زيارة رئيس حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني (بافل طالباني) لغربي كوردستان-كوردستان سوريا، وانتشار صوره مع الوجه الإعلامي لروج آفا (مظلوم عبدي) وكبار شخصيات ما تسمّى بالإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت محطّ جدل بين الكورد، ذلك لأن وسائل إعلام البكك أبدت الصورة وكأنها جزء من مشروع (الوحدة الوطنية) ووحدة الصف الكوردي، وبالأخص لمن لا يعرفون على أية نار مستعرة تغلي محافظة السليمانية بإقليم كوردستان، وما الذي يعصف بهذه المدينة في ظلّ الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولا يدركون كنه وحقيقة مثل هذه الزيارات في هذا الوقت بالذات.
والحق أن زيارة رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني لغربي كوردستان-كوردستان سوريا، إنّما جاءت من أجل تحقيق هدف واحد، تمثّل في التغطية على المشاكل الداخلية والصراعات والخلافات التي عصفت بالاتحاد الوطني في السليمانية.
التكتيك القديم للاهور شيخ جنكي: تبرئة الذات بغربي كوردستان-كوردستان سوريا!
تكتيك طالما مارسه الرئيس المشترك السابق والمطرود من صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني لاهور جنكي، فقد كان يشارك بافل طالباني في قيادة الاتحاد الوطني غير أنهما أسلّا سيفيهما لبعضهما البعض، فعندما كان لاهور يمرّ بظرف عصيب وفترة عصيبة، أو يقع في مشكلة عويصة أو معضلة حقيقية، كان يقوم بزيارة لغربي كوردستان-كوردستان سوريا، ويلتقط صوراً مع كبار القيادات الحزبية والعسكرية هناك، أمثال مظلوم وغيره، وينشرها على وسائل الإعلام، فحتّى عندما طُرد لاهور من الاتحاد الوطني الكوردستاني حاولت زوجته تزيين صورته وتجميلها، فنشرت صوره مع مظلوم عبدي في محاولة منها للتأثير على الراي العام الكوردي، والإظهار بمظهر البراءة، إلا أن هذا لم يكفي لتبرئة ساحته وحفظ ماء وجهه، فلا يُدرى هل ستنفع مع “بافل طالباني” أم لا؟!
يخطو بافل طالباني خطوات بالتنسيق مع شقيقه قوباد طالباني، خطوات من شأنها تصعيد قضية عزل محافظة السليمانية وتعقيد أوضاعها، وكانت الخطوة الأولى في هذا المجال هي حرمان الكوادر والقيادات الوطنية في الاتحاد الوطني الكوردستاني وتهميشهم، فالاتحاد الوطني أصبح يعيش حالة بركان قد ينفجر في أية لحظة! فحزب العمال الكوردستاني بكك قد هيمن على مناطق رانيه وقلادزي وجوارقورنه والمناطق الجبلية الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني في محيط محافظة السليمانية بإقليم كوردستان، كما قيّدت من تحركات وتنقّلات كوادر الاتحاد، وأثارت مخاوفهم، وقتلت الجرأة فيهم، بحيث نستطيع القول إن الاتحاد الوطني الكوردستاني قد فقد تأثيره الحزبي وسطوته ونفوذه في مناطقه تقريباً.
كما خلقت مسألة ترشيح بافيل طالباني لرئاسة الحزب، وخسارة برهم صالح لترشحه لمنصب رئيس الجمهورية العراقية رغم إصرار القيادة الجديدة للاتحاد على ترشّحه، كلّ هذه العوامل خلقت حالة يأس وعدم رضى لدى عموم أنصار الاتحاد وأتباعه.
وهاب حلبجيي قاتل العقيد هاوكار الجاف، جنباً إلى جنب مع مظلوم عبدي!
ممارسات بافل طالباني الرامية لتصفية معارضيه في صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني على غرار العصابات المافياوية، خلقت حالة من القلق والرعب لدى أعضاء الحزب وكوادره، وجعلت مكانته في مهبّ الريح في أطر الاتحاد، وعلى رأس هذه الأحداث مقتل العقيد هاوكار الجاف بتفجير عبوة ناسفة عن بعد بسيارته في العاصمة أربيل، حينما كان برفقة عائلته زوجته وأطفاله، هاوكار الجاف، كان مسؤول قوات مكافحة الإرهاب للاتحاد الوطني الكوردستاني، قبل عامين، انشقّ عن صفوف الاتحاد وترك وظيفته وفرّ هارباً للعاصمة أربيل، بعد مقتله والقبض على قتلته من قبل حكومة إقليم كوردستان، اعترف قتلته أنهم كُلّفوا بهذه المهمة من قبل استخبارات الاتحاد الوطني وقائد جهاز مكافحة الإرهاب للاتحاد، ومن بين من الأسماء التي كشف قتلة هاوكار عنهم اسم (وهاب حلبجيي) الذي ظهر برفقة مظلوم عبدي خلال زيارة بافل طالباني له!
من بين الوفد الذي رافق بافل طالباني في زيارته لغربي كوردستان-كوردستان سوريا، وهاب حلبجيي، والذي كلّف هؤلاء القتلة بتفجير سيارة هاوكار الجاف مع عائلته وأطفاله بدون تردّد! فيا تُرى كيف تكون نوايا بافل سليمة والحال أنه يأوي هذا القاتل تحت شعار وحدة الصف الكوردي والوحدة الوطنية!
الصراعات والانشقاقات داخل الاتحاد الوطني الكوردستاني
هذ ليس بالجريمة الأولى التي يرتكبها بافل طالباني، ففي 25 تشرين الثاني 2021، لقي قيادي مقرّب من لاهور جنكي يُدعى (مراد كاني كورديي) مصرعه في هجوم استهدف سيارته، فباتت الشكوك تحوم حول بافل طالباني واستخبارات الاتحاد الوطني (دزكاي زانيارى) عموماً، وبعد مرور عام من الحادث، وبالتحديد في تشرين الثاني 2022 أدلت عائلة (مراد كاني كورديي) ببيان قالت فيه: “منذ عشرات السنوات ونحن كوادر ضمن أطر الاتحاد الوطني، ولا نقبل جريمة قتل ابننا، ونعلن انشقاقنا عن صفوف الاتحاد الوطني” والتحقوا بصفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني-البارتي.
بعدها، عُلم أن عائلة مراد كاني كوردي ليست العائلة الوحيدة التي تركت صفوف الاتحاد وانشقّت، بل قامت العديد من العوائل والشخصيات بالابتعاد عن الاتحاد والانشقاق من صفوفه.
الهروب من السليمانية…
يًذكر، أن الاتحاد الوطني الكوردستاني يمارس سياسة الترهيب والتضييق والاختناق والضغط بشكل يومي، وبالأخص تجاه أصحاب الثروات والمصانع من جماعة لاهور جنكي أو من تربطه علاقة به، ومارست سياسة التحجيم والتأطير بحقّهم، وعرقلت سير مشاريعهم بشتّى الوسائل، بل وصل الأمر إلى أن يقوم بافل بطرد من لا ينصت له ولا يستمع له من المجال الاقتصادي في السليمانية.
أصبحت الضائقة الاقتصادية وليدة رحم سياسة الاتحاد وزعيمه بافل طالباني، وتقليص المصانع وتخفيض أعداد أصحاب الحرف في السليمانية من المخاطر التي تهدّد محافظة السليمانية، وتوقف الإنتاج والاستثمار في محيط السليمانية، بل تعدّى الأمر ليقوم أصحاب المصانع والمعامل ببيع مصانعهم ومعاملهم وأملاكهم ومغادرة السليمانية والتوجّه لأربيل.
فوصل الأمر بأشخاص أمثال (ملا فاروق) والذي يعتبر صندوق الاتحاد الوطني الكوردستاني وخزينته، بأن يقوموا بسحب أموالهم وإرسالها خارج البلاد.
هل سيناقش بافل طالباني قضايا الاقتصاد في غربي كوردستان-كوردستان سوريا؟!
يُذكر أن شركة (قيوان) المملوكة لـ (برهم صالح) تتاجر منذ أمد طويل في كوردستان سوريا-غربي كوردستان، بحيث وصل الأمر إلى انتشار أنباء مفادها أنه يتمّ بيع نفط غربي كوردستان-كوردستان سوريا عن طريق شركات الاتحاد الوطني وبرهم صالح بطرق غير قانونية وغير شرعية، ويخمّن أن زيارة بافل طالباني تأتي في إطار تجديد العقود التجارية السرية مع كبار المسؤولين هناك.
كما أن هناك مخطّطاً مشتركاً لكلّ من الاتحاد الوطني الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني بكك، للقيام بخطوة سياسية مشتركة تحت شعار وهمي باسم (المؤتمر الوطني) أي بمعنى أن زيارة بافل لمظلوم عبدي وغربي كوردستان-كوردستان سوريا هي لتوسيع هوة الخلافات والتقسيم وتضليل الشعب وخداعهم، وأن القضية ليست متعلقة بالوحدة الوطنية إطلاقاً.
لهذا، فمن الخطأ أن نسعد ونسرّ بالصور والمشاهد التي انتشرت على وسائل الإعلام، والتي تظهر أن الكورد يجتمعون معاً! فهذا ما يظهر للعيان والمخفي وراء الأستار أعظم، فما وراء الستار يثبت أنهم قتلة الكورد بل قتلة رفاقهم دون رحمة أو أدنى تردّد أو خوف! نعم، يمارسون القتل والترهيب والتهريب، ويعرقلون سير عمل القضاء من أن يأخذ مجراه الحقيقي، والحقيقة الساطعة الأخرى هي أن الاتحاد الوطني الكوردستاني يمزّقه الخلافات والصراعات الداخلية، وأنه ليس موحّداً متّفقاً في داخله فكيف سيوحّد الكورد أو يقود مشروع الوحدة الوطنية؟! إلّا أن الشيء الوحيد الذي ستحقّقه هذه الزيارة هو تقوية الاتحاد الوطني في السليمانية بشكل أكبر وتعقيد الأوضاع في المدينة بصورة أكبر منها من ذي قبل…