حُماة كوردستانيّة عفرين ومهجّروها المنسيّون

حُماة كوردستانيّة عفرين ومهجّروها المنسيّون

بقلم: شيخو عفريني

اتّخذها البارزاني الخالد مبدأً وقاعدةً ثابتة “إن بقي الشعب بقيت القضية” فالقضيةُ مرتبطةٌ بالشعب، وجوده يعني ديمومة القضية. في عفرين ثمة حماةٌ للهوية الكوردية والكوردستانية يحرسون القضية، لا يحملون سلاحاً، بل وجودهم ضمن مستنقعٍ مليء بالانتهاكات والتجاوزات والمحاولات المستمرة لطمس ومحقّ وسحق الكورد، باتوا شوكة في أعين الطغاة وكلّ من راهن أن عفرين فقدت هويتها الكوردية.

الحماة هم أولئك الذين أبوا الخروج من مدنهم وقراهم وبيوتهم، ورفضوا الانصياع لتلك الدعوات الخلبية التي نادت بالتحرير والفتوحات الكاذبة من قبل جهات سلّمت المدينة ونواحيها وقراها على طبق من ذهب، في حربٍ معلومة النتائج في مواجهة جيشٍ عرمرم يمتلك الطائرات والمدافع وأحدث الأسلحة المدمرة.

لم يعد خافياً على القاصي والداني أن الهدف من الانتهاكات المتواصلة بحقّ المتبقين من الشعب الكوردي في عفرين منذ 18 آذار 2018 هو إبادتهم وإفراغ المنطقة من شعبها الكوردي، وتوطين المزيد من العائلات العربية والتركمانية… لكنْ المتبقون والعائدون كسروا القيود وأفشلوا الخطط في وجه عمليات التغيير الديمغرافي وتغيير التركيبة السكانية للمنطقة.

ربما يتبادر إلى أذهان أحدهم: هل فعلاً عفرين تعرضت للتغيير الديمغرافي؟ بالطبع نعم، ولكن وجود المتبقين من الشعب الكوردي، وعودة العوائل الكوردية التي تشهد مراراً هم من يستطيعون إفشال المخطّط، وبالفعل أجهضوا المخطّطات المحاكة.

عودة مباركة

في الآونة الأخيرة، شهدت المنطقة عودة مباركة للعوائل والأسر اللاجئة في لبنان وتركيا وإقليم كوردستان، والنازحة في حلب وأحيائها، والمهجرة في مخيمات الشهباء بريف حلب والمناطق الأخرى. نعم سلكوا ويسلكون طرق الموت واجتازوا حدود الدول والمحافظات واختاروا العودة والارتماء إلى موطن الآباء والأجداد، فوحدهم مستمرون في الحفاظ على الهوية الكوردستانية لها في خضم الانتهاكات ونتائج الحرب المستعرة منذ اثني عشر عاماً على كافة البقع والجغرافية السورية، ثمة من يدفع مئات الآلاف كي ينجوَ بنفسه، ويستطيع الوصول إلى إحدى الدول الأوربية، بالمقابل ثمّة عوائل كوردية يدفعون آلاف الدولارات لتجار الحرب والإنسانية، ويعودون أدراجهم إلى مسقط رأسهم في عفرين، ربّما هي الحالة الوحيدة بين المدن والكوردية والعربية، بالتأكيد هي الحالة الوحيدة، نعم هي عودةٌ إلى الذات، وتجسّد العودة تلك مدى صدق وارتباط وانتماء الكورد إلى مدينتهم ورمزها الزيتون وجبال هاوار وليلون وقلعتها سمعان والنبي هورو وشلالات كمروك وبحيرة ميدانكي ونهري الأسود وعفرين… من يصبر عشرة أعوام أو أكثر على شجرةٍ كي يجني ثمارها لا يمكن أن يستغني عنها بهذه السهولة.

المهجرون المنسيون

كلّنا على علم وعاصرنا الأحداث والمجريات التي جرت في حرب عفرين والطريقة الممنهجة المتّبعة لإخراج الكورد في عفرين من قبل إدارة (PYD) عن طريق حاجز ترندة وهو المؤدّي إلى حلب، والإصرار على منع الأهالي من العودة إلى قراهم في حاجز المحمودية وهو حاجز يؤدّي إلى كافة القرى والنواحي والبلدات التابعة للمدينة بتاريخ 16 آذار 2018، وإجبار أكثر من 300 ألف كوردي على مغادرة عفرين والسير بهم إلى خمسة مخيّمات في تل قراح وتل سوسين وتل رفعت وقرى نبل والزهراء والتي باتت معروفة بمنطقة الشهباء، منذ ذلك الوقت توهّمت هذه الإدارة أنّها ستحرّر عفرين من تركيا، علماً أنها لم تكن تسلّمها لها لو كانت تريد تحريرها بالأصل، أو بالأحرى القضية أكبر من إدارة (PYD) وغيرها، فكانت صفقة بين الدول الإقليمية، ونفّذت بأيادٍ محلية. خمس سنوات على وعود التحرير والمهجرون منسيون، لا بل ثمّة مصادر تفيد بنقل المهجّرين الكورد إلى صحاري الرقة والبادية السورية. المهجرون الكورد هم أصحاب الأرض والعرض في عفرين ولهم الحقّ في اتخاذ قرارهم وتحديد مصيرهم في العودة، فآن الوقت أن تفكّوا قيودكم عنهم، فالكثير اتّخذ قرار العودة وسيعودون عاجلا أم آجلاً.

على المجلس افتتاح مقراته ومكاتبه…

منذ السادس من شباط من العام الجاري والزلزال الذي ضرب المنطقة وكانت لمدينة جنديرس الحصة الكبرى من الدمار والضحايا والشهداء… وكذلك بعد مجزرة جنديرس البشعة والتي راح ضحيتها أربعة شهداء من عائلة بيشمرك الكوردية والوطنية عشية نوروز 20 آذار 2023 بيد مسلّحي جيش الشرقية، أقرّ المجلس الوطني الكوردي في سوريا افتتاح مكاتبه ومقراته في عفرين؛ بهدف الوقوف مع معاناة الأهالي والحدّ من الانتهاكات، ولكن للأسف لم نرَ حتى الآن أية خطوة من قبل المجلس، ومع تسارع وتيرة حملة العودة من الضروري أن يبادر ويسارع المجلس في تنفيذ قراره وفتح مكاتبه واستقبال العائدين، وتسوية أوضاعهم والإسراع في إعادة ممتلكاتهم المسلوبة والمستولية عليها من قبل العرب والتركمان.

رسالة إلى العرب الموجودين في عفرين…

عندما تستولي على منزل لكوردي، اعلم أنك تتسبّب في تغيير ديمغرافية مدينتك قبل عفرين، وحسب الإحصائيات فإن أكثر من نصف مليون عربي من مدن ومحافظات سورية تمّ توطينهم في عفرين، فعندما ترضى بالانتقال إلى المستوطنات فإنك تبادر إلى تغيير التركيبة السكانية لمدينتك الغوطة وحمص ودير الزور وتل رفعت وغيرها، فكما تستولى على ممتلكات غيرك هناك الشيعي والإيراني يستولي على ممتلكاتك، طالب بالعودة الآمنة، وكن سبباً في منع إحداث أي تغيير للديمغرافي.

أخيراً…

المقاومةُ الحقيقيّة هي العودة إلى أرض الآباء والأجداد، نباركُ عودة عوائلنا الكورديّة إلى مسقط رأسهم في عفرين ونواحيها وقراها، العائدون وحدهم يستطيعون إفشال كافة المخطّطات والمؤامرات المحاكة، بينما الوعود والأقاويل والأحاديث التي طالت لا تسمن ولا تغني من جوع، وخاوية بلا معنى.

عفرين كوردستانيّة كانت وبقيت وستبقى. المتبقون والعائدون هم حماة كوردستانية عفرين سلاماً لهم. ولهم ترفع القبعات. الفرصة مواتية لا تكن نسخة من فلسطينيي 1948.

مقالات ذات صلة