يوم أمس، تعرّض مغنّي كوردي شاب يُدعى (جيهان ئايماز) وكان معروفاً بفن العزف في الشوارع، تعرّض لهجوم عنصري بطعن سكين في قلبه فقد إثره حياته، عندما كان يغني على الرصيف المائي في (كاديكوي) بإسطنبول.
جيهان ئايماز، شاب كوردي في الثلاثين من عمره، من أهالي (قرس) كان يعزف ويغني عندما توجّه نحوه عنصري تركي وطلب منه إلقاء أغنية (أنا أموت من أجلك يا تركيا) والتي تتضمّن مقاطع عنصرية، فرفض جيهان طلب هذا الشخص المجهول، ولكن ألحّ (محمد جايماز) على طلبه مهدّداً الشاب الكوردي ومحاولاً إرغامه على إلقاء تلك الأغنية! وعندما أصرّ جيهان على موقفه ولم يستجب له طعنه العنصري التركي بسكين في قلبه وقتله ورمى بجثّته في البحر!
هل كان مقتل جيهان ئايماز عملاً وجريمة منظّمة؟
هناك معلومات موثوقة حول وجود دوافع عنصرية وراء هذا الهجوم العنصري، ووجود قوة منظّمة وتخطيط مسبق وراء هذه الجريمة، فقد تمّ في السابق استدعاء المغنّي الكوردي الشاب جيهان من قبل، لمركز للشرطة والتحقيق معه واستجوابه.
وكان جيهان قد كشف في التحقيق معه أنه قال بالإضافة إلى الغناء: “لمن يعيش ويقتات على ظهر الفقراء البائسين… جعلنا رجب طيب أردوغان نحتاج لبصلة…) وكان جيهان مصرّاً وبشكل علني أنه: “لو أنهى بي حديثي هذا في السجن فلن انقطع عن الغناء” ولن أخشى أحداً.
النموذج والأسلوب الذي صنعه أوجلان لإنقاذ حياته: التتريك
كان مصير هذا الجدل والنقاش، الموت لا السجن، فـ (جيهان) وبكلّ جرأة وشجاعة، أثبت هويته الكوردية وأبدى ردّ فعل تجاه سلطة أردوغان، وغنّى بها، والهوية الكوردية ما زالت من كبرى الأسباب وراء العديد من جرائم القتل العنصرية بحقّ الكورد في تركيا، ومهما خدع أبناء أمة لا يمتلكون دولة أنفسهم بـالحرية والمساواة والأخوة في دولة أخرى، وأغروا عقولهم بهذه المفاهيم، فجريمة وحشية عنصرية كهذه تثبت أن الحقيقة ليست كذلك بل هي مغايرة تماماً، فالخطّ السياسي الكوردي في كوردستان تركيا-شمالي كوردستان جعلت الكورد محكومين لكذبة الأخوة هذه، فالأتراك وذهنية الدولة الكمالية لم تنظر إلى الكورد في يوم من الأيام كأخوة لهم، ولن تراهم أخوة أبداً، فالمفهوم الخاطئ (النموذج الجديد) والذي صنعه وأبدعه أوجلان لإنقاذ نفسه، مشروع يستهدف الكورد وتحويلهم لعبيد وخدم للأتراك للأبد، بعبارة أخرى، من خطط الاحتلال دفع الكورد لإنكار هويتهم بأنفسهم، والصهر في بوتقة الدولة المحتلّة بإرادتهم، ولقد رأينا بأعيينا كيف أن حادث مقتل جيهان كشف زيف وكذب “أخوة الشعوب” وانتهاء صلاحيتها!
الفيروس الأشدّ فتكاً بالكورد هو: التتريك
برفضه غناء أغنية (أموت من أجلك يا تركيا) حافظ جيهان ئايماز على هويته القومية وصانها، فهذه الأغنية تتضمّن مقاطع عنصرية تركية، ضحّى جيهان بروحه الطاهرة رافضاً هذه العنصرية والخضوع لها، فلهذه الأغنية وقع أليم على أحاسيس وشعور ووعي الكورد في عالم الأحاسيس والعواطف الكوردية، فإرهاب الدولة بحقّ الكورد كان يتمّ تحت ألحان ووقع كلمات هذه الأغنية في تسعينيات القرن الماضي، فالدولة التركية كانت تبيد الكورد وتدمّر قراهم وتحرقها تحت أنغام هذه الأغنية، فعندما كان أطفال الكورد في تلك الفترة يسمعون موسيقى هذه الأغنية يعرفون بأن هناك عمليات عسكرية ستحوّل حياتهم لجحيم، وأن قراهم ستحرق وأنهم سيبقون بلا مأوى في آفاق المجهول.
فالقاتل الذي طلب من جيهان إنشاد هذه الأغنية يدرك جيداً مدى الهلع والخوف الذي تخلقه هذه الأغنية في أعماق الشعب الكوردي في كوردستان تركيا، فهذه الأغنية تقبع في ذاكرة الشعب الكوردي، بل تقبع في أشدّ المواضع خوفاً وهلعاً وألماً في ذاكرتهم، ولهذا اختار جيهان وفضّل الموت على غناء هذه الأغنية التي حوربت قوميته على أنغامها، ولكن لم يقبل فقدان الهوية، والجانب الأكثر تراجيدية في هذه القصة المؤلمة هو أن جيهان ئايماز عاشق لحزب الشعوب الديمقراطي HDP ذلك الحزب الذي يحمل فكر (أموت من أجلك يا تركيا!) الفيروس الأشدّ فتكاً بالكورد، التتريك، ذلك الفكر لـ (PKK-HDP) يدافع عن الدولة التركية وعلمها ومبادئها وأسسها، ويراها كمبادئ له! رغم هذا ما زال مؤيّدو HDP يدافعون عن الهوية الكوردية وان اقتضى ذلك التضحية بالروح، والمشكلة الأساسية في كوردستان تركيا-شمالي كوردستان هي أن فكر قادة ومسؤولي الخطّ السياسي وذهنيتهم تركية عنصرية بامتياز، بينما الشعب والجمهور ومخلصيهم… هم من الوطنيين القوميين المخلصين.
هل سيتبنّى HDP قضية مقتل جيهان ئايماز؟!
جسد HDP أي قاعدته الشعبية وجماهيره كورد بينما رأسه أي قادة الحزب ومسؤوليه أتراك، ولو كان خطّ الحركة الكوردية السياسية في كوردستان تركيا كهذا الموقف الحماسي والغيور لجيهان ئايماز لكانت القضية الكوردية في أعلى مراحلها، واتّخذت منحى آخر، ولكن الشعب الكوردي يتمتّع بحقوقه القومية والوطنية و…، لكن الذهنية السياسية التي جعلت الشعب الكوردي متقاعساً متكاسلاً مضطهداً بائساً هي هذا النهج السياسي للتتريك، ففرضوا على الشعب الكوردي سياسية التتريك بل وافتخروا واعتزّوا بها، ولهذا نقول بأن فكر البكك هو قاتل جيهان ئايماز، وتلك الذهنية والمكوّنات السياسية التي جعلت الكورد محكومين للدولة التركية لا تقلّ مسؤوليتها عن مسؤولية الجاني المجرم.
فيا ليت شعري، هل ستخرج بارونات الحرب هذه، والساسة الكورد أمام براءة شباب الكورد المتغنّين المتحمّسين لهويتهم القومية والوطنية، وهل سيظهرون في التجمّعات الانتخابية مطالبين بدم الشهيد جيهان ئايماز أم لا؟!