نداء لقيادة الاتحاد الوطني… هل تعرفون ماذا يحدث في السليمانية؟!

قبل أيام، انتشر خبر على وسائل الإعلام مفاده مقتل امرأة من البكك في السليمانية، والحق أنها ليست المرة الأولى، فهي الشخصية الرابعة التي فقدت حياتها منذ عام في السليمانية، وكذلك تتواصل الغارات الجوية على محيط السليمانية دون انقطاع، وكأنها مدينة كازابلانكا، تستيقظ على أنغام الانفجارات اليومية، ولو نظرنا عن كثب لوجدنا أن السليمانية تواجه اضطرابات خطيرة، بحيث نستطيع تلخيص هذه الاضطرابات بـجملة وهي أن (البكك تحفر قبر الاتحاد الوطني، أمام أنظارهم، ووسط تجاهلهم لهذه الحقيقة للسف الشديد).

وجود جناح البكك داخل الاتحاد الوطني الكوردستاني

منذ تسعينيات القرن الماضي، لم يتوانى إصرار البكك من قصّ أحد أجنحة الاتحاد الوطني، فكان زعيم البكك أوجلان قد كلّف جميل بايك بهذه المهمّة، وكان بايك يحاول بداية البدء من الدكتور فؤاد، في محاولة منه لبتر إحدى أجنحة الاتحاد.

لم يقدر جميل بايك على تحقيق مهامه خلال التسعينيات، لغاية ما بعد عام 2010، حيث استطاع آنذاك صنع جناح له داخل الاتحاد عوض قضم أحد أجنحته، وهذا موضوع لا طائل تحته، إلا أنه يمكننا القول بأن الاتحاد الوطني تلقّى ضربة موجعة خلال انتخابات مجالس المحافظات في أيار 2014، كما تقلّصت نسبة أصواتها في الانتخابات البرلمانية، آنذاك اشتدّ مرض المرحوم مام جلال، وتدهورت أوضاع الاتحاد، وفشل في خوض غمار الانتخابات، فقيادة الاتحاد لم تكن مستقرة، الاضطرابات والفوضى السياسية والنفسية في أطر الاتحاد فتحت الأبواب أمام البكك لاختراق منظومته وهيكلته آنذاك.

تحت شعار (تقديم الدعم والعون للاتحاد) ظهرت البكك على الساحة بشكل لافت، وتوغّلت بقوة في صفوف جماهير الاتحاد وشعبيته، بعد عام 2012، أصبحت البكك وبشكل رسمي جزءاً لا يتجزّأ من أجندات إيران في الشرق الأوسط

استطاع بايك تأسيس مجموعة له داخل الاتحاد عن طريق علاقاته الخاصة، فأسماء أمثال ئاريز عبد الله ووَستا رسول… ضمن المستوى القيادي لبيشمركة الاتحاد ينصتون لجميل بايك، ويأتمرون بأمره ولا يستمعون لقيادة الاتحاد.

وبالأخص خلال عهد لاهور جنكي، عندما كان رئيساً مشاركاً للاتحاد، فأثّرت البكك على كافة مفاصل الاتحاد وعموم مؤسّساته كالإعلام والثقافة والنقابات وقوات البيشمركة والنظام العام والمجال الاقتصادي…

الاتحاد الوطني يحمل عقرباً في جيبه

غضّ أعضاء الاتحاد الطرف عن ممارسات البكك نتيجة عداوتهم للديمقراطي الكوردستاني-البارتي

استمر الوضع لما بعد حقبة لاهور جنكي، والحق أن غالبية كوادر وأعضاء الاتحاد الوطني ساندوا البكك وآزروها لعداوتها للبارتي.

للأسف… لم يروا أن (البكك تهاجم البارتي من السليمانية، هذه حقيقة، بل على العكس، سرّ أعضاء وكوادر الاتحاد أن “البكك يلحق ضرراً بالبارتي” إلّا أن هذه سعادة فارغة خاوية، فالحقيقة أن المتضرّر من هذا هو الاتحاد الوطني نفسه، فالاتحاد يحمل عقرباً في جيبه دون أن يعرف أنه سيلدغه في وقت ما دون شكّ).

وهب الاتحاد كلّ ما يملك للبكك، وعندما يحاول الاتحاد نيل أية مكاسب أو تعويضات من البارتي، يشارك البكك ويشاطرها في قوته، من جانبها، كانت البكك تنظّم نفسها كبديل للاتحاد في السليمانية، وهذا ما جعل المدينة تتعرّض لموجة اضطرابات أمنية واقتصادية هدّدت استقرارها نتيجة ازدواجية السلطة، والآن، بات يُنظر إلى السليمانية كقاعدة ومعقل للبكك، ونظراً لتصنيف البكك على لوائح الإرهاب الدولية، فإن السليمانية ستفقد سلطتها بسبب تواجد البكك وتمركزها فيها.

في كلّ حيّ من أحيائها منزل… وفي كل جبل من جبالها فرقة للبكك

تملك البكك في كلّ حيّ من أحياء السليمانية منازل علنية وسرية، حيث يتواجد كوادرها في عشرات المباني في المحافظة تحت أسماء ومسمّيات مختلفة، كالإعلام والدبلوماسيين والاقتصاد والاستخبارات وغربي كوردستان-وشرقها وشمالها، والمرأة والرجل والشبيبة والسياسة والرياضة والأكاديميين… إلخ، ووفق أقوال أهالي السليمانية أنه ليس بالإمكان حتى زيارة مراكز التسوق والمطاعم والمتنزهات دون التعرّض لكوادر البكك.

هؤلاء يطلقون التهديدات لمن انشقّ عن البكك من إقليم كوردستان، هنالك المفقودين، والمعتقلين والمختطفين من جانب البكك، وأحد هؤلاء الذين اعتقل من جانب البكك هو (زكي جلبي) الذي أغتيل في 19 أيار 2022 في السليمانية.

على قادة الاتحاد ألّا ينسوا مسيرة مام جلال ومواقفه

يعدّ تنظيم البكك لصفوفها في السليمانية وضعاً خطيراً للمدينة والاتحاد على حدّ سواء، نعم، لم يطلب أحد من الاتحاد مواجهة البكك ومحاربتها، فكان مام جلال أعرف الناس بمواقف البكك القذرة تجاه مخالفيها ومحيطها وغيرها ممّن له علاقات من البكك من الأحزاب والحركات الكوردية.

المرة ليست الأولى التي تتحوّل فيها السليمانية لإحدى قواعد البكك، فهذا المخطّط بدأ تدريجياً منذ عام 1993 ولغاية 1999، واستقرّت أسماء مثل جميل بايك أيضاً في السليمانية، وكانت لها العشرات من المراكز الثقافية والفنية والمستشفيات وعشرات الأنشطة والفعاليات كما الآن، كانت البكك آنذاك أيضاً تداهم منزل معارض لها في حين تقوم بحماية آخر؛ لإثارة الخلافات والمشاكل الداخلية للاتحاد، كانت تزاول عمليات اختطاف الأطفال الصغار وتعاقب الشعب…

إلّا أن كلّ شيء تغيّر بعدها، فاعتقل أوجلان، وصدرت التعليمات التركية للبكك بالاعتداء على الاتحاد ومهاجمته، فأوقعوا بيشمركة كوردستان شهداء، وانقلبت على الاتحاد وحاربته.

عام 1999، شرع مام جلال بخطوة إخراج البكك من السليمانية، فحذّر البكك، فقامت هي الأخرى بمهاجمة بيشمركة الاتحاد، ولم يسمح مام جلال بعد عام 1999 بفتح أية مؤسّسة تابعة للبكك في السليمانية، كما لم يسمح بتواجد أي بككي في المدينة.

رغم ادّعاءاتها المستمرة بوجود علاقات جيدة ومميزة لها مع مام جلال، إلا أن مام جلال لم يسمح لها بالبقاء في السليمانية، والحقيقة الوحيدة هي أن مام جلال كان يمسك بلجام البكك ويسيطر عليها.

عام 2000، شنّت البكك هجوماً مفاجئاً على بيشمركة الاتحاد في قرية (علي رشيَ) الهجوم أسفر عن سقوط عشرات البيشمركة شهداء، استخدمت ألفاظ قبيحة بحقّ مام جلال على إذاعات الراديو كـ (الفاحش السياسي) حتى قام آنذاك شيركو بيكس وقال كلامه الشهير على إذاعات الاتحاد: “لو كان هناك جحشٌ في أورتي فهو البكك” وكان يقول بأن (البكك جحش تركيا).

مام جلال: (لو آويت البكك لبيتك وأطعمتها وخدمتها لقدمت إلى فراشك وقالت: هذا فراشي، أخرج من هنا!)

كان مام جلال أعرف الناس بالبكك، عام 2008، أرسل مراد قره يلان رسالة غير مباشرة لمام جلال التمس منه السماح لبعض مؤسّسات البكك كـ (بيجاك PJAK) فقال مام جلال لمسؤول فرع رانيه للاتحاد الوطني: (هناك مقولة حول العرب تقول: لا تسلّموا على العرب، فهم سيدوسونك بالنعال) وكذلك البكك، مهما قدّمت لها من عون فلن تتذكّر ما قدّمت لأجلها، وستأتي لفراشك وتقول (هذا فراشي) فمهما سمحنا لها فستنقلب علينا وتغدر بنا وتقتلنا، ففي حياة مام جلال وعهده لم يسمح إطلاقاً للبكك بالتواجد في السليمانية.

على قادة الاتحاد رؤية هذه الحقيقة

كان موقف مام جلال موقفاً صحيحاً، وما كان استقرار أوضاع السليمانية إلّا نتاج مواقفه

موقف قيادة الاتحاد الحالية والقاضي بتحويل السليمانية لجبهة حرب للبكك عقّدت أوضاع المدينة، وبات الخطر يحيط بها من كلّ جانب، فتحوّلت جبال السليمانية لساحة حرب للبكك، البكك تقول لإيران إنها تتحكّم بالمنطقة، وأنا اقوى من الاتحاد، اجعلوا تعاملكم لي اساساً، وتقول للعراق إنّني أؤثّر على الاتحاد، اجعلني محور اهتمامكم، تحاول الاستفادة من فرص الاتحاد والإظهار بمظهر القوة المناوئة والبديلة للاتحاد في مناطقه، تطالب بحصّتها من اقتصاد الاتحاد، تفرض الجمارك على العديد من المناطق الحدودية كـ بينجوين وغيرها، تأخذ الضرائب والإتاوات من الأهالي وأصحاب الحرف، تزداد أوضاع السليمانية الاقتصادية نتيجة تواجدها يوماً بعد يوم، وكأن الاتحاد يقطع الغصن الذي يقف عليه!

على قيادة الاتحاد الوطني أن تستوعب ما يجري حولها، وأن تعود لرشدها ووعيها، وتنقذ السليمانية من الاضطرابات التي تعصف بها في أسرع وقت، ولتعرف جيداً أنه لن يضمن أحد أن (البكك التي تحارب البارتي من السليمانية) لن تنقلب على الاتحاد وتحاربه كما فعلت عام 2000، وتقول بأنه ليس بإمكانكم إدارة السليمانية.. فاخرجوا منها!

على الاتحاد أن يتحرّر من جناح إيران والبكك والعودة لإدارة السليمانية واحتضانها من جديد

مقالات ذات صلة