادة الشعب الكوردي من جديد، أجهضت عملية السلام والحل القائمة آنذاك، وذلك عندما قامت هذه التنظيمات بتفجير سيارة إسعاف عام 2015 ذلك الحادث الذي أسفر عن مقتل شرطيين تركيين في شمالي كوردستان-كوردستان تركيا، وقلّب الأوضاع راساً على عقب، النتيجة كانت اندلاع حرب الخنادق ومعايشة أسوء كوابيس الحرب الإبادية ضدّ الشعب الكوردي، تلك الحرب التي دمّرت مئات القرى الكوردية في كوردستان تركيا وهجّرت مئات أخرى، لم تكتفي الـ PKK بذلك فبعد انتكاستها العظيمة فيما تسمّى بحرب الخنادق سلطّت ضوء عدساتها على إقليم كوردستان، تعاهدت مع دول الاحتلال وتحالفت معها لإضعاف إقليم كوردستان والقضاء على الكيان الكوردي الوحيد المحرّر على وجه الأرض، استهدّفت الـ PKK الحزب الديمقراطي الكوردستاني وشخصية الزعيم مسعود بارزاني وهي ما زالت تواصل محارتهما وتزاول سياستها القذرة والنتنة هذه لغاية كتابة هذه الأسطر…
كيف كافأت الـ PKK الزعيم بارزاني؟!
لو اختصرنا الحديث وتساءلنا: ما الذي فعلته هذه التنظيمات خلال السنوات العشر الأخيرة في إقليم كوردستان؟ فالإجابة غاية في السهولة وهي كالتالي: (قامت بـالاعتداء على بيشمركة كوردستان واستشهادهم، وحرق قرى إقليم كوردستان وتهجير القرويين منها، وتحويل العديد من المناطق الآمنة في إقليم كوردستان إلى ساحة حرب مفتوحة مع الدولة التركية ومناطق عسكرية وتسليمها بل وإهدائها فيما بعد للدولة التركية على طبق من ذهب، تسليم المناطق الاستراتيجية وقمم الجبال الشامخة وإهدائها لعساكر الأتراك، اعتقال واختطاف وتغييب المدنيين الأعزل وتعذيبهم شتى صنوف التعذيب، فرض الإتاوات والضرائب على الشعب الكوردي البائس، باختصار أصبحت الـ PKK وجع الرأس لإقليم كوردستان…) عدا ذلك لم تمرّ أية فرصة دون محاولاتها القيام بمحاربة البارزاني واستغلالها في عداوته والديمقراطي الكوردستاني وحكومة إقليم كوردستان بل والاستعانة والاتفاق مع العدالة والتنمية الحاكم AKP وحزب الحركة القومية MHP وممارسة أبشع السياسات وأقذرها تجاه محاولات البارزاني في تحقيق عملية السلام والحلّ في تركيا عام 2013.
ماذا أرادت الـ PKK من البارزاني؟
واليوم، وبعد وقوعها في المشاكل واتغماسها في المصائب، وتذوّقها انتكاسة وراء انتكاسة وابتلائها بهزيمة تلو الأخرى والاخفاقات السياسية والعسكرية المتوالية التي ألمّت بها، جاءت الـ PKK اليوم تحاول إخبار الشعب بأن البارزاني لم يبذل أية محاولات أو مجهود لتحقيق السلام، ولم يتخطّى بأية خطوة في هذا المجال! وتحاول إقناعهم بأن البارزاني لو أراد القيام بهذا الدور فباستطاعته تحقيق هذا الشيء، وأنه لو انخرط في هذه العملية فإن قنديل على أتمّ الاستعداد للتعاون معه! وأن باستطاعة البارزاني خلق فرصة جديدة بين AKP و PKK وبين إيمرالي وأنقرة وتحقيق سلام كما باستطاعته عقد المؤتمر القومي الوطني وتحقيق الوحدة الوطنية.
باختصار، الـ PKK تنظيم لا يأبه سوى لمصالحه ولا يتحرّك سوى وفقها، يحرّف التأريخ ويزيّفه وفق مصالحه، يشوّه حقيقة الأحداث ويحرّفها متى ما أراد وكيفما أراد، فمحاولات البارزاني في 2013 لإحلال السلام ليست ببعيدة، ولم ينساها الشعب الكوردي إطلاقاً، فما زالت مشاهد رفع علم كوردستان في ئامد معلّقة في أذهان الشعب الكوردستاني وكلّ كوردي وطني مخلص، فالـ PKK لم ولن تقدر من الحطّ من دور البارزاني ومواقفه الوطنية المخلصة كما لا تقدر على ترجمة نوايا البارزاني تجاه إحلال السلام وحلّ القضية الكوردية أمام الشعب.