الجزء الأول: هل العراق جحيم أم خلاص بالنسبة للإيزيديين؟
في الآونة الأخيرة، تحدّثت وسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني بكك، كثيراً عن الإدارة الذاتية لشنگال، وردّدت متزعّمة أن بإمكان الحكومة الاتّحادية في بغداد الاعتراف بالحكم الذاتي -الإدارة الذاتية- لشنگال، ومن المفارقات أن خطى البكك حول شنگال وضغوطات قواتها المسلّحة على إقليم كوردستان، وفي الجانب الآخر، الضغوطات الاقتصادية والسياسية للحكومة الاتّحادية في بغداد على إقليم كوردستان، تجري بموازاة بعضها البعض!
ورغم محاولات بعض الأطراف من إظهار مشروع الإدارة الذاتية لشنگال كعملية طبيعية، ولكن لدى تقييم الوضع الجيوسياسي في المنطقة سيتّضح أن هناك مخطّطات ومؤامرات خطيرة ومخفية تحت مطلب (الإدارة الذاتية لشنگال).
ما هو تقارب الدولة العراقية من الإيزيديين؟!
منذ تأسيسها ولغاية اليوم، فتحت الدولة العراقية الأبواب على مصارعها لعمليات إبادة شنگال ودمارها، فبادئ ذي بدء، أجبرت الشعب الإيزيدي في شنگال على الابتعاد من ملاذهم وحصنهم الوحيد ألا وهو جبل شنگال، والتوجّه صوب السهول والصحارى المجاورة لشنگال، وبطبيعة الحال، لم تكن هناك أية فرص مهيئة للزراعة وتربية الحيوانات، ما جعل الناس محرومين من قوة الدفاع عن النفس وكذلك الاكتفاء الذاتي، كما تمّ استخدام الكورد الإيزيديين الفقراء في شنگال -استغلالاً لفقرهم وعوزهم- ضدّ الكورد خلال عهد صدام، فمن ناحية حاول صدام تعريب الإيزيديين، ومن ناحية أخرى لم يدّخر جهداً في قلب الكورد ضدّ الكورد أي -ضرب الكورد بالكورد.
أعدّت دولٌ عربية كالعراق ولبنان وبعض الأطراف في دول أخرى كأرمينيا، العديد من الوثائق التي تزعم أن الإيزيديين ليسوا كورداً، علماً أن الإيزيديين هم كورد أصلاء عريقيين، فحتّى كتابهم المقدّس مكتوب باللغة الكوردية، ويؤدّون طقوسهم وشعائرهم كالصلاة والعبادات باللغة الكوردية، فحاولت الدولة العراقية تأسيس جماعة إيزيدية مرتبطة بها وسلخهم عن قوميتهم الأصيلة.
بعد الإطاحة بنظام صدام، لم يتغيّر موقف الحكومات المركزية المتعاقبة في بغداد، ولطالما ظلّ الكورد الإيزيديين يتامى الأم-عجيّ- في ظلّ الدولة العراقية، ففي صدارة المواطنة في العراق يأتي العرب الشيعة، يليهم العرب السنة، ثمّ المسيحيون ثمّ الكورد، وأخيراً يأتي الكورد الإيزيديين، وعندما تتعلّق القضية بالكورد يتّحد السنة والشيعة معاً على الفور.
ورغم مرارة هذه الحقيقة، يتمّ تعريف الكورد الإيزيديين في الشرق الأوسط بأنهم (عبدة الشيطان) بمعنى أن فكرة قتل الرجال وسبي النساء والذراري وبيعهن في أسواق النخاسة ليست ذهنية “داعش” فحسب، بل هي ذهنية الدولة العراقية منذ قرن، فالعراق تعيش أسوأ صور الإسلام وأشكاله، فلو تركنا اختلاف الأديان جانباً، فالصراعات الطائفية والمذهبية بين أبناء الديانة الواحدة نفسها نجمت عنها تحليل دماء بعضهم البعض وضرب رقاب بعضهم البعض، فما زالت الشيعة والسنة يضربون أعناق بعضهم البعض باسم الدين وتحت راية (الله أكبر)!
الملاذ الوحيد للديانة الإيزيدية في الشرق الأوسط هو حكومة إقليم كوردستان، وضمان بقائهم المادي وهويتهم السياسية اليوم هو وجود إقليم كوردستان.
الدولة العراقية لم تعترف لغاية اليوم بما حدث للإيزيديين على أنه إبادة جماعية
لازمت الدولة العراقية صمتاً عجيباً تجاه الإبادة الجماعية في شنگال عام 2014، ولم تتّخذ أية إجراءات سواء أثناء الحدث أو بعده، فحتى اليوم، عرّفت 14 دولة ومنظمة أحداث شنگال عام 2014 على أنها “إبادة جماعية”. في الجانب الآخر، عيّن برلمان إقليم كوردستان في تشرين الأول 2019 يوم 3 آب كيوم الإبادة الجماعية، بعدها كذلك تمّ استقبال الإيزيديين ورعايتهم وحمايتهم من قبل إقليم كردستان، وتمّ افتتاح مكتب تحرير المختطفين الإيزيديين، حيث أنقذت هذه المؤسّسة 94 في المائة من الإيزيديات المختطفات اللواتي تمّ إنقاذهن، وتعلّق الإيزيديون بعد الإبادة الجماعية بالفرص التي هيّأها لهم إقليم كوردستان.
بينما الدولة العراقية لمّ تخطو أية خطوة لغاية الآن، فحتى من الناحية المادية لم يتمّ تخصيص ميزانية لشنگال، ولم يتم منح تعويضات للضحايا المتضرّرين، بل كلّ ما فعلته الحكومة العراقية هو إرسال ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية إلى شنگال وجعل ميليشيات حزب العمال الكوردستاني قوات رسمية تحت مسمّى وحدات حماية شنگال (YBŞ) وتعيينها كجزء من ميليشيات الحشد الشعبي، وتوطين العرب الذين ساعدوا داعش في شنگال.
في خضم موقف عراقي كهذا، لماذا تحاول البكك وبإصرار ربط شنگال بالعراق؟
جحيم الشعوب… العراق
هل ستمنح الدولة العراقية إدارة ذاتية -حكماً ذاتياً- لشنگال؟! بدايةً لنسأل: هلّا ننظر إلى وضع العراق؟ فقبل أسبوعين، أقالت الدولة العراقية البطريرك الكلداني الكاثوليكي لويس رافائيل ساكو من منصبه، تكافح العراق جاهدة تحجيم إقليم كوردستان وتقليصه، تحرّم إقليم كوردستان من حقوقه الاقتصادية، باختصار، هذه هي عقلية الدولة العراقية وليست الحكومات العراقية، فالعراق جحيم للأعراق والمكوّنات المختلفة، وعندما يكون الوضع في العراق على هذا النحو، فكيف ترى البكك بغداد على أنها منقذة لشنگال؟! ولماذا ستمنح العراق إدارة ذاتية لشنگال؟
في الواقع، يعود مخطّط فصل جزء من أرض كوردستان إلى الميثاق الوطني-ميساق مللي والشيعة والعرب الآخرين، فهم أيضاً يريدون فصل كركوك، شنگال، گرميان، خانقين عن كوردستان، هدفهم هو حرمان كوردستان من سلطتها وسيادتها.
لذا، لا ينبغي أن يخدع أحد نفسه، فالعقلية العربية الشيعية العراقية التي غيّرت ديمغرافية كركوك وجعلتها عربية، ومنعت المزارعين من الزراعة، تعادي الكورد تحت مسمّى الإدارة الذاتية لشنگال، الهدف الوحيد هو فصل شنگال عن كوردستان لا غير.
عرض مسرحية لوزان الثانية في شنگال
العراق لا يساوره قلق بشأن شنگال أو الإيزيديين على الإطلاق، لكن هناك العديد من الميّزات التي جعلت من شنگال محطّ أنظار ومركز جذب كلّ من إيران وتركيا والعراق، أحد الأسباب هو الجغرافيا، فلديها موقع هام على الطرق المهمة للمنطقة الشيعية-السنية، كما هي أيضا خط هامّ بين أجزاء من كوردستان، لكن هناك قضية أخرى جعلت من شنگال أكثر اهتماماً ألا وهي حقول الغاز الطبيعي والنفط، فحتى الآن تمّ العثور على 3 احتياطيات نفطية مهمة هناك، حيث تظهر الأبحاث أن آبار النفط في شنگال أكبر من آبار كورمور.
تلك الدول وأذيالها ومواليها تدرك جيدًا حجم ثروات شنگال، وهذا هو سبب اهتمامها وتعلّقها الشديد بها، ففي عشرينيات القرن الماضي، أدّت المفاوضات السرية في لوزان بعد اكتشاف النفط في الموصل وكركوك إلى تقسيم كوردستان في لوزان، واليوم، يتمّ عرض نفس المسرحية، فالمسرحية التي تُعرض في شنگال اليوم، بعد اكتشاف الثروات الباطنية ومشروع فصل بعض المناطق عن كوردستان لو أطلق عليه اسم (لوزان الثانية) فلن يكون خطأً إطلاقاً.
فكما تمّ إجبار الكورد على المشاركة في لوزان من خلال الكورد الخونة، وانقسام كوردستان ككلّ وتقسيمها، فهذا ما يحدث بالضبط اليوم في لوزان الثانية، حيث يتم استخدام الكورد الخونة والجحوش كالبكك بين بغداد وشنگال، ويتمّ إحاكة شبكة الخيانة في شنگال بمساعدة البكك بل وبيديها!
الجزء الثاني: من جلب حزب العمال الكوردستاني بكك إلى كركوك وشنگال؟
ما الذي سيحصل عليه حزب العمال الكوردستاني بكك مقابل بيع شنگال؟
لا سمح الله إذا ضعف كيان إقليم كوردستان، فماذا سيواجه الإيزيديون آنذاك؟